إن المواطَنة الحقيقية يجب أن تُعبر عنها الطاعة الكاملة للقرارات السياسية الصادرة عن الدولة ونظامها السياسي، والتقيّد بالتوجهات الفكرية التي تبنتها الدولة ونظامها السياسي لتقوية وحدة صفوف المجتمع، والتعاون المُطلق مع الدولة ومؤسساتها لفضح العناصر المُتطرفة والإرهابية والعميلة والتابعة للخارج.. الدعم، التأييد، المُساندة، الإعانة، المعاونة، النصرة، المناصرة، المؤازرة، الموافقة، الدفاع، التشجيع، جميعها سِمات جليلة وصِفات سامية تنتظرها وتتوقعها الدول والأنظمة السياسية من جميع مواطنيها في كل مكان يوجدون فيه، وفي كل وقت يخدمون فيه وطنهم. والدول والأنظمة السياسية عندما تنتظر وتتوقع هذه المواقف الوطنية المُخلصة لوطنها إنما تقوم على مبدأ أصيل وقيمة ثابتة تتمثل في اليقين الكامل بوفاء وولاء وإخلاص أبناء الوطن لوطنهم أياً كانت انتماءاتهم العرقية والمناطقية، ومرجعيتهم الدينية والمذهبية، ومستوياتهم الاجتماعية والاقتصادية والمادية والمالية، وغيرها من الاعتبارات التي قد تحدث بين الأفراد ولدى العامة في جميع المُجتمعات. ولعل القيمة الرئيسة التي بُني عليها ذلك اليقين الكامل تجاه الموطنين في جميع الدول يتمثل في قُدسية الوطن لدى جميع المواطنين، حيث يأتي الوطن أولاً وقبل كل شيء، وعزته تأتي أولاً وقبل كل شيء، ورفعته تأتي أولاً وقبل كل شيء، ونصرته تأتي أولاً وقبل كل شيء، وتأييد قراراته يأتي أولاً وقبل كل شيء، ودعم توجهاته السياسية يأتي أولاً وقبل كل شيء، وتنفيذ خططه واستراتيجياته يأتي أولاً وقبل كل شيء، وطاعة قادته وولاة أمره تأتي أولاً وقبل كل شيء. بهذه المبادئ الرئيسة والقيم الأصيلة التي تُقدِس الوطن تتمثل الوطنية بأسمى معانيها، وأعلى مستوياتها، وأرقى أساليبها، وأنقى ممارساتها؛ أما إذا انتفت قيمه من تلك القيم الأصيلة، ولم يتحقق مبدأ من تلك المبادئ السَّامية، فهنا تصبح الوطنية منقوصة، والتشكيك في التوجهات الفكرية والتبعية السياسية واجباً من الواجبات. ولكن هل من الممكن أن تكون الوطنية منقوصة، والتشكيك مشروعاً في وطنية البعض؟ نعم، قد يكون من الصعب جداً في أي مجتمع القول إن هُناك وطنية منقوصة لدى بعض الأفراد، وقد يكون من الصعب جداً، أيضاً، في أي مجتمع التشكيك بوطنية البعض، إلا أن الواقع الذي نُشاهد عليه بعض الأفراد في المجتمعات يدفع أي شخص وفي أي مجتمع للقول إن الوطنية منقوصة لدى هؤلاء الأفراد، وكذلك يدفع للتشكيك بوفائهم وولائهم وإخلاصهم لوطنهم. ولعلنا هنا نؤكد أنه من المؤلم جداً القول إن وطنية فرد من الأفراد منقوصة، أو أن يتم التشكيك بأي فرد من الأفراد، إلا أن السلوك القائم، والحراك المُشاهد، والممارسة الفعلية، والتوجهات السياسية، والتبعية الفكرية، هي المؤشرات التي يُمكن الاستدلال بها، والبناء عليها، للحصول على إجابات موضوعية، وليس الاعتقادات الشخصية والاعتبارات الخاصة التي تنحرف بالموضوعية عن وجهتها الصحيحة. ولعلنا هُنا يجب أن نؤكد أن نظرتنا لجانب الوطنية المنقوصة، أو التشكيك بالولاءات الوطنية، يركز على تأييد ودعم ومساندة المواقف الصَّلبة التي تتخذها وتتبناها الدولة، من تلك المواقف التي تتباين وتتنافى وتتعارض مع المواقف الصَّلبة التي اتخذتها وتبنتها الدولة. وهذا يعني أن المسألة هنا تتعدى تماماً النِقاشات والحوارات العامة المُجردة التي تدور في أي مجتمع إلى تلك المواقف الفكرية والتوجهات السياسية التي تتعارض مع مواقف وتوجهات الدولة. نعم، إن الدولة عندما تتخذ وتتبنى مواقف سياسية صلبة – تُعبر مباشرة عن قراراتها السياسية التي لا يمكن التنازل عنها، وتوجهاتها الفكرية التي لا يمكن المساومة عليها، وسيادتها الخارجية التي لا يمكن التفريط بها، وأمنها الداخلي الذي لا يمكن التضحية به، وحفظ حدودها البرية والبحرية والجوية بكل الطرق والوسائل المشروعة للدول، وسلامة وحدة مجتمعها وتقوية صفوفه الداخلية مهما كلف الأمر – فإنها لن ترضى من أي أحد المواقف المتأرجحة، ولن تقبل من أي أحد المواقف المُترددة، ولن تُسامح أصحاب المواقف المعارضة، ولن تغفر لأصحاب التوجهات المناهضة، ولن تقبل أصحاب التبعية الخارجية، لأن هؤلاء جميعهم ساعون لزعزعة أمنها الداخلي، وسلمها الاجتماعي، واستقرارها السياسي. وهذه المعادلة السياسية الصَّارمة تشترك بها وفيها جميع الدول أياً كانت مسمياتها، وأنظمتها السياسية، ومواقعها الجغرافية، وتوجهاتها الأيديولوجية، ومرجعياتها الدينية والمذهبية والعرقية واللغوية، لأنها جميعها تسعى للبقاء والاستمرار وهي آمنة ومستقرة ومزدهرة. فإذا كانت هذه هي المعادلة السياسية الصَّارمة التي لا تتنازل عنها أي دولة في المجتمع الدولي مهما كلفها الأمر، فماذا يعني ذلك؟ إن الرسالة المُباشرة والواضحة والبيِّنة التي يجب أن يفهما ويعيها ويستوعبها الجميع – أياً كانت مسمياتهم، ومستوياتهم، ومواقعهم الوظيفية، ومرجعياتهم الاجتماعية – هي أن الحياد في قضايا الوطن الرئيسة – خاصة تلك المتعلقة بالأمن الداخلي، والسلم الاجتماعي، والاستقرار السياسي، وفضح أتباع الأعداء، ومكافحة التطرف الفكري، ومحاربة التنظيمات الإرهابية – تُعتبر خيانة عُظمى للوطن؛ لأن حيادهم يعني أنهم لا يؤمنون بالقرارات السياسية، ولا يدعمون توجهات الدولة الفكرية، بينما سيعملون على تمكين أعداء الوطن من مؤسساته، وسيسعون بصمت لهدم الوطن من داخله. نعم، إن هذه المواقف المتأرجحة والمُترددة والمتناقضة والحانقة – التي يطلق عليها تخفيفاً مصطلح الحياد – ليست في باطنها إلا مواقف خائنة لوطنها وإن ادعت علناً أنها مُحبة ومُخلصة لوطنها، وليست في حقيقتها إلا مواقف خائنة لوطنها وإن تصدرت المشاهد والمنابر والصفوف متغنيةً بحب الوطن وعشق ترابه. نعم، إن الحياد تجاه أمن وسلم واستقرار الوطن وعدم الإبلاغ عن أعدائه خيانة، والحياد تجاه زعزعة وحدة المجتمع والصمت عن مثيري الفتنة خيانة، والحياد تجاه الفكر المتطرف مع الإيمان بأفكار المُتطرفين خيانة، والحياد تجاه التنظيمات والجماعات الإرهابية وعدم الإبلاغ عن عناصرها وأتباعها خيانة، والحياد بعدم الوقوف مع جميع سياسات الدولة خيانة، والحياد تجاه مواقف عُملاء وأتباع الخارج وتبرير تبعيتهم وارتزاقهم لأعداء الوطن خيانة. إنها الحقيقة التي يجب أن يُرفع بها الصوت عالياً لتنكشف مخططات وأهداف أعداء الوطن من المُتطرفين والإرهابيين والمرتزقة وعملاء الخارج، وليحذر العامة من دسائس ومؤامرات المُندسين والمُتلونين والمُتقلبين المستظلين بظلال الوطنية وهم لها خونة. وفي الختام من الأهمية القول إن المواطَنة الحقيقية يجب أن تُعبر عنها الطاعة الكاملة للقرارات السياسية الصادرة عن الدولة ونظامها السياسي، والتقيّد بالتوجهات الفكرية التي تبنتها الدولة ونظامها السياسي لتقوية وحدة صفوف المجتمع، والتعاون المُطلق مع الدولة ومؤسساتها لفضح العناصر المُتطرفة والإرهابية والعميلة والتابعة للخارج؛ فإن لم تتوفر هذه العناصر المُعززة لأمن وسلم واستقرار وازدهار المجتمع لدى أي فرد، فإن التساؤلات واجبة حول الولاءات التي تمكنت من عقل وفكر وقلب ذلك الفرد، إذ لا حياد في قضايا الوطن مهما كانت المبررات والمسميات والمصطلحات المستخدمة للدفاع عن أصحاب الأهواء والأتباع والفكر المنحرف.
مشاركة :