رفع أسعار الفائدة أمر ثانوي لاقتصاديات الخليج أمام أسعار النفط!

  • 12/21/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

تقول النظرية الاقتصادية إن العملة المربوطة بعملة أخرى ينبغي أن تتبع السياسة النقدية ذاتها لتلك العملة. هذا بالضبط ما دفع كلاً من المملكة، والكويت، والإمارات، والبحرين إلى رفع أسعار الفائدة بعد بضع ساعات فقط من صدور قرار البنك المركزي الأميركي برفع معدل الفائدة بواقع ربع نقطة مئوية يوم الأربعاء الماضي. هذه هي الخطوة الأولى من العملية التي سوف تستمر في 2016، ومن المرجح أن يرتفع سعر الفائدة في دول الخليج بمعدل نقطة مئوية أخرى. ما هي تداعيات رفع سعر الفائدة على دول مجلس التعاون الخليجي؟ في معظم البلدان، لا يعد رفع معدلات الفائدة أمراً ساراً، لاسيما وأنها تعيق النمو الاقتصادي عبر تراجع الاستهلاك والاستثمار. لكن الأمر هذا يختلف بالنسبة لمعظم البلدان الخليجية. ويذكر أنه عندما رفع مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي سعر الفائدة آخر مرة في عام 2004، كان سعر برميل النفط الواحد يعادل 35 دولاراً، أي قريباً جداً من مستوياته الحالية. في تلك الفترة، لم يكن يساور صناع السياسة والمحللون في الخليج أي قلق حيال رفع سعر الفائدة وفق ما هو معتاد. بل كانت مخاوفهم من أن يقضي انخفاض النشاط الاقتصادي عالمياً على تصاعد أسعار النفط. وقبل ذلك بعامين، تضاعفت الأسعار تقريباً حتى بلغت أعلى مستوياتها قبل أيام قليلة فقط من رفع سعر الفائدة محققةً 37 دولاراً للبرميل الواحد. وقد ثبُت مع مرور الوقت أن لا أساس من الصحة لمخاوف دول الخليج. إذ واصلت أسعار النفط ارتفاعها، وتضاعفت من جديد في العامين الماضيين. نتيجة لذلك، زاد الإقراض بشكل كبير في المنطقة رغم ارتفاع الأسعار، وهو ما يؤكد على أن معدلات الفائدة تلعب دوراً هامشياً في المنطقة. في حين أن الطريقة التحليلية التي استخدمت في 2004 يمكن تطبيقها اليوم. وما اتفقت دول المنطقة على أهميته هو سعر النفط وليس معدلات الفائدة. أما ثقة المستثمرين والإنفاق الحكومي فيشكلان الدوافع الرئيسية للائتمان في الخليج، ويحددهما معاً إيرادات النفط. من جهته، يشهد استهلاك الأسر ترابطاً قوياً مع الرواتب، في منطقة تستقطب الوظائف الحكومية معظم المواطنين، إذ تبلغ نسبتهم في الكويت 80%، وفي السعودية 90%، وفي الإمارات 90%. الأمر ذاته ينطبق على الودائع الحكومية في البنوك الحكومية والمشروعات الاستثمارية التي تقودها الدولة، حيث تعتبر من الدوافع الرئيسية لإقراض الشركات. وجميعها تعتمد على قدرة الحكومة على توليد الدخل، والنفط الذي يمثل 85% من إيرادات دول المنطقة. بالنسبة لمعنويات وثقة المستثمرين، فإنها تلعب دوراً مركزياً. إذ بدأت معدلات الاستهلاك بالتدهور قبل أن تزيد معدلات الفائدة أو تنخفض الرواتب. هذا وتشير بيانات شهر أكتوبر إلى أن السحب من أجهزة الصراف الآلي في المملكة قد تراجع إلى أدنى مستوى له هذا العام. أما في الكويت، فتراجعت ديون الأسر والمعاملات عبر بطاقات السحب الآلي في الأشهر الإثني عشر الأخيرة. ويجعل هذا التراجع المالي المستهلكين أكثر حذراً تجاه الإنفاق، والشركات الخاصة تصبح أكثر توخياً للاقتراض، فيما تحترز البنوك هي الأخرى من الإقراض. بالإضافة إلى ما سبق، هناك عامل آخر يفسّر تراجع السيولة في المنطقة، ألا وهو أنه بدلاً من إقراض الشركات، باتت البنوك اليوم تقرض الحكومات التي تحتاج المال لسد فجوة العجز المالي نتيجة تراجع أسعار النفط، وهو ما نجم عنه ارتفاع المعدلات. ففي المملكة، ارتفع معدل الإنتربنك لسنة واحدة إلى أعلى مستوى منذ ست سنوات في أكتوبر حيث بلغ 1.33%. ونتيجة لذلك، كان الإقراض في المنطقة ضعيفاً منذ أن بدأت أسعار النفط بالانخفاض في أواخر 2014، على الرغم من أن المعدلات في أدنى مستوى لها تاريخياً. على سبيل المثال، تراجع الإقراض إلى القطاع الخاص في المملكة إلى 5% الشهر الماضي، وهو المستوى الأدنى في خمس سنوات. أما في الإمارات العربية المتحدة، فقد بدأ معدل نمو الإقراض هو الآخر بالتراجع قبل عام، إذ هبط من 12% في شهر نوفمبر من العام 2014 إلى 2% في يوليو من هذا العام. الأمر ذاته انطبق على الكويت، إذ تراجع النمو الائتماني من 8% إلى 5% في الأشهر الاثني عشر الماضية. ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه. أما السيولة ففي طريقها نحو الشح وستصبح مكلفة، لكن اللوم لا يقع على ارتفاع أسعار الفائدة التي تحرضها دورة تقييد السياسة النقدية في أميركا بالنسبة لدول الخليج، بل على النفط. *خبير اقتصادي في شركة آسيا للاستثمار

مشاركة :