ما زلت أسبح، باستمتاع، في بحر الوثائق والملفات التاريخية المحفوظة في المكتبة البريطانية، والتي اهتمت بها مكتبة قطر الوطنية وجعلتها متاحة للجميع من خلال موقعها الإلكتروني على الشبكة العنكبوتية. وقد اخترت للقراء الكرام ملفاً جميلاً يعود تاريخ إعداده إلى عام 1856م، ويتناول مقتطفات من تقارير عديدة تتعلق بدول الخليج، وخصوصاً عمان والكويت. جاء عنوان الملف كالتالي «مختارات من سجلات حكومة بومبي»، وتضمن مواضيع تاريخية عن سلطنة عمان والبحرين وتقارير مفصلة عن ميناء القرين (الكويت) وجزيرة فيلكا، إضافة إلى جدول للأحداث التاريخية منذ عام 1716 إلى عام 1843 المرتبطة بعمان والقبائل في الجزيرة العربية. يحتوي الملف على حوالي 700 صفحة من المعلومات النادرة والقيّمة باللغة الإنكليزية، التي لو استعرضناها في هذه الزاوية الصغيرة لاستهلكت منّا وقتاً طويلاً، ولذلك سنستعرض فقط ما ورد عن الكويت في هذا الملف المهم، وهي معلومات تضمنتها الصفحات 51 - 54، والصفحات 295 - 296 من الملف. كما توجد معلومات وفيرة عن حلف العتوب وتاريخهم، سنتناول بعضاً منها في سلسلة من المقالات القادمة بعون الله تعالى. ونبدأ بما ورد في هذا الملف المهم عن ميناء الكويت وجزيرة فيلكا، وهي مقتطفات من تقرير أعده الملازم جي فيلكس جونز (من البحرية الهندية) في نوفمبر 1839م. يقول التقرير في بدايته «القرين (أو الكويت) تنعم بالصحة العامة، خصوصاً منذ وباء الطاعون الماضي، لكنها ليست صحية أكثر من المناطق المجاورة في الخليج الفارسي. لقد كانت الكوليرا منتشرة هناك في نفس الوقت الذي ظهرت فيه بين المحليين في جزيرة كرك» (أعتقد أن المقصود هي جزيرة خرج). وهنا يمكننا أن نؤكد من خلال هذه الفقرة أن الطاعون أصاب الكويت فعلاً قبل عام 1839 بسنوات قليلة، وهي السنة المثبتة في التاريخ الكويتي 1831 في عهد الحاكم الثالث للكويت، وهو الشيخ جابر بن عبدالله بن صباح الأول. ويقول المؤرخ عبدالعزيز الرشيد في كتابه الشهير «تاريخ الكويت»، الصادر عام 1926م، إنه «في سنة 1247 (هجري) أصيبت الكويت بطاعون عظيم قضى على كثير من أهلها، حتى كادت تصبح منه قفراً يباباً، لولا المسافرون من أهلها الذين لم يرجعوا إليها إلا بعد صفاء جوّها من تلك الظلمة، رجعوا إليها، ولكن وجدوا الطاعون قد فتك بكثير من نسائهم، فاضطروا إلى استقدام عوضهن من البلاد المجاورة، كالزبير ونجد وغيرها». ويؤكد التقرير أيضاً أن الكويت تنعم بالصحة العامة، أي أنها تهتم بالصحة العامة ومحاربة الأمراض والأوبئة، وهو أمر مهم يعكس وعي المجتمع وجديته واهتمامه بصحة مواطنيه. كما يورد التقرير معلومة تاريخية جديدة، هي أن الكويت أصابها قبل عام 1839م وباء الكوليرا أيضاً قادماً إليها من جزيرة خرج الإيرانية القريبة منها. نكتفي بهذا القدر في مقال اليوم، ونكمل في الأسبوع المقبل إن شاء الله.
مشاركة :