عبدالسلام عمري يجتمع الحجاج في هذه الأيام المباركة من كل عام، من أرجاء المعمورة، في بيت الله الحرام بمكة المكرمة، لتأدية مناسك الحج يحدوهم الشوق إلى تلك البقاع الطاهرة وكلهم رغبة وأمل في أن يعودوا ويرجعوا من ذنوبهم كاليوم الذى نزلوا فيه من بطون أمهاتهم؛ لأن الحج يمحو الذنوب ويكفر الخطايا، ويطهر الأنفس من دنس الذنوب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حجّ فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» متفق عليه. معناه أن الإنسان إذا حج واجتنب ما حرم الله عليه من الرفث وهو إتيان النساء، والفسوق وهو مخالفته الطاعة، فلا يترك ما أوجب الله عليه ولا يفعل أيضاً ما حرم الله عليه، فإن خالف فهذا هو الفسوق. «قال ابن عثيمين» «ظاهر الحديث أن الحج يكفر الكبائر، وليس لنا أن نعدو الظاهر إلا بدليل، وقال بعض العلماء: إذا كانت الصلوات الخمس لا تُكَفِّر إلا إذا اجْتُنِبَت الكبائر وهي أعظم من الحج وأحب إلى الله، فالحج من باب أولى، لكن نقول: هذا ظاهر الحديث، ولله تعالى في حكمه شؤون، والثواب ليس فيه قياس» وجاء في الدرر السنية «بَيانُ فضْلِ الحجِّ، وأنَّ الحجَّ المُستوفيَ لشُروطِه مُكفِّرٌ للذُّنوبِ جَميعِها صَغائرَ وكَبائرَ، إلَّا ما وَرَدَ في حُقوقِ العِبادِ»، ولكن كيف يكون الحج مبرورا؟ يجب على من نوى الحج أن يقوم برد المظالم إلى أهلها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مَن كَانَتْ له مَظْلمَةٌ لأخِيهِ مِن عِرْضِهِ أَوْ شيءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ منه اليَومَ، قَبْلَ أَنْ لا يَكونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إنْ كانَ له عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ منه بقَدْرِ مَظْلمَتِهِ، وإنْ لَمْ تَكُنْ له حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِن سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عليه». رواه البخاري. وأن يتوب توبة صادقة، وأن يقصد بالفريضة وجه الله وأن يبتعد عن الرياء والسمعة فقد قال الله تعالى «وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ» (البينة :5). وروى أبو داود والنسائي عن أبي أُمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وابتغي به وجهه». ويستحب للحاج إذا قصد السفر إلى الحج أو العمرة أن يوصي أهله وأصحابه بتقوى الله عز وجل، وأن يكتب ما له وما عليه من الديْن، ويشهد على ذلك، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما : «أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: ما حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ له شيءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا ووَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ». رواه البخاري، وأن يحرص الحاج على أن تكون النفقة من حلال عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإنَّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المُرسلين»؛ فقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا » (المؤمنون:51)، وقال تعالى: «يَا أُّيهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ» (البقرة:172)، ثم ذكر الرجلَ يُطيل السفر، أشعث، أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغُذي بالحرام، فأنَّى يُستجاب له؟! رواه مسلم.
مشاركة :