أكد إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور فيصل غزاوي -في خطبة الجمعة- على أن موسم الحج يجتمع فيه فضل الزمان وعظمته وشرف المكان وقدسيته وها هي عشر ذي الحجة أفضل أيام الدنيا، وقد قال عنها صلى الله عليه وسلم: "ما العَمَلُ في أيَّامٍ أفْضَلَ منها في هذه، قالوا: ولا الجِهادُ؟ قالَ: ولا الجِهادُ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخاطِرُ بنَفْسِه ومالِه، فلَمْ يَرْجِعْ بشَيءٍ". وقال: إن الأفضل في أيام هذه العشر الإكثار من التعبد، لا سيّما التكبيرُ والتهليل والتحميد، وهذه العشر موسم مشترك بين الحاج وغيره، فهلموا أرشدني الله وإياكم لنكثرَ فيها من ذكره ودعائه ونلهجَ بتمجيده والثناء عليه وشكر نَعمائه، فإن هذا مما يزيد في الإيمان واليقين ويُعين على الثبات على الدين. وأضاف: وها هي ذي مكة المعظمة أحب البلاد إلى الله، فيها البيت الحرام قال تعالى: "إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ"، ولهذا البيت محبة وشوق، وليس أحد من أهل الإسلام إلا وهو يَحن إلى رؤية الكعبة والطواف، والناسُ يقصِدونها من سائر الجهات والأقطار، وهاهم وفد الله من الحجاج والعمار يؤمون البيت الحرام؛ استجابة لأمر الله، وطلباً لمرضاة الله، قد أتوا من كل فج عميق؛ ليشهدوا منافع لهم، ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام، ويأكلوا منها، ويُطعموا البائس الفقير، ويَقضوا مناسكهم، ويُوفوا نذورهم، ويَطَّوفوا بالبيت العتيق، يعظمون حرمات الله، تلهج ألسنتهم على اختلاف أجناسهم ولغاتهم بالتلبية والتكبير والدعاء، يجتنبون الرجس كلَّه، وقولَ الزور، لا يشركون بربهم شيئاً تحقيقاً لكلمة التوحيد لا إله إلا الله؛ فلا ذبح ولا نذر ولا دعاء ولا استغاثة ولا طلب للمدد إلاّ من الله ولا صرْفَ شيء من أنواع العبادة لغير الله، فغايتهم في الحج تعظيمُ الله والإقرارُ بوَحدانيته ونعمه، وتعظيمُ حرماته وشعائره. وتابع: مما يحسن ذكره أن الأعمال الظاهرة يعظم قدرها أو يصغر؛ بحسَب ما في القلوب، وما في القلوب يتفاضل؛ ولا يَعرف مقادير ما في القلوب من الإيمان إلا الله، وتعظيم شعائر الله صادر من تقوى القلوب قال تعالى: "ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب"، فالمعظم لها يبرهن على تقواه وصحة إيمانه، لأن تعظيمها تابع لتعظيم الله وإجلاله، والحاج يمر بالمشاعر والمواقيت بقلبه شوقاً ومحبة وتعظيماً ورغبة قبل أن يمر بها بدنُه؛ لأنه يعلم أن القلب هو محطُّ نظر الرب ومناط التكليف ومنبع العمل ومحركه وأساسه. د. فيصل غزاوي خطيباً
مشاركة :