فيروس كورونا لا يذهب إلى البشر ولا يصيبهم بمحض إرادته فالبشر وحدهم من يتسببون في الإصابة به بعد تخفيف الإجراءات الاحترازية وإعادة فتح مرافق البلاد ومؤسساتها لمزاولة أعمالها على النحو الذي سبق الأخذ بالإجراءات التي كانت ضرورية لإيقاف انتشار فيروس كورونا (كوفيد-19)، وبعد سنتين من المعاناة جراء انتشاره وأفاعيله التي شكلت خسارات على مستويات عدة، عمت الفرحة شعب البحرين والمقيمون على أرضه، غير أن هذه الفرحة العامة لم يُكتب لها أن تستمر لفترة طويلة لنخلف وراء الظهر الكوفيد وذكراه البغيضة؛ إذ سرعان ما عاود الفيروس انتشاره السريع ولكن على نحو ليس مخيفًا كما يؤكد ذلك المختصون. ومع ذلك فهذه العودة أو الطفرة الفيروسية الجديدة تدفعنا إلى التساؤل إذا ما كان علينا اتخاذ تدابير تخفف من هذا الانتشار وتدعم وعي الناس بالصحة العامة. فمع بداية شهر يونيو الماضي بدأت الحالات القائمة لـ(كوفيد-19) تقفز قفزات كبيرة باتجاه الارتفاع، وبالمقارنة مع حالات الإصابة مع اليوم الأول من شهر يونيو حيث بلغت الإصابات 4095 ارتفعت أعداد المصابين في نهاية هذا الشهر إلى أكثر من 14600 إصابة، ولم تنزل طوال شهر يونيو الماضي أعداد الإصابة بالفيروس التي تُعلم بها وزارة الصحة عن 1500، بل إن الأعداد في يوم من أيام هذا الأسبوع تجاوزت 2000 إصابة، وفي أيام كثيرة كانت الأرقام قريبة جدا من ذلك، ما يشير إلى أن هناك خللاً ما ينبغي تداركه. ولكثرة الإصابات بالفيروس لوحظ على وسائل التواصل الاجتماعي تصاعد نسق طرح سؤالين وجهة أولهما اتهامية غايتها تحميل مسؤولية ما وصلنا إليه لطرف ما، وغالبًا ما يُطرح هذا السؤال في صيغة احتمالية توازن بين طرفين ينبغي أن يلام أحدهما في تحمل مسؤولية الوضع الوبائي الحالي، فهل المسؤول هو المواطن أو الفريق الوطني الطبي؟ وأما السؤال الثاني فصيغته تجعله أقرب إلى سبر الآراء منه إلى التساؤل وصيغته الثابتة هي: ما رأيكم في عودة المجتمع للإجراءات الاحترازية التي كانت متبعة في ذروة انتشار الفيروس في صورته الوبائية؟ الحقيقة أنه لا يمكننا تبرير هذا الارتفاع ونقول إن أسبابه غير مفهومة، والأكيد أن أفراد المجتمع هم المسؤولون عن هذا الارتفاع وليس غيرهم؛ ففيروس كورونا لا يذهب إلى البشر ولا يصيبهم بمحض إرادته، فالبشر وحدهم من يتسببون في الإصابة به وانتشار عدواه لاستهتار أو تهاون أو تغافل عن أساسيات الصحة والمحافظة عليها: غسل اليدين، وتهوية المحلات المغلقة، واحترام قواعد التباعد الاجتماعي. وهي قواعد لا نلحظ لها أثرًا في المشاهد الاجتماعية التي تدفع في اتجاه توفير بيئة خصبة لانتشار الفيروس وانتقاله بسرعة أكبر؛ ففي «المولات» وفي تشييع الجنازات وفي المطاعم والاحتفالات بمختلف مسمياتها، دينية كانت أو اجتماعية. لا تجد إلا ازدحامًا وتخليًا عن لبس الكمامة التي نُذكر بأنها إذا كانت غير مطلوبة في الفضاءات المفتوحة فهي واجبة في الأماكن المغلقة. ثم إن أجهزة فحص الحرارة، وأعتقد أنها مهمة أمام الأماكن العامة التي يرتادها الناس، قد اختفت من بعض الفضاءات وحتى في حال بقائها فقل وندر أن تلاحظ من يلجأ إليها، هذا فضلاً عن أن كثيرًا من الناس لا يعيرون انتباها لعارض بسيط قد يكون في واقع الحال بداية إصابة بالكوفيد. بلادنا مفتوحة ويجب أن نتحرى التفاصيل لدوام الصحة والعافية لهذا المجتمع الجميل، وهذا واجب المواطن والمقيم قبل أن يكون واجب الهيئات الصحية والرسمية. صحيح أن أعراض العدوى لم تعد بتلك القوة التي تميت أو تجبر الإنسان على تلقي العلاج بالمستشفى إلا في ما ندر، وأن في قدرة الإنسان التعامل مع هذا الفيروس، لكن أن يعيش هذا المواطن في مجتمعه بحالة من القلق فهذا في حد ذاته لا يستقيم مع مفهوم الأمن والسلامة التي لطالما تمتع بها مجتمعنا البحريني. الاهتمام مطلوب من المواطن بهذا الوضع الوبائي، والوعي بأن الفيروس مازال يجوس بين ظهرانينا مطلوب، والحرص على ضرورة أخذ الحيطة والحذر على المستوى الشخصي والأسري واجب، وشيء من بعض التدابير التي كانت سارية إبان الذروة مطلوب من الجهات التي كان لها الفضل الأكبر في وقف انتشار الفيروس، والجهة الرئيسية في العمل على محاصرة الفيروس هي الفريق الوطني الطبي الذي أبلى بلاء حسنا يشهد به القاصي والداني، وما نزال ننتظر منه العمل على تخليص البحرين كلية من هذا الفيروس المقلق. وفي انتظار ذلك أقترح قبل التوصل إلى حل جذري يطوي صفحة كورونا نهائيًا عودة العمل بالمقياس الحراري أمام الأماكن التي يقصدها الجمهور بكثافة، وفرض لبس الكمام، هذا فضلاً عن عودة معقمات اليدين التي اختفت من فضاءات عامة عديدة وإن وجدت فهي عبوات فارغة. مع تمنياتنا للجميع بالصحة والعافية.
مشاركة :