بحلول منتصف القرن الحالي «ستكافح العديد من أكبر مدن العالم من أجل البقاء واقفة على قدميها». هذا ما خلص إليه أحدث تقارير مجموعة C40 Cities المعنية بمكافحة تغير المناخ ودفع العمل الحضري، والذي رسم نظرة متشائمة لمستقبل العديد من تلك المدن. قدّم تقرير «مجموعة القيادة المناخية» المذكور، نظرة متشائمة لمستقبل عديد من المدن الكبرى، لجهة انتشار مخاطر تغير المناخ مستقبلاً عبر أربع ركائز أساسية، الفيضانات، والجفاف، ومعوقات الرعاية الصحية، والتحديات العاصفة التي تواجه قطاع الطاقة، جنباً إلى جنب والتأثيرات العامة ذات الصلة المرتبطة بأزمة المناخ. وتُظهر إحصاءات المجموعة -الواردة في تقريرها الأخير- أن أكثر من سبعة ملايين شخص في أكبر المدن «سيكونون عرضة لفيضانات الأنهار سنوياً». وقدّرت كلفة ذلك بـ 64 مليار دولار سنوياً «وقد تقترب الكلفة من 200 مليار دولار سنوياً مع إضافة التكاليف الأخرى المتعلقة بالمخاطر المرتبطة بتغير المناخ». واستشهد التقرير بما كشفته السنوات الماضية من فيضانات عانى منها سكان هيوستن «أكبر مدن ولاية تكساس»، وكوالالمبور «أكبر المدن في ماليزيا»، ونيو أورلينز «أكبر مدن ولاية لويزيانا بالولايات المتحدة»، وساو باولو «أكبر مدن البرازيل»، والبندقية «أكبر مدن إقليم فينيتو شمال إيطاليا». وتشير توقعات الأمم المتحدة، إلى الاحتمالات المتزايدة لوقوع 560 كارثة «ما بين متوسطة وواسعة النطاق» سنوياً بحلول العام 2030 جراء التغير المناخي «من بينها موجات السيولة الجارفة والفيضانات»، وذلك مقارنة بحوالي من 350 إلى 500 كارثة سنوياً خلال العقدين الماضيين. يقول باحثو المنظمة: «إن مدناً كبرى يمكن أن تتعرض لفيضان نهري مشترك يبلغ 10.5 ملايين متر مكعب سنوياً، أو أكثر من أربعة أضعاف حجم الهرم الأكبر بالجيزة في مصر». بخلاف ذلك، فإنّ ثمة مدناً أخرى تحتاج إلى الاستعداد لـ «الجفاف الشديد». واستشهد التقرير بولاية كاليفورنيا ومدنها، مشدداً على أن مدناً كبرى أخرى في الصين والهند وأمريكا اللاتينية تواجه شبح النقص الحاد في المياه خلال العقود المقبلة، مع تناقص احتياطيات المياه الجوفية، ويمكن أن تواجه المدن الكبرى خسارة مجتمعة في المياه السطحية تزيد على 16 مليار متر مكعب من المياه بحلول العام 2050 «بما يعادل جفاف ميناء سيدني 30 مرة!». أما بخصوص «الطاقة»، فثمة تهديدات ممثلة في الانقطاع المستمر لخدمات الكهرباء في أكبر مدن العالم، خاصة إذا كانت تعتمد على الطاقة الكهرومائية، كما هو الحال في عاصمة زامبيا «لوساكا»، وكذلك العديد من المدن البرازيلية الكبرى. وبخلاف تحديات الطاقة، فإنّ مخاطر تغير المناخ هذه تهدّد أيضاً الخدمات الأساسية لعديد من المدن الكبرى، وعلى رأسها الرعاية الصحية. وخلص الباحثون إلى أن حوالي 2400 مستشفى في جميع أنحاء هذه المناطق الحضرية التي تغطيها المجموعة، معرضة لخطر الفيضانات، وأن ما يقرب من نصف هذه المستشفيات موجودة في الهند وحدها، ما يطرح تحديات ضخمة. ولا يقتصر الأمر على الفيضانات التي يمكن أن تغلق المستشفيات وتعيق الرعاية الصحية الأخرى، إذ يمكن أن يؤثر الجفاف الشديد أيضاً في قدرة المستشفيات على تقديم الخدمات، لأنها تتطلب كميات وفيرة من المياه لتظل نظيفة ومعقمة. غرق المدن في الشرق الأوسط، تبزغ أمثلة مختلفة عن المدن الكبرى المُهددة بأثر التغيرات المناخية، على سبيل المثال مدينة الإسكندرية «شمالي مصر»، والتي حذرت دراسات سابقة من كونها مهددة بالغرق نتيجة ارتفاع درجة حرارة الأرض. كما حذر رئيس الوزراء البريطاني أخيراً من اختفائها تحت أمواج البحر مع مدينتين هما «ميامي وشنغهاي». وبالنسبة لحالة الإسكندرية على سبيل المثال ومحافظات الدلتا في مصر، فإنها مُهددة بتبعات التغير المناخي شديدة الخطورة، وباتت هواجس «غرق الدلتا» من أكثر الأمور تعبيراً عن تنامي المخاوف الناجمة عن تداعيات التغير المناخي، طبقاً لرئيس المنتدى المصري للتنمية المستدامة، عماد عدلي. ويشير عدلي إلى أزمة ارتفاع منسوب سطح البحر في السواحل الشمالية للبلاد تأثراً بأزمة المناخ وارتفاع درجات الحرارة، وهو ما نبهت إليه كثير من التقارير المختلفة والدراسات المعنية بالتغير المناخي ورصد آثاره، المحلية والعالمية، وبما يهدد بغمر جزء كبير من الأراضي في دلتا مصر، بينما لا تتوقف التبعات عند هذا الحد، بل إن حدوث ذلك يهدد الأمن الغذائي، بالنظر إلى ما تمثله تلك المنطقة من أهمية مصدر مهم للأمن الغذائي في البلاد. لكنه يشير في الوقت نفسه إلى الإجراءات التي تتخذها الدولة المصرية -والممثلة في جملة من المشاريع الهادفة للحد من آثار التغير المناخي في تلك المنطقة تحديداً- جنباً إلى جنب ومشاريع دعم وحماية الأمن الغذائي باعتبارها قضية أمن قومي. الجفاف والتصحر وطبقاً لمستشار برنامج المناخ العالمي رئيس الاتحاد النوعي للمناخ في مصر، مجدي علام، فإن الجفاف إضافة إلى التصحر من أكثر التأثيرات خطورة لأزمة المناخ، لا سيما بالنظر إلى التبعات الناجمة عن ذلك، بما في ذلك تهديد الأمن الغذائي في المدن والبلدان التي تشهد تلك الكوارث، وبالتالي فإن ثمة إجراءات مختلفة يُمكن اتخاذها في سبيل التكيف مع الآثار الحالية للتغير المناخ، وكذلك التصدي لتبعاتها. ويشير علام إلى أن واحدة من أهم تلك الإجراءات والسياسات هو ما يتعلق بالإسراع في التحول إلى الطاقة النظيفة غير المسببة لانبعاثات الغازات الدفيئة التي تتسبب في التغير المناخي، وهو ما يضع الشركات الكبرى حول العالم أمام مسؤولية شديدة الأهمية من أجل المحافظة على البيئة. تستفيد هذه الشركات نفسها من الاستثمارات التي قامت بها المدن بالفعل، بينما لا تشارك سوى القليل من التكلفة عندما يضرب حدث كبير ناجم عن تغير المناخ مثل الإعصار أو الجفاف المطول. ومن ثم «سيتعين على الشركات أن تتكيف مع حقيقة أنه سيتعين عليها فتح حساباتها المالية للمشاركة في هذا الألم الجماعي لتغير المناخ، ويجب ألا يتوقع قادة هذه المدن أي شيء أقل من ذلك»، طبقاً للتقرير الصادر أخيراً عن «مجموعة القيادة المناخية» المشار إليه. وبموازاة ذلك طرحت المجموعة أيضاً عدداً من التوصيات للحد من تلك الآثار، بدءاً من توجيه الاستثمارات الضخمة إلى مشاريع البنية التحتية، وصولاً إلى الحلول صغيرة الحجم مثل إجراء تغييرات سلوكية يمكن أن تدفع الناس إلى استخدام كميات أقل من المياه على أساس يومي. وبينما تواجه المدن الكبرى إشكاليات هائلة ضمن انعكاسات أزمة المناخ، فإن المسؤولية تقع على عاتق الدول الصناعية بصورة أكبر من غيرها، لا سيما لجهة كونها مصدر الانبعاثات الأكبر المسببة للاحتباس الحراري وأزمة التغير المناخي. ويشار إلى الدور المنوط بتلك الدول في الالتزام بالتعهدات التي قطعتها على نفسها في قمة باريس للمناخ في العام 2015 في سياق مساعدة الدول النامية ضمن مساعي الحد من آثار أزمة المناخ المتفاقمة. تابعوا أخبار العالم من البيان عبر غوغل نيوز طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :