هل فصل الرئيس التونسي فعلا الدين عن السياسة في مسودة الدستور الجديد تونس - طرحت صياغة مشروع الدستور الجديد في تونس تساؤلات لدى الخبراء والمراقبين بشأن حقيقة فصل الرئيس قيس سعيد بين مفهومي الدين والسياسة في التعامل مع السلطة أم أنه مرّر ما عجزت عنه حركة النهضة الإسلامية في العشرية الماضية، فضلا عن مسألة مقاصد الشريعة والهوية الإسلامية للدولة. وصدر بالجريدة الرسمية للجمهورية التونسية أمر رئاسي عدد 578 لسنة 2022 مؤرخ في الثلاثين من يونيو 2022 يتعلّق بنشر مشروع الدستور الجديد للجمهورية التونسية موضوع الاستفتاء المقرر ليوم الاثنين الخامس والعشرين من يوليو. ونص الفصل الأول من مشروع الدستور الجديد على أن تونس دولة حرة مستقلّة ذات سيادة. كما نص الفصل الخامس من الباب الأول على أن تونس جزء من الأمة الإسلامية، وعلى الدولة وحدها أن تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النّفس والعرض والمال والدين والحرية، في حين نص الفصل السادس على أن تونس جزء من الأمة العربية واللّغة الرسمية هي العربية. وتهدف هذه الصيغة إلى التصدّي للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية في احتكار الدين وتوظيفه لتحقيق مصالح سياسية، على غرار حركة النهضة في دستور 2014. ويرى متابعون للشأن التونسي أن الدولة هي المخوّلة الوحيدة للخوض في الدين وهو ما يقطع الطريق على بقية الوسائط التي كانت توظّف الدين في السياسة وفي مقدمتها الأحزاب والجمعيات. وأفاد المحلل السياسي نبيل الرابحي أن الدولة هي المخولة الوحيدة التي من صلاحياتها الإفتاء في الدين، ولا يجوز لأي حزب أو منظمة أن تخوض في ذلك أو توظّف الدين في السياسة. وقال هناك فصل بين الدين والسياسة، المجتمع مسلم والتفرّد بالوازع الديني هو من مشمولات الدولة وليس الأحزاب، فضلا عن كون الإسلام هو دين المجتمع التونسي، والراعي الوحيد للدين هو الدولة”. وتابع الرابحي “العلمانيون متخوفون والإسلاميون كذلك، لكن تونس ومنذ 14 قرنا لديها ثقافة إسلامية ولا يمكن تجاوزها بجرة قلم، ولا يمكن الفصل بين الدين والمجتمع، وهذا الجدل الذي يخاض اليوم هو جدل نخبوي لا يتعدى نسبة 5 في المئة، وأغلبية الشعب التونسي تساند الرئيس سعيّد”. مشدّدا على أنه “لا يمكن إلغاء الإسلام من المجتمع التونسي”. وتنصّ الصياغة الجديدة على أنّ الدولة “تضمن للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريات الفردية العامة”، كما أنّ “المواطنين والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات وهم سواء أمام القانون دون أيّ تمييز”، ويكفل مشروع الدستور الجديد “حرية الاجتماع والتظاهر السلميين”. ويرى خبراء في القانون أن الصياغة الجديدة حملت فكرا متحرّرا في مسألة تحديد مقاصد الإسلام، في خطوة لقطع ذلك الجمود الذي كان قائما في القراءة. وأكّد أستاذ القانون الدستوري رابح الخرايفي أن “الدستور فيه مصطلحات تحيل على الإسلام لكنها مرتبطة دائما بالمقاصد، وهذا فيه تحرّر من قراءة إسلامية جامدة، والفصل الخامس قطع الطريق أمام تعبير الأحزاب والشيوخ والجمعيات عن الدين”. وقال إن “الدولة التونسية الآن ليس لها دين لكن هناك شعب له دين، وحركة النهضة كانت قد اقترحت سابقا تغيير الفصل الأول وإقرار الشريعة، لكن أهم مبادئ النظام الجمهوري هي الأسس المدنية”. وتابع “الدستور يتضمن التنصيص على الحريات الفردية وحرية والجسد وحرية الضمير وبالتالي لا داعي للتخوّف من تهديد مبادئ الدولة المدنية واستهداف الحريات”. وحملت مسودة الدستور الجديد صياغة واضحة للفصل بين الدين والسياسة، فضلا عن تأكيدها على ممارسة الحقوق والحريات الفردية، وهو ما يعزّز مقومات الدولة المدنية. وقال الكاتب والمحلل السياسي باسل الترجمان “هناك مقاصد الإسلام الخمسة، وتم فتح باب الاجتهاد وتحكيم العقل للدستور الجديد، كما أن الصياغة الجديدة واضحة وصريحة في الفصل النهائي بين الدين والدولة”. وأضاف أن “الدولة وفي الفصل الخامس احتكرت مسؤولية الدين والإشراف عليه، وأغلقت للأبد الباب أمام جمعيات وأحزاب تتلاعب بالدين، ومن المؤكّد أن هناك فصلا واضحا ومباشرا بين المفهومين”. وأردف الترجمان “هناك تأكيد على الحريات والحقوق، ولو كان الدستور الجديد قدّ مرّر ما عجزت عنه حركة النهضة في العشرية الماضية لكانت الحركة أول المباركين لذلك”، لافتا إلى أن “هناك مقاصد الإسلام وليست الشريعة، والعلمانيون أيضا وجدوا أنفسهم أمام دستور لم يجدوا ما ينتقدون فيه، كما أن مفهوم الدولة المدنية واضح وصريح”. ويتضمن مشروع الدستور الجديد توطئة و10 أبواب منها الباب الأول الذي يتعلق بالأحكام العامة والباب الثاني يتعلق بالحقوق والحريات، كما يحتوي مشروع الدستور الجديد على 142 فصلا. وورد في التوطئة أنّ مشروع الدستور الجديد يسعى لتحقيق العدل والحرية والكرامة وتركيز نظام دستوري جديد يقوم لا فقط على دولة القانون بل على مجتمع القانون حتّى تعبّر القواعد القانونية عن إرادة الشعب. وأكّد مشروع الدستور الجديد على أنّ النظام الجمهوري هو خير كفيل للمحافظة على سيادة الشعب وتوزيع ثروات البلاد بصفة عادلة بين كلّ المواطنين.
مشاركة :