إذا حالف سوء الحظ شخصا ما، وجعله يقضي بعض الوقت داخل سجن بريطاني، سيجد كمّا من حالات الوفاة والحشرات والجدران العفنة، ما يجعله يعتقد أن عجلة الزمن توقفت لمدة تزيد عن قرن من الزمان. فهذه الأحوال السائدة في السجون البريطانية اليوم تذكرنا بمثيلتها التي وصفها في رواياته تشارلز ديكنز الذي عاش خلال الفترة من 1812 إلى 1870، وتأثر بشدة بأوضاع الزنزانة التي سجن فيها أبوه. ويرجع تاريخ الكثير من السجون البريطانية إلى العصر الفيكتوري، ولا تزال تعاني من مشكلات مماثلة، مثل غزو الفئران والأمراض والإهمال. وليس ثمة أدلة تذكر على إمكانية التأهيل النفسي والإصلاح للسجناء في نظام السجون الذي يعاني تاريخيا من نقص مزمن في التمويل. ولا تجذب السجون اهتماما واسعا من الجمهور، باستثناء الضجة الإعلامية التي حدثت مؤخرا، بعد أن قضت محكمة بتوقيع عقوبة السجن على نجم التنس الألماني السابق بوريس بيكر لمدة عامين ونصف العام بسبب تحويله بشكل غير قانوني لكميات كبيرة من الأموال، وإخفاء مجموعة من الأصول بعد إعلان إفلاسه. 118 سجنا في إنجلترا وويلز تبلغ قدرتها الاستيعابية نحو 77700 سجين وأمضى بيكر الذي سبق له أن فاز ببطولة ويمبلدون للتنس ثلاث مرات الأسابيع الأولى من محبسه في السجن رقم 1851 الكائن في وندسورث، والذي يعد أحد أسوأ السجون سمعة في لندن. ونفى محامي بيكر الشائعات التي ترددت بأن موكله نجم التنس اشتكى من رداءة الطعام أو أنه ضغط على زر الطوارئ أثناء تواجده في سجن وندسورث. ولكن من الذي يستطيع أن يلوم بيكر إن كان فعل ذلك؟ فلطالما وجهت منظمات حقوق الإنسان الانتقادات للأوضاع داخل السجون البريطانية، كما فعلت ذلك هيئة التفتيش على السجون الحكومية. وفي مقابلة صحافية العام الماضي قال بيتر داوسن مدير صندوق إصلاح السجون “كلما تعرفت على الأوضاع بدرجة أكبر، كلما ازداد غضبك”. ويتم وضع أعداد كبيرة من النزلاء في مساحات ضيقة، مع نقص في أعداد الأطقم العاملة والذين ليست لديهم خبرة كافية. ومن بين المشكلات الكثيرة التي تعاني منها سجون “صاحبة الجلالة الملكة” انتشار العنف والمخدرات، كما صارت حالات التمرد من الأمور الشائعة فيها، إلى جانب ذلك أصبحت أعداد السجناء الذين يتوفون خلف القضبان هي الأعلى منذ بدء نظام تسجيل الوفيات، كما أن عددا كبيرا من المسجونين أصيبوا بأمراض عقلية. وأشارت إحصائية لمنصة “ملف السجون العالمي” إلى أنه يوجد 118 سجنا في إنجلترا وويلز تبلغ قدرتها الاستيعابية نحو 77700 سجين. ومع ذلك يبلغ عدد السجناء فيها 80 ألفا تقريبا، مما يعني 132 سجينا لكل 100 ألف من السكان، مما يمثل أعلى معدل في أوروبا الغربية. وإذا أخذنا ألمانيا على سبيل المثال كمؤشر للمقارنة، نجد أنه يوجد بها 179 سجنا، تبلغ قدرتها الاستيعابية 72400 سجين، ويبلغ عدد السجناء فيها 59 ألفا، بما يمثل 71 سجينا لكل 100 ألف من السكان. من المتوقع أن يتدهور الوضع في السجون البريطانية مع احتمال أن يبلغ عدد المسجونين 100 ألف نزيل بحلول عام 2026 في إنجلترا وويلز وحدهما ومن المتوقع أن يتدهور الوضع في السجون البريطانية مع احتمال أن يبلغ عدد المسجونين 100 ألف نزيل بحلول عام 2026 في إنجلترا وويلز وحدهما. ويقول مدير صندوق إصلاح السجون إن هذه الزيادة ناتجة عن توقيع عقوبات أكثر صرامة على المتهمين بارتكاب جميع أنواع الجرائم. وتشير هذه المنظمة الخيرية إلى أنه يتم توقيع عقوبات بالسجن مدى الحياة على مزيد من الأشخاص في إنجلترا وويلز، مقارنة بما يحدث في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبولندا وهولندا والنمسا وبلجيكا والسويد مجتمعة. غير أن السكان ليست لديهم صورة كاملة عن هذا الوضع، وقال ثلاثة أرباع السكان في إنجلترا وويلز في استطلاع للرأي أجري عام 2021، إن الأحكام القضائية أصبحت أكثر تساهلا. ويتم توقيع أحكام على المتهمين بالسجن لارتكابهم جرائم بسيطة وأيضا غير عنيفة، بينما تراجعت الأحكام التي كانت تقضي بتمضية المدانين فترة في خدمة المجتمع بنسبة النصف على مدى العقد الماضي. وصدقت حكومة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون المحافظة مؤخرا على قانون ينص على إطالة أمد السجن بالنسبة إلى الجرائم الخطيرة. وإلى جانب ازدحام السجون البريطانية فإن عمر كثير من مباني السجون يمثل أيضا مشكلة، حيث لا تزال 32 سجنا في إنجلترا وويلز تعمل رغم أن تاريخها يرجع إلى العصر الفيكتوري (1837 – 1901)، ويوجد بها 22 ألف نزيل. ومن ناحية أخرى لا يزال سجن دارتمور الذي شيد عام 1806 لينزل فيه أسرى الحروب النابوليونية يستخدم حتى اليوم. وجدران هذا السجن القديمة تكون في الغالب حافلة بالحشرات، وفقا لتقارير هيئة تفتيش السجون. وأقام سجين سابق دعوى قضائية ضد إدارة السجن الذي حبس فيه، لتسببها في إصابته باضطراب ما بعد الصدمة، بسبب زحف الفئران على زنزانته عام 2019، حيث دخلت الفئران زنزانته من خلال نافذة مكسورة، وأخذت تعدو متسلقة الجدران ونازلة عليها وأيضا على فراشه. وغالبا ما تكون المرافق الصحية معطلة، حيث أخبر أحد السجناء المفتشين بأنه لم يستطع الاستحمام لمدة سبعة أشهر. وذكر معهد حكومي للدراسات أن النقص في عدد العاملين بالسجون أدى إلى تفاقم الأوضاع، وهو نقص نتج عن السياسات التقشفية للحكومة، وانخفاض الرواتب وظروف العمل القاسية.
مشاركة :