لم تقف قوة دور وحضور الذكاء الاصطناعي على الصناعة والطب والهندسة وغير ذلك من مناحي الحياة، بل امتد إلى الثقافة والأدب والإبداع، ولذلك ترى الكاتبة المغربية زهور كرام أن العقل البشري لم يعد «مركز الكون» في عصر التكنولوجيا المتطورة. واهتمت كرام على مدى سنوات بـ«الأدب الرقمي»، وأصدرت كتابها الإنسانيات والرقميات وعصر ما بعد كورونا، وتحدثت فيه عن علاقة المهارات الذاتية للإنسان بالتكنولوجيا بعد انتهاء فترة الجائحة. وقالت الكاتبة المغربية لـ«الاتحاد»: إن الثورة الرقمية التي يعاصرها الجيل الحالي من الكتاب والشعراء تجعل عملهم مختلفاً عن الماضي، فلديهم أنظمة الحوسبة التي تساعدهم في صناعة الأسئلة بمنتهى السرعة والجودة في آن واحد، وما يفعله الذكاء الاصطناعي بالأدب حالياً هو ما فعلته المطبعة قديماً في عالم الكتابة إبان الثورة الصناعية. وأشارت كرام إلى إحصائية تتوقع اختفاء 87 % من المهن الحالية بحلول عام 2030، وأن يتم استبدالها بالذكاء الاصطناعي، وهو ما يؤكد تغير جوهر الحياة وطبيعتها كما نعرفها الآن إلى حياة مختلفة تتحكم فيها الرقمنة. وتضيف أن الأدب سيستمر في التأثر بتحكم التكنولوجيا المطلق في العالم خلال السنوات المقبلة، وعلى المبدعين الاستفادة من الوسائط الرقمية واستغلالها في تطوير مخيلاتهم وحتى في الترويج لأعمالهم، لأنها توفر مساحات واسعة من الترويج بأقل تكلفة ممكنة. وحذرت زهور من الخطر الذي قد يقع فيه الأدب والإبداع الفني بشكل عام إذا تمت إساءة استغلال الرقميات لصالح العملية الإبداعية، وفي حال فشل التوازن بين التطوير واستخدام الوسائط الرقمية وبين الإبداع سيدخل الأدب في حقبة تاريخية سيئة لن يغادرها بسهولة. وحول ما إذا كان الكتاب الإلكتروني قد يطيح بنظيره الورقي في ظل الهيمنة التكنولوجية، ترى زهور أن الكتب الإلكترونية تعد ضمن بشائر الثورة الرقمية، في هذا المجال، وبعد الاعتماد عليها من قبل الطلبة في العملية التعليمية لسهولة توفرها ونقلها، من السهل التنبؤ أيضاً بأن الكتاب الإلكتروني سيزاحم نظيره الورقي حتى خارج أسوار المدارس والجامعات. ولكن في الوقت نفسه اعتبرت الكاتبة المغربية أيضاً أن نظرية اختفاء الكتب الورقية غير منطقية وخاصة في عالمنا العربي الذي ما زال يحترم الإبداعات الأدبية المكتوبة والورقية ويفضلها بعض القراء عن الوسائط الإلكترونية. كما أن البنية التحتية في الأوساط الثقافية العربية ما زالت غير قادرة على التحول للرقمنة بشكل كلي في الوقت الحالي. وتضيف زهور أنه مع ذلك يمكن خلق حالة من الوعي والتوازن بين الكتاب الورقي والإلكتروني، مثل أن يتحدث الورقي عن عالم الرقميات والحواسيب، فيجعل القارئ ينجذب لعالم جديد وبذلك تتكامل المعادلة ولا يمكن لأي مبدع فرض الرأي على جمهوره، فكل قارئ حر في استقاء المعلومات من المكان الذي يناسبه. وختمت كرام بأن على المبدعين استغلال المنصات الاجتماعية لتطوير علاقتهم بالجمهور، ومن خلال التحاور الجاد والعميق معه سيظهر عالم جديد من الكتابات الورقية والرقمية المختلفة تماماً عن العهود السابقة.
مشاركة :