عقدت أخيرا في العاصمة اليابانية قمة جمعت رؤساء دول تحالف Quad ما يسمى بالتحالف الرباعي "الولايات المتحدة وأستراليا واليابان والهند"، لبحث آخر المستجدات العالمية، وعلى رأسها الحرب في أوكرانيا. والمعروف أن هذا التحالف الذي دشن في 2007 كحوار رباعي أمني بناء على اقتراح رئيس الحكومة اليابانية وقتذاك شينزو أبي، وبدعم من نظيريه الأسترالي جون هوارد، والهندي مانموهان سينغ، ونائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني، وأثمر وقتها عن قيام الدول الأربع بمناورات وتمارين عسكرية مشتركة تحت عنوان "تمرين ملبار" عد ردا على تصاعد قوة ونفوذ الصين التي ردت بالاحتجاج دبلوماسيا وسمته "الناتو الآسيوي". والمعروف أيضا أن تحالف الرباعية تعرض لنكسة بانسحاب أستراليا منه زمن زعيمها كيفن رود، قبل أن تعود إليه بعيد وصول خليفة الأخير جوليا جيرالد إلى السلطة في 2010. وفي 2017 اتفق زعماء الدول الأربع إبان مشاركتهم في قمة دول منظمة آسيان في مانيلا، على إعطاء دفعة لشراكتهم الأمنية تحت مظلة "الرباعية"، بهدف مواجهة الصين عسكريا ودبلوماسيا في المحيطين الهندي والباسيفيكي، وضمان بقاء المحيطين مفتوحين أمام دول العالم أجمع. نظر مراقبون كثر إلى قمة "الرباعية" الأخيرة في طوكيو، وهي القمة الحضورية الأولى منذ تفشي جائحة كورونا، على أن عقدها يعد إنجازا في حد ذاته لأن أحد أعضاء التحالف "الهند" يتبنى موقفا مخالفا لمواقف بقية الأعضاء من روسيا الاتحادية والجرح النازف في أوكرانيا، حيث كانت هناك مخاوف من حدوث خلافات تؤدي إلى انتكاسة جديدة للتحالف في وقت عصيب تزداد فيه الشراكة الروسية ـ الصينية متانة، ويستمر فيها عمل مجموعة "بريكس" Brics للاقتصاديات الأسرع نموا في العالم، التي أسست في 2008 من الصين والهند وروسيا والبرازيل، ثم انضمت جنوب إفريقيا إليها في 2011. نشر بيل إيموت، رئيس التحرير السابق لمجلة «الإيكونوميست» البريطانية الرصينة، الشهر الماضي، مقالا في صحيفة «مينيشي شيمبون» اليابانية، قارن فيه بين عمل تحالف الرباعي ومجموعة بريكس ووظيفة كل منهما، متطرقا إلى إشكالية وجود الهند في كلتا المجموعتين في وقت واحد رغم تباين أهدافهما المعلنة وتنافسهما. ومما قاله إن تحالف الرباعي بدأ بفكرة أطلقها شينزو أبي، حول ضرورة التأثير في المجتمع الدولي من خلال إعادة تشكيل الجغرافية السياسية باستخدام التمارين العسكرية المشتركة بين واشنطن وكانبيرا ونيودلهي وطوكيو، تأكيدا على وجودها ودورها في المحيطين الهندي والهادئ في مواجهة الصين، وأن مجموعة بريكس فكرة أطلقتها الصين وتبناها الأعضاء الآخرون حول التشاور والتنسيق من أجل أن تكون لها كلمة أقوى في شؤون العالم في مواجهة "الهيمنة الغربية". والحقيقة أنه في الوقت الذي واصلت "بريكس" عملها بانتظام ودون انقطاع لتحقيق أهدافها، تعرض التحالف الرباعي لهزات بسبب تردد الحكومات الأسترالية المتعاقبة فيما خص مواصلة العضوية من عدمها، ما أثر في عملها، لكنها تعود اليوم بعزم أقوى لتغيير قواعد اللعبة الجيوسياسية مع وجود أنتوني ألبانيز، وفوميو كيشيدا، وناريندرا مودي، وجو بايدن، في السلطة في كانبيرا وطوكيو ونيودلهي وواشنطن على التوالي. فمثلا ألبانيز، الفائز حديثا برئاسة الحكومة الأسترالية، متحمس للعمل مع شركائه في التحالف الرباعي ضد الصين، خصوصا بعد أن شعر بأن بكين تعمل على محاصرة بلاده من خلال التودد والتقرب من الدول الأرخبيلية الصغيرة الواقعة في نطاق مياهها ومصالحها الاستراتيجية، وكذا الحال مع كيشيدا الذي كون لبلاده عداوات تاريخية ومشكلات حدودية وسيادية مع الصين، أما جو بايدن فلا حاجة للتذكير بأن إدارته الغارقة في مشكلات لا حصر لها باتت تركز جهودها على احتواء الطموحات الصينية بكل الوسائل المتاحة. يبقى الزعيم الهندي مودي الذي يتنقل بين التحالف الرباعي وبريكس ببراعة ودون حرج، يضع قدما هنا وقدما هناك. غير أن هناك من يرى أن مودي تسيطر عليه فكرة تحقيق مصالح بلاده العليا أولا وقبل كل شيء، ومن هذا المنطلق فإنه لو اضطر للاختيار بين "الرباعية" و"بريكس"، فإنه سيختار حتما الأول، لأن تحالف الرباعي معني بتحجيم الصين، منافسة بلاده القوية وداعمة غريمتها الباكستانية ومحتلة الآلاف من الكيلومترات المربعة من أراضيها منذ حرب صيف 1962. وهو في سبيل هذا، مستعد لمواكبة بقية الأعضاء حتى فيما يتعلق بالموقف من روسيا، شريطة أن تعوض الهند عما ستخسره من هكذا موقف، كون موسكو شريكة أساسية عسكريا وتكنولوجيا لنيودلهي. في المقابل، يرى آخرون أن الضغط على مودي للمفاضلة بين "الرباعية" و"بريكس" ليس مطروحا، خصوصا في ظل حاجة التحالف إلى بلد كبير وقوة اقتصادية وعسكرية مهمة ذات موقع استراتيجي كالهند، بدليل أنها استثنيت من اللوم والتنديد حينما رفضت الانضمام إلى أي عقوبات أو إدانات لسلوك روسيا. وبالعودة إلى قمة الرباعية الأخيرة في طوكيو، نجد أنها بدأت بتحديد وظيفة التحالف بشكل أوسع، مضيفة إلى مهمته الأساسية المتمثلة في المناورات والتمارين العسكرية المشتركة أبعادا أخرى. فمثلا تقرر إنشاء هيئة تحت مسمى «شراكة المحيطين الهندي والهادئ للتوعية بالمجال البحري» بهدف تتبع القرصنة والصيد غير المشروع والاستجابة المشتركة للكوارث الطبيعية والإنسانية. وبطبيعة الحال، فإن عمل مثل هذه الهيئة سيتضمن أنظمة مراقبة عسكرية من الدرجة الأولى، ما يشكل استفزازا للصين. إلى ذلك، تعهدت القمة باستثمار نحو 50 مليار دولار في البنية التحتية في منطقة المحيطين لمنافسة الاستثمارات الصينية المتعاظمة.
مشاركة :