تُطلق دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) الثلاثاء إجراءات المصادقة على انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف، في قرار يعدّ تاريخياً لدولتين شماليتين دفعتهما إليه الحرب التي قادتها روسيا في أوكرانيا. ويأتي هذا الإعلان بعد وقت وجيز من تشديد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في مقابلة مع محطة “أن.تي.في” المحلية على ضرورة أن تلتزم السويد وفنلندا بمذكرة التفاهم الثلاثية، وإلا فإن أنقرة “لن تقبل” انضمامهما إلى الحلف. وذكر ناتو في بيان الاثنين “يوقّع الحلفاء الثلاثاء على بروتوكول قبول عضوية فنلندا والسويد”. وقال الأمين العام للحلف الذي يضم 30 دولة ينس ستولتنبرغ، خلال حفل تولّي القائد الأعلى الجديد لقوات الحلفاء في أوروبا الجنرال الأميركي كريستوفر كافولي، “نستعدّ لاستقبال حليفين جديدين يتمتّعان بقوات وقدرات عسكرية هائلة”. ينس ستولتنبرغ: نستعد لاستقبال حليفين جديدين لهما قدرات عسكرية هائلة وشاركت وزيرة الخارجية السويدية آن لينده ونظيرها الفنلندي بيكا هافيستو في المناقشات النهائية بمقر المنظمة في بروكسل الاثنين، قبل التوقيع المقرّر على بروتوكولات الانضمام الثلاثاء وبدء عملية المصادقة في الدول الأعضاء في التحالف. ووافقت تركيا على إطلاق هذه العملية خلال قمة قادة الحلف في مدريد، ولكن الرئيس رجب طيب أردوغان ذكّر الدولتين الشماليتين بالشروط الواجب توافرها. وقال أردوغان في مؤتمر صحافي “إذا قامتا بواجبهما فسنقدم (مذكرة التفاهم) إلى البرلمان (لإقرارها). وإذا لم تفعلا ذلك فلن نرسلها إلى البرلمان”. وأشار إلى “وعد قطعته السويد” بشأن “ترحيل 73 إرهابيا”. وجاء هذا الوعد في مذكرة وقعها قادة الدول الثلاث في مدريد الثلاثاء قبل افتتاح القمة. وقال أردوغان “سيرحّلونهم، لقد وعدوا بذلك. هذا منصوص عليه في مستندات مكتوبة. سيوفون بوعدهم”. وتطالب أنقرة ستوكهولم منذ عدة سنوات بترحيل مقاتلين أكراد وأشخاص مقرّبين من حركة الداعية فتح الله غولن، الذي تتهمه السلطات التركية بمحاولة الانقلاب في يوليو 2016. وقالت نبيلة مصرلي المتحدثة باسم وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إنّ “السويد وفنلندا عضوان في الاتحاد الأوروبي، ولكن الاتفاقية الموقّعة في مدريد لا تلزم سوى هذه الدول الثلاث”. وأضافت للصحافيين “تشريع مكافحة الإرهاب هو حق سيادي للدول، لكن يجب أن تحترم القواعد والحقوق الأساسية”. وأوضحت أن “تركيا لديها تفسير واسع لتشريعات مكافحة الإرهاب وتنتهز الفرصة لتوقيف كل من يوجه انتقادا أو صحافيين أو محامين أو مدافعين عن حقوق الإنسان”. وبعد أن تخلت تركيا الثلاثاء الماضي عن اعتراضها لانضمام السويد وفنلندا إلى الحلف، عقب حصولها على تعهدات كثيرة منهما بالتعاون على “مكافحة الإرهاب”، اعتبرت بعض وسائل الإعلام التركية أن هذا يضيف نقاطا إلى الرصيد السياسي لأردوغان. ويقول المحلل الأميركي بوبي جوش في تقرير نشرته وكالة بلومبرغ “إذا تم الحكم من خلال رؤية وسائل الإعلام التركية الموالية للحكومة، يكون بذلك أردوغان قد حقق انتصارا جيوسياسيا كبيرا لبلاده في قمة الحلف الأخيرة في مدريد”. في نهاية المطاف وقعت الدولتان اتفاقا مع تركيا، تعهدتا فيه بتبديد مخاوفها الأمنية التي تركز بشكل أساسي على الجماعات الكردية التي تعتبرها أنقرة إرهابية وذكرت صحيفة “يني أكيت” اليومية المحافظة أن “تركيا فرضت نفسها على الطاولة، وركّعت أوروبا”. وكانت هذه إشارة إلى سياسة حافة الهاوية التي اتخذها أردوغان بشأن انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف، والتي أجبرت أعضاء الناتو الآخرين على استثمار الوقت والطاقة في مناشدته، في الوقت الذي يواجه فيه الناتو أصعب اختبار له منذ عقود نتيجة التوسع الروسي. وفي نهاية المطاف وقعت الدولتان اتفاقا مع تركيا، تعهدتا فيه بتبديد مخاوفها الأمنية التي تركز بشكل أساسي على الجماعات الكردية التي تعتبرها أنقرة إرهابية. ويقول جوش إن هذا سمح للرئيس التركي بسحب اعتراضاته على عضويتهما. وكمكافأة له عقد أردوغان اجتماعا وجها لوجه مع الرئيس الأميركي جو بايدن وحظي بدعم البيت الأبيض لبيع تركيا طائرات مقاتلة من طراز أف 16. كما عقد حلف الناتو جلسة خاصة لمناقشة جناحه الجنوبي، مما سمح للرئيس التركي بإثارة تهديد “الجماعات الإرهابية الكردية”. ويضيف جوش أنه في الأسابيع والأشهر المقبلة سيتحدث أردوغان عن نجاحه الذي حققه في إسبانيا بينما يصعد حملة إعادة انتخابه.
مشاركة :