يعكس الاعتراف المتأخر لرئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة بفشل حكومته في حل أزمة الكهرباء، محاولة يائسة لامتصاص غضب الشارع المنتفض منذ الجمعة الماضي ضد الطبقة السياسية في البلاد. واعترف الدبيبة في كلمة له خلال اجتماع لمجلس الوزراء بثته صفحة "حكومتنا" على فيسبوك الاثنين، بفشل حكومته في إدارة أزمة الكهرباء في ليبيا، قائلا "أسأنا تقديرها واتخذنا قرارات خاطئة" في إدارة الأزمة. ولفت إلى أن حكومته كانت تعتقد إمكانية تجاوزها في وقت قصير "لكن ما رأيناه أن هذه المشكلة تحتاج إلى وقت أكثر مما كنا نعتقد". وتابع الدبيبة "كنا غلطانين.. وأخدنا قرارات خاطئة.. لكننا نتأسف"، مضيفا "حاولنا بشكل أو بآخر، لكن لم نقدر على الوصول إلى نتيجة.. التحديات والمشاكل كانت أكبر من قدراتنا". ويرى الدبيبة أن هناك ثلاثة تحديات تواجه حل أزمة الكهرباء تتمثل في المحطات القديمة وتطويرها، والتي مرّ على بعضها 40 سنة في الخدمة، وتحتاج إلى إصلاحات منذ زمن بعيد، والتحدي الثاني يتمثل في بناء محطات جديدة وتخصيص مبالغ كبيرة لها "تفوق حتى إمكانيات الشعب الليبي في الفترة الراهنة". ولفت إلى أن التحدي الثالث يكمن في المشاكل التي تمر بها الشركة العامة للكهرباء، والتي "ترهلت وتضخمت"، حيث تضم حاليا ما يتراوح بين 45 و50 ألف شخص، والقرارات فيها "لم تعد صارمة". وخلال اجتماع مجلس الوزراء، قاطع الدبيبة وزير التخطيط المكلف محمد يوسف الزيداني لدى عرضه إجمالي ما أنفق على قطاع الكهرباء، والأزمة التي يعاني منها الشعب الليبي. وقال الزيداني إن إجمالي ما أُنفق على قطاع الكهرباء بلغ نحو 11 مليار و800 مليون دينار، مشيرا إلى أن الحكومة خصصت 500 مليون دينار لاستكمال محطة كهرباء طبرق. وبعدها تحدث الزيداني عن مبلغ آخر خصص للكهرباء، وهو 977 مليون دينار، لكنه لم يتمكن من إكمال حديثه، إذ قاطعه الدبيبة قائلا "هذه الأرقام تدينك وتديننا، حين يسمعها الناس الذين لا تصلهم الكهرباء". وذلك في إشارة إلى اتهام حكومته بإهدار المال العام. وقرر الدبيبة الاثنين إعادة مجلس إدارة الشركة العامة للكهرباء للعمل مجددا لأسباب أرجعها إلى "تقنية بحتة"، موضحا أن هذه العودة بصفة مؤقتة، وعقب ذلك "سنخرج بمجلس جديد في السابع عشر من يوليو الجاري". وكان الدبيبة قد قرر الأسبوع الماضي إيقاف مجلس إدارة الشركة العامة للكهرباء برئاسة وئام العبدلي، عن العمل وإحالته إلى التحقيق، على خلفية أزمة الكهرباء التي تعاني منها البلاد، على الرغم من الإنفاق الكبير على مشروعات الكهرباء العام الماضي. وقال رئيس حكومة الوحدة المنتهية ولايتها "تمسكي بالإدارة يعود إلى أن لديهم نوعا من المصداقية للوصول إلى النتائج.. وخايفين إننا نواجههم أو نغير مجلس الإدارة فنجد أنفسنا خسرنا كل شيء". وأوضح أنه لا يتهم مجلس الإدارة الحالي بالفشل أو السرقة، لكنه "يجب أن يترك الفرصة لغيرهم". مضيفا "هذه الشركة بذل فيها جهد، لكن الأزمة تحتاج أكبر من هذا الجهد.. لديهم مشكلة في المتابعة". احتجاجات في ليبيا ودفع تدهور الظروف المعيشية في ليبيا، ولاسيما انقطاع التيار الكهربائي المزمن والذي يستمر ساعات طويلة يوميا، الآلاف من الليبيين إلى الخروج إلى الشوارع للمطالبة برحيل مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وحتى حكومتي فتحي باشاغا وعبدالحميد الدبيبة، بعد أن وصلت الأوضاع السياسية والاقتصادية إلى حد لا يطاق. وتجمع المتظاهرون مجددا في العاصمة طرابلس ليلة الأحد إلى الاثنين، حيث خرجت مسيرات متفرقة في عدة أحياء بالعاصمة. وأحرق شبان، معظمهم ملثمون، إطارات السيارات وأغلقوا عدة طرق، منها الطريق الدائري بالعاصمة والطريق الساحلي الذي يربط طرابلس بضواحيها الغربية. ولم تنتشر القوات الأمنية في المكان. وخرجت كذلك مسيرات في بلدتي بني وليد ومصراتة غربي البلاد، بحسب صور بثتها وسائل إعلام محلية. واحتج المتظاهرون على انقطاع التيار الكهربائي الذي يستمر لساعات طويلة يوميا وسط موجة من الحر الشديد، وعلى إهمال النخب السياسية التي طالبوا برحيلها. وفي ظل مأزق سياسي عميق، يواجه القادة السياسيون في المعسكرين الليبيين المتنافسين منذ ثلاثة أيام ضغوط الشارع المتزايدة. ففي طبرق بأقصى شرق البلاد، اقتحم المتظاهرون الجمعة مدخل البرلمان بمساعدة جرافة، قبل إشعال النار فيه. ويدعم معسكر المشير خليفة حفتر حكومة منافسة تشكلت في الشرق في مارس الماضي، ويواصل أنصاره إغلاق منشآت نفطية رئيسية منذ منتصف أبريل، كوسيلة ضغط لدفع حكومة طرابلس إلى التنحي. وتسبب الإغلاق في خسائر بلغت أكثر من ثلاثة مليارات دولار، وانخفاض الإنتاج إلى أقل من 500 ألف برميل، بعدما كان يتجاوز قبل الإغلاق 1.2 مليون برميل يوميا. وفشلت المحادثات التي توسطت فيها الأمم المتحدة الأسبوع الماضي في حل الخلافات بين المؤسسات الليبية المتناحرة. ويتفاقم الانقسام في ليبيا مع وجود حكومتين متنافستين، الأولى في طرابلس وجاءت وفق اتفاق سياسي قبل عام ونصف العام برئاسة الدبيبة الرافض لتسليم السلطة إلا إلى حكومة منتخبة، والثانية برئاسة باشاغا عينها البرلمان في فبراير الماضي ومنحها الثقة في مارس، وتتخذ من سرت في وسط البلاد مقرا مؤقتا لها، بعد منعها من دخول طرابلس رغم محاولتها ذلك. وفي الثاني والعشرين من يونيو المنقضي، انتهت صلاحية خارطة الطريق التي جاءت بحكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة قبل عام ونصف العام.
مشاركة :