من أهم وأعظم الجرائم التي تقترفها الجماعات التي تدعي الإسلام وتقوم بأعمال إرهابية، أنها تشوه قيم هذا الدين العظيم، ففضلاً عن الجرائم المهولة التي ترتكب باسمه وخلاله تسفك الدماء البريئة، هي تقوم بعمل خطر جداً يتعلق بهدمها للآثار العريقة للحضارة الإسلامية. هذه الجماعات تظهر وحشية وعنفاً لا حدود لهما، هذا العنف الذي يصل للقيم الإنسانية وحضارات الأمم الأخرى والمتمثلة في الإرث العمراني عندما يتم تفجيرها وهدمها، بحجة مخالفتها للشريعة الإسلامية. لا أعلم فعلاً عن أي شريعة يتحدث هؤلاء؟ هل يمكن أن تخطئ العين التراث العمراني والفني والثقافي في حواضر المدن الإسلامية منذ عصور الدولة الأموية إلى العباسية وصولاً للحضارة الإسلامية في الأندلس التي كانت فجراً للبشرية بأسرها؟ الجماعات الإرهابية أعتبرها حالة طارئة عابرة على تاريخنا الحديث، لا فقه لديهم ولا فهم بالواقع ولا معرفة بالتاريخ، وأول ما يجهلونه هو دينهم، الذي يعملون على تغييره، يجهلون أنه دين إنساني رافقته نهضة للبشرية بأسرها في مجالات الفكر والعطاء والحرية والتسامح. وإنهم لحالمون أن يستطيعوا تبديل أو تغيير شيء،وسيقضى عليهم وهم أكثر وهناً وتقازماً من أن يطولوا أو يستطيعوا المس بهذا الكيان العظيم وهو تراثنا الإنساني الإسلامي. الذي حدث مع الأسف أنهم بانتهازيتهم الإجرامية انقضوا على مجتمعات مضطربة فسيطروا عليها بسفك الدماء وإرهاب الناس. توجد كلمات بليغة جداً عن الإسلام والحضارة الإسلامية للطبيب والمؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون، الذي توفي في عام 1931 وله مؤلفات مهمة في علمي الآثار والأنثروبولوجيا، واهتم بالحضارة الشرقية، قال فيها: إن حضارة المسلمين أدخلت الأمم الأوروبية التي كانت وحشية في عالم الإنسانية، كانوا أساتذتنا، فالجامعات الغربية لم تعرف مورداً علمياً سوى مؤلفاتهم، هم الذين مدنوا أوروبا مادةً وعقلاً وأخلاقاً، والتاريخ لا يعرف أمة أنتجت ما أنتجوه، إن أوروبا مَدينة للمسلمين بحضارتها، فهم أول من علم العالم كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين، هم الذين علموا الشعوب النصرانية، وإن شئت فقل: حاولوا أن يعلموها التسامح الذي هو أثمن صفات الإنسان. لقد كانت أخلاق المسلمين في أدوار الإسلام الأولى أرقى كثيراً من أخلاق أمم الأرض قاطبةً. وتوجد مقولات أخرى للكثير من المستشرقين والعلماء الغربيين تمتدح الحضارة العربية الإسلامية، بل هناك جامعات غربية أقامت نصباً تذكارية لعلماء مسلمين أثروا البشرية باكتشافاتهم وعلومهم، مثل ابن سينا وابن الهيثم والرازي، وغيرهم كثير. ثم تأتي خفافيش الظلام، ومنبع الجريمة والإرهاب، وتريد تدمير هذا الإرث جميعه. هي مدة زمنية قليلة وسيقضى على إرهابهم، لأن الفكر المريض لا مصير له سوى الموت. Shaima.author@hotmail.com www.shaimaalmarzooqi.com
مشاركة :