شكل مجيء عدد من قادة عدة دول ومسؤوليها إلى الجزائر، بمناسبة الاحتفالية التي نظمت لإحياء ذكرى مرور 60 عاما على الاستقلال الوطني، أولى مكاسب السلطة الجزائرية في كسر العزلة الدبلوماسية التي فرضتها الأزمات القائمة بينها وبين بعض الدول. وجاءت دعوة رؤساء جمهورية الكونغو برزافيل والنيجر وتونس والسلطة الفلسطينية، وعدد من الوزراء والمسؤولين العرب والأوروبيين، لإضفاء حالة من التكامل والتعاون بين الجزائر ومحيطها الإقليمي والدولي. وقدم العديد من الرؤساء والمسؤولين إلى الجزائر، تلبية لدعوة السلطات العليا للبلاد، من أجل المشاركة في الاحتفالية الضخمة التي انتظمت أمس الثلاثاء لإحياء الذكرى الستين للاستقلال الوطني، وكان ذلك أولى رسائل السلطة لتأكيد علاقاتها الطبيعية مع المجموعة الإقليمية والدولية، ودحض ما يتردد حول تسبب الأزمات المثارة بين الجزائر وبعض دول المنطقة في عزلة دبلوماسية. ومنذ انتخاب عبدالمجيد تبون رئيسا للبلاد في نهاية عام 2019، دخلت الجزائر في أزمات متتالية مع عدة دول في المنطقة، بدأت مع فرنسا ثم المغرب ووصلت إلى إسبانيا، فضلا عن فتور غير معلن مع تونس، وارتباك بشأن أزمتي ليبيا ومالي، وهو ما أعطى الانطباع بأن ما وصف بـ"الدبلوماسية المتشنجة" أدخل البلاد في عزلة إقليمية ودولية. ◙ لا يستبعد أن تكون دعوة قيس سعيد ومحمود عباس ضمن أجندة جزائرية لتقريب الفرقاء في فلسطين وتونس، في ظل الأزمة السياسية التي يعيشها البلدان وجاء تركيز مذيع الاستعراض العسكري غير المسبوق المنتظم نهار أمس على "العقيدة الدفاعية" و"التحرك العسكري وفق التشريعات الدولية ومقتضيات الأمم المتحدة"، ليؤكد على رفع اللبس الذي لف العملية، ويضع عازلا بينه وبين ما قد يؤول على أنه امتداد للأزمات الدبلوماسية المذكورة، خاصة الوضع بين الجزائر والمغرب. وحضر رئيس تونس قيس سعيد، وفلسطين محمود عباس، وإثيوبيا ساهلي وورك زودي، والنيجر محمد بازوم، والكونغو دونيس ساسو نغيسو، إلى جانب وزير خارجية سوريا فيصل المقداد ووزير التسامح الإماراتي نهيان بن مبارك آل نهيان ووزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش ورئيسة مجلس الشيوخ الإيطالي ماريا إليزابيتا ألبيرتي كازيلاتي ووزير الرياضة التركي محمد قصاب أوغلو، فضلا عن رئيس حركة حماس الفلسطينية إسماعيل هنية وأمين عام اتحاد الشغل التونسي نورالدين الطبوبي. ولا يستبعد أن تكون دعوة الشخصيتين الأخيرتين ضمن أجندة جزائرية لتقريب الفرقاء في فلسطين وتونس، في ظل الأزمة السياسية التي يعيشها البلدان، وهو ما يعطي الانطباع لدى الرأي العام الدولي بأن الجزائر تملك أوراق احتواء الأزمات في المنطقة وتسعى لحلحلة الخلافات الداخلية التي تعيشها دول الجوار والمنطقة العربية. وكانت الجزائر قد احتضنت خلال الأشهر الماضية حوارا بين الفصائل والقوى الفلسطينية، ومن بينها فتح وحماس، ولا يستبعد أن يكون حضور محمود عباس وإسماعيل هنية تتويجا لإعلان ما يهدف إلى توحيد الصف الفلسطيني، كما أن حضور نورالدين الطبوبي قد يكون محاولة لجسر الهوة بين اتحاد الشغل والرئيس التونسي، الأمر الذي يؤكد سعي السلطة الجزائرية للعب كل أوراقها من أجل كسر انطباع العزلة الدولية التي لازمها في الآونة الأخيرة. منظمة العفو الدولية طالبت السلطات الجزائرية بإطلاق سراح معتقلي الرأي وقيادات الحراك دون قيد أو شرط منظمة العفو الدولية طالبت السلطات الجزائرية بإطلاق سراح معتقلي الرأي وقيادات الحراك دون قيد أو شرط وقال الخبير الأمني بن عمر بن جانة في تصريح للقناة الإذاعية الأولى إن "هذا الاستعراض العسكري مهم جدا، لأنه يعبر عن قوة الدولة ويوجه رسائل للداخل والخارج على أساس أن القوات المسلحة الجزائرية جاهزة لردع كل الاعتداءات على الوطن مهما كان شكلها، ولإظهار قوة وانسجام وحدات الجيش الشعبي الوطني للذين يحاولون المساس بوحدة الجزائر". أما الرئيس عبدالمجيد تبون فقد قال في كلمته المقتضبة لافتتاح الاستعراض العسكري "إن هذه اللحظات لعميقة المغزى، والشعب الجزائري يقف على ما وصل إليه جيشنا العتيد من احترافية وتحكم عال في العلوم والتكنولوجيا العسكرية". وأضاف "جميعا ومهما كانت مواقعنا ومستويات مسؤولياتنا مدعوون في ظرف محفوف بالتحديات إلى المساهمة في تثبيت مرتكزات دولة المؤسسات والحق والقانون". ◙ الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون أعلن عن عفو رئاسي يطال نحو 15 ألف سجين حق عام من ضمنهم المتابعون في قضايا الحراك الشعبي المناوئ للسلطة والعرض العسكري الأول من نوعه في البلاد، والمنتظم بعد نحو أربعة عقود على آخر استعراض عسكري، تضمن على مدار الساعتين عروضا ولوحات مختلفة أدتها مختلف المدارس العسكرية والقوات المسلحة في البر والبحر والجو، كما تم استعراض البعض من الآليات والأسلحة التي يحوزها الجيش الجزائري في مختلف المجالات، وكانت على رأسها منظومة الدفاع الجوي أس - 300. وعلى الصعيد الداخلي أعلن الرئيس الجزائري عن عفو رئاسي يطال نحو 15 ألف سجين حق عام، من ضمنهم المتابعون في قضايا الحراك الشعبي المناوئ للسلطة، وهو ما يعتبر خطوة في مسار تهدئة ظل من بين مطالب الطبقة السياسية الداخلية والمنظمات والهيئات الحقوقية الدولية، كان آخرها الرسالة التي وجهتها مؤخرا منظمة العفو الدولية إلى السلطات الجزائرية، مطالبة إياها بـ"إطلاق سراح معتقلي الرأي دون قيد أو شرط". وذكر بيان للرئاسة الجزائرية أن مضمون مراسيم العفو جاءت "في سياق التدابير التي يتخذها رئيس الجمهورية من خلال المشاورات مع ممثلي الأحزاب السياسية والمجتمع المدني"، ولا يستبعد أن يكون من المستفيدين منه من يعرفون بمساجين العشرية الدموية، خاصة وأن البيان تحدث عن إعداد نص قانوني لمعالجة القضية. وظلت الأوضاع الحقوقية ومسألة الحريات مصدر ضغوط وانتقادات المنظمات الإقليمية والدولية، في ظل المقاربة الأمنية المتشددة التي انتهجتها السلطة لإنهاء احتجاجات الحراك الشعبي، وهو ما ساهم في عزل البلاد وإخضاعها للمساءلة عدة مرات من طرف الهيئات المذكورة، الأمر الذي يفهم منه أن قرار العفو الأخير محاولة من السلطة للتطبيع مع تلك الهيئات وتصحيح الصورة المركبة حول البلاد في مجال الحريات والحقوق.
مشاركة :