تشهد ما يسمى بـ”الرحبة” (سوق بيع الأضاحي) إقبالا لاختيار الخروف الأنسب من حيث السعر ومن حيث الحجم للأضحية، فيما تسعى عائلات تونسية لشراء لحوم جاهزة لتوفير المصاريف هذا العام في ظل أزمة اقتصادية حادة. وانطلقت وزارة الشؤون الاجتماعية بداية من الاثنين في تمتيع نحو 288 ألف أسرة من الأسر الفقيرة بدعم مادي ظرفي بمناسبة عيد الأضحى. وأكد وزير الشؤون الإجتماعية مالك الزاهي أنه ستصرف مساعدات مالية للعائلات الضعيفة ومحدودة الدخل بمناسبة عيد الأضحى بقيمة إجمالية تبلغ 18 مليون دينار (5.86 مليون دولار)، إضافة إلى صرف ‘منحة الـ30 دينارا’ (9.76 دولار) لفائدة الأطفال من أبناء العائلات الضعيفة بمفعول رجعي قبل العيد بعد تعطّل صرفها بسبب إجراءات إدارية. كما ستنتفع 88 ألف عائلة بهذه المساعدات المالية وستحصل كل عائلة على منحة بـ60 دينارا (19.52 دولار). وتم تخصيص 500 أضحية للعائلات الأشد فقرا ستوزّع على مختلف الجهات. عمار ضيّة: دائما ننحاز إلى المستهلك وندافع عن مصالحه وسبق أن طالبت رئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن المحافظين بالتسريع في إحداث سوق من المُنتج إلى المستهلك لبيع أضاحي العيد. وأقرّت بودن خلال كلمة لها في ندوة المحافظين المُنعقدة السبت بثكنة العوينة بالعاصمة، بارتفاع أسعار الخرفان، معتبرة أن ذلك يعود إلى ارتفاع أسعار الأعلاف بسبب مخلفات الحرب الأوكرانية – الروسية. وأوصت المحافظين بالتنسيق مع المصالح الجهوية للفلاحة لإحداث سوق من المنتج إلى المستهلك في المحافظات من أجل الضغط على الأسعار وتكثيف حملات المراقبة الصحية والاقتصادية. وتتراوح أسعار الأضاحي في تونس بين 600 دينار (200 دولار) و1500 دينار (نحو 500 دولار) وهي نفس الأسعار في السنة الماضية. وأفاد رضا السعيدي عن ديوان تربية الماشية وتوفير المرعى، أن “عدد الشراءات اليومية من إحدى نقاط البيع (محافظة بن عروس) لم تتجاوز الخمسين عملية شراء في اليوم خلال اليومين الماضيين وهو عدد محدود نسبيا مقارنة بعدد الخرفان المتوفرة والضمانات التي توفرها مثل هذه النقاط بداية من الرقابة البيطرية والسعر المرجعي وتوفر الشروط المطلوبة للأضاحي، فضلا عن الشفافية والسلاسة في الانتقاء وإمكانية الإبقاء على الأضحية بالنقطة وتسلمها يوما أو يومين قبل موعد عيد الأضحى”. وفسّر السعيدي نسبة الإقبال الضعيفة بـ”غلاء أسعار الأضاحي وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين، إضافة إلى بروز ظاهرة العزوف عن الأضحية التي بدأت تتعاظم خلال السنوات الأخيرة وفقا لأرقام رسمية”. وأكّدت منظمات تعنى بالدفاع عن استهلاك المواطن ومقدرته الشرائية ضغطها من أجل أن تكون الأسعار في متناول الجميع، وسط دعوات ملحّة إلى ضرورة وضع تصورات جديدة للمشهد ومراقبة مسالك التوزيع، فضلا عن تفعيل دور الدولة في المجال. وقال رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك عمّار ضيّة إنه “تم منذ أسبوع عقد اجتماع مع كلّ الأطراف المتداخلة لضبط الأسعار، ودافعنا على الضغط أكثر ما يمكن على هذه الأسعار، وكنّا دائما ننحاز إلى المستهلك وندافع عن مصالحه، لكنّ هناك واقعا لا بدّ من احترامه”. وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “تمّ تحديد الكيلوغرام الواحد من اللحم بسعر 14 دينارا، لكنّنا لم نر احتراما لهذا الإجراء في السوق ولومنا بالأساس على شركة اللحوم التي حددت السعر بـ14900 مي وهذا فيه عدم احترام القانون، ولدينا تمشّ هجين في الأسواق عبر العرض والطلب”. منير العبيدي: الوسائط بين المنتج والمستهلك رفعت الأسعار وأردف ضيّة أنه “في كثير من المجالات، لا يمكن للدولة أن تحدّد الأسعار، ونبهنا من أنه إذا قاطع أغلب التونسيين بعض المواد فسيؤدي ذلك إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية، وإذا تشبّث كل طرف بهامش الربح سنصل إلى طريق مسدودة خصوصا في ظلّ وجود 4 ملايين فقير بالبلاد الذين لا يفكّرون في شراء الأضاحي”. ودعا إلى “ضرورة وضع رؤية جديدة للمشهد ومراقبة مسالك التوزيع، والمنتج والمستهلك أكبر المتضررين وهناك زيادة في سعر الخراف بين 150 و200 دينار عند تدخّل الوسائط التي تمارس المضاربة، كما أن الدولة مطالبة بإعادة النظر في طريقة التحكم في الأسواق”. وسبق أن أقرت الأطراف المتدخلة في مجال تربية الماشية اعتماد سعر مرجعي لبيع أضاحي العيد بسعر 14 دينارا للكلغ خروف حيّ لجميع أصناف الخراف في نقاط البيع بالميزان المنظمة. وأفاد مدير وحدة الإنتاج الحيواني بالاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري منور الصغيري في تصريح لوكالة الأنباء التونسية، أن “هذا السعر يعد مجزيا ومناسبا لمربي الماشية في تونس والراغبين في بيع الخراف المخصصة لعيد الأضحى”. وأشار إلى أنه “بالمقارنة مع أسعار السنة الماضية فإن هناك زيادة بدينار واحد في سعر البيع (الذي كان 13 دينارا)”، موضّحا أن الزيادة ستكون في حدود 50 دينارا للأضحية التي يكون معدل وزنها في حدود 40 كلغ مقارنة بالسنة الماضية. وعزا مراقبون ظاهرة ارتفاع أسعار الأضاحي إلى زيادة كلفة الإنتاج لدى المزارعين التي غذتها ظاهرة الجفاف المؤثرة بدورها على نقص الغطاء النباتي وغلاء أسعار الأعلاف المركبة. وأفاد منير العبيدي رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة بالكاف (شمال)، أن “ارتفاع أسعار الأضاحي يرتبط بعدة عوامل أهمها ارتفاع كلفة الإنتاج لدى المزارعين، فضلا عن اليد العاملة والأسمدة والأدوية، كما أن سنوات الجفاف التي تتالت في تونس هي التي أدت إلى تراجع مستوى الغطاء النباتي وارتفاع أسعار الأعلاف”. وأضاف في تصريح لـ”العرب”، أنه “يوجد في محافظة الكاف أكثر من 90 ألف أضحية، بينما يتجاوز عدد الأضاحي في كامل البلاد لهذه السنة المليون ونصف مليون أضحية، في حين تستحق تونس سنويا ما بين 800 ألف و900 ألف أضحية”. وتابع العبيدي “عندما كان المزارعون يراهنون على تربية الماشية، كان الإنتاج متوفرا بأرقام كبيرة والأسعار مقبولة، لكن الوسائط الموجودة الآن بين المنتج والمستهلك ساهمت في ارتفاع الأسعار والمنتج والمستهلك هما أكبر متضررين”. وأردف “القطاع الفلاحي قطاع استراتيجي وعلى الدولة أن تتدخل وتضغط على الكلفة، ولاحظنا غياب الدولة في القطاع الفلاحي في السنوات الأخيرة، وهذه المنظومة تحتاج إلى عقود من الزمن حتى يتم إصلاحها”. مساعدات مالية ستصرف للعائلات الضعيفة ومحدودة الدخل بمناسبة عيد الأضحى بقيمة إجمالية تبلغ 5.86 مليون دولار وفي ظلّ واقع الأسعار المرتفعة، فضّلت بعض العائلات اقتناء الأضحية عبر التقسيط في دفع ثمنها، فيما لجأت بعض الفئات إلى مقاطعة الحدث بالتخلي على شراء خراف العيد. واشتكى عدد من سكان محافظة تطاوين (جنوب) من ارتفاع أسعار الأضاحي وعدم قدرتهم على شراء خروف العيد. وأكّدوا أنهم سيضطرون مكرهين إلى الاقتراض لشراء الأضحية أو اقتنائها بالتقسيط حتى لا يحرموا أبناءهم من فرحة العيد، فيما خيّر البعض الآخر التخلي عن الأضحية هذه السنة والاكتفاء بشراء كمية من اللحم. وأوضح الاتحاد الجهوي للفلاحة بتطاوين أن “غلاء أسعار الأضاحي يعود إلى ارتفاع تكلفة تربية الماشية في الجهة باعتبار تواصل الجفاف في الجهة منذ 3 سنوات وغلاء وندرة الأعلاف”.
مشاركة :