موسم الحج..أزمة "تأشيرات القُرعة" تسبق انطلاق الشعائر المقدسة أطلقت السعودية نظاماً جديداً يحصل من خلاله الراغبين على أداء فريضة الحج لهذا العام على تأشيرة دخول للمملكة لأداء الفريضة. لكن النظام الجديد يواجه انتقادات متصاعدة، فيما يرى الخبراء أنه بالون اختبار لما هو قادم. تقول السلطات السعودية إن النظام الجديد للتأشيرات سيحمي الحجاج من منظمي الرحلات "المزيفين" في هذه الأيام من كل عام تتجه الأعين والقلوب إلى مدينة مكة المكرمة وما حولها حيث يؤدي ملايين المسلمين شعائر الحج بما فيها الركن الأعظم وهو الوقوف على جبل عرفات. وفي سبيل أداء تلك الفريضة الروحية المهمة يستعد الحجاج على عدة مستويات سواء إيمانياً وروحياً أو حتى مالياً. وبالنسبة لآلاف الحجاج الذين يتوقع أن يتوجهوا إلى السعودية قادمين من حوالي 50 دولة في أوروبا وأستراليا والأمريكتين، فقد تحول الاستعداد لموسم الحج لهذا العام بالتحديد إلى نوع من "الدراما" وخصوصاً المالية. في يونيو / حزيران، أعلنت وزارة الحج في المملكة العربية السعودية أن المسلمين من قائمة واسعة من البلدان سيضطرون إلى التقدم للحصول على تأشيرة الحج من خلال نظام يانصيب/قُرعة تم إدخاله حديثًا على موقع "المطوّف Motawif" المدعوم من الحكومة، وهو الأمر الذي - بحسب الوزراة أيضاً - سيحمي الحجاج من منظمي الرحلات "المزيفين". لكن هذه الخطوة أدت إلى تهميش قدامى العاملين على تنظيم رحلات موسم الحج، والذين باعوا بالفعل تذاكر موسم الحج لهذا العام والذي من المفترض أن يبدأ في اليوم الثامن من شهر ذي الحجّة وهو الموافق ليوم السابع من يوليو/تموز. يقول عمر - وهو رجل لبناني يعيش في الولايات المتحدة وطلب عدم نشر اسمه الأخير لأسباب أمنية :"بعد الوباء وكل ما مررنا به خلال العامين الماضيين، شعرت بالحاجة إلى إحياء علاقتي بالله"، بحسب ما قال لـ DW. تقدم عمر بطلب للحصول على تأشيرة الحج من خلال وكالة سفر عبر الإنترنت في الولايات المتحدة في وقت سابق من هذا العام. لكن عندما تحولت المملكة إلى نظام القُرعة الجديد، سحب عمر الطلب. وقال إنه لم يتلق بعد تأكيداً لاسترداد الأموال التي دفعها. وإلى جانب الخسارة المالية المحتملة، فإن عمر قلق أيضاً من أن التطبيق قد يؤثر على التأشيرات المستقبلية لدخول المملكة العربية السعودية ، حيث يتم إعطاء الأولوية للحجاج ممن يؤدون الفريضة لأول مرة. في بيروت، تنتظر سيدة تُدعى ليلى في منزلها بفارغ الصبر، والتي طلبت أيضًا عدم نشر اسم عائلتها. يفترض أن تسافر على متن رحلة تنطلق يوم الأربعاء، وهي الرحلة التي لم يتم تنظيمها عبر الموقع الحكومي السعودي أيضًا. تقول السيدة البالغة من العمر 64 عاماً لـ DW: "كنت أرغب في الذهاب لأداء المناسك منذ فترة طويلة، لكني الآن أخشى أن تضيع كل الأموال التي دفعتها، حيث يتم رفض دخول الكثير من الأشخاص وإعادتهم من المطارات". وحتى من فازوا في السحب من خلال "المطوف" ودفعوا المقابل المالي المطلوب لحزمة الحج الخاصة بهم (تبدأ أسعار الشرائح أو الفئات المختلفة للحج من 5986 دولاراً ، أو 5800 يورو) يقولون إن النظام الجديد تسبب في الكثير من المشاكل. على موقع التدوينات القصيرة "تويتر"، عبر عدد من الأشخاص عن غضبهم من تلك التجربة الجديدة تحت وسم #paidbutfailed. تبدو المشكلات متشابهة وتشمل: رفض عملية الدفع، عدم تأكيد قبول الطلبات، تواريخ الرحلات التي لا تتوافق مع تاريخ الإقامة، وتغيير أماكن الفنادق إلى أخرى يستغرق الوصول إليها السير لمسافات طويلة على الأقدام، كما لا توجد استجابة عبر الخط الساخن للعملاء. تقول هادية في تغريدة لها: "بشكل استباقي اتصلت بشركة الخطوط الجوية السعودية وأرسلوا لي تذكرتي الإلكترونية !!!!!! ومع ذلك، لم تغير موقف ملفي الشخصي على موقع "المطوف". لاتزال الحالة المسجلة هي فشل الحجز. لا يوجد تأكيد من الفندق ولا تأكيد على إصدار تأشيرة حتى الآن. يفترض أن أغادر من فرانكفورت في الثالث من هذا الشهر إن شاء الله بحسب الحزمة (فئة الحج) التي سجلت لها". نصف حصة الحجيج وحتى قبل أن يصبح النظام الجديد إلزامياً للمسلمين في أوروبا وأستراليا والأمريكتين، لم يكن الحج متاحًا للجميع أيضاً، الأمر الذي شمل البلدان ذات الأغلبية المسلمة، وكذلك المواطنين السعوديين. ويعتمد عدد التأشيرات المخصصة للحج لكل دولة على النسبة المئوية للسكان المسلمين في البلدان المعنية. ومع ذلك، وخلال سنوات الوباء، تغير عدد الأشخاص المسموح لهم بأداء شعيرة الحج بشكل كبير. في عام 2019، وقبل انتشار وباء كورونا، سُمح لما يصل إلى 2.5 مليون شخص بأداء مناسك الحج؛ في حين أنه في عام 2020، كان هناك 1000 حاج فقط. وفي عام 2021 تمت زيادة العدد إلى 60 ألفًا، وفي عام 2022، سيتم السماح بمليون حاج . لكن إلى الآن، فإن حتى البلاد غير الملزمة باتباع نظام التذاكر الجديد لموسم حج هذا العام لم تتلق سوى نصف حصتها السابقة وربما أقل من النصف. على سبيل المثال، تم تخفيض عدد الحجاج الباكستانيين من 200 ألف في عام 2019 إلى 80 ألفاً في عام 2022، وفي حالة إيران، انخفض العدد إلى النصف من أقل بقليل من 87 ألف في عام 2019 إلى 40 ألف في عام 2022. يقول سيمون فولفغانغ فوكس ، المحاضر في الدراسات الإسلامية ودراسات الشرق الأوسط بجامعة فرايبورغ لـ DW إنه "ومع ذلك، فإن عدد المسلمين الأوروبيين والأستراليين والأمريكيين الذين هم الآن تحت مظلة النظام الجديد لتأشيرة الحج عبر القُرعة يمثل الجزء الأصغر من المشاركين، ربما بحوالي 50 ألف حاج فقط" لكن فوكس استدرك قائلاً إن النظام الجديد للتأشيرات يمكن أن يكون بالون اختبار للمستقبل حيث "أعلن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالفعل أنه يهدف إلى زيادة عدد الحجاج بشكل كبير كجزء من رؤيته 2030". وأدت عمليات الإصلاح الاستراتيجي، التي أطلق عليها اسم "رؤية 2030" إلى منح المرأة السعودية المزيد من الحقوق، كما تمت إعادة فتح دور السينما بعد 35 عامًا من إغلاقها، وتم وبناء "مدينة بيئية" تسمى نيوم، وهي أكبر 33 مرة من نيويورك. وقال فوكس "علاوة على تلك العمليات الإصلاحية، تتضمن الإستراتيجية إضفاء الطابع المهني على السياحة، وتعزيز السياحة الدينية، بما في ذلك الحج ، الذي قد يشهد أعداداً غير مسبوقة من الحجاج في المستقبل". في المقابل، ليس من المستغرب أن تهدف المملكة العربية السعودية إلى تحويل حصيلة الخطط المربحة للحجاج مباشرة إلى خزائن المملكة. يقول فوكس: "على سبيل المثال، من الآن فصاعدًا، يتعين على الحجاج من أوروبا وأستراليا والأمريكتين استخدام الخطوط الجوية السعودية فقط". يذكر أنه قد وصل أكثر من 375 ألف حاج دولي إلى المدينة المنورة، وفقًا لوكالة الأنباء السعودية، من بينهم حجاج من أوروبا وأستراليا والأمريكتين. وعادت شوارع مدينة مكة المكرمة تعج بمئات آلاف الحجاج بملابس الإحرام البيضاء ، بعد عامين من تقليص هائل في أعداد الحجيج. وفي حزيران/يونيو الماضي، قالت المملكة إن الكمامات لن تكون ضرورية بعد الآن في غالبية الأماكن، لكنها ستظل إلزامية في المسجد الحرام بمكة. وسيقتصر الحج لهذا العام على المسلمين الذين تم تطعيمهم وهم تحت سن الـ65 عاماً. ويتعين على الآتين من الخارج تقديم نتيجة فحص كوفيد-19 سلبية من اختبار تم إجراؤه في غضون 72 ساعة من موعد السفر. جينيفر هوليس ورزان سلمان / ع.ح.
مشاركة :