في عهد خليفة.. ترسيخ البنية الثقافية وتثمين التراث

  • 7/7/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لا يمكن للبنى الاقتصادية واستراتيجيات التطور المدني أن تتشكّل وتينع وتتألق في فضائها المحلي ومناخها الدولي إلا إذا كان هناك وعي ثقافي فاعل وحقيقي، يسندها ويعززها ويضمن استدامتها وتأثيرها الإيجابي في المجتمعات الطموحة لمواكبة الحاضر، ومجابهة تحديات المستقبل. ومن هنا، واسترشاداً برؤى الأب المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، كان فقيد الوطن المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان «طيب الله ثراه»، ينطلق من وعي أصيل ومنتبه لقيمة الهوية الثقافية في الإمارات، وقدرتها على دمج الظواهر التراثية في كل بيئة مستقلة بخصوصيتها في بوتقة مشتركة من التطلعات النهضوية المعنية بتحقيق الرفاهية والأمن والاستقرار. وكان المرتكز الأساس لهذا الدمج أو التناغم هو تحويل فكرة قيام الاتحاد من كونها فكرة استباقية وفريدة على مستوى المنطقة الخليجية والعربية إلى نمـوذج ناجح وملموس ومتميز على أرض الواقع. وقد شهد عهد المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان «طيب الله ثراه» ترسيخ البنى الثقافية في الدولة، بعد أن وضع الأب المؤسس لبناتها الأولى وبذورها المبكرة التي رعاها وسقاها منذ قيام الدولة، انطلاقاً من التمكين البشري بداية، ذلك أن الإنسان الواعي والمتعلّم والمثقف، هو الدعامة الأهم والأكثر صلابة لرفع تطلعات شعب الإمارات وتحقيق طموحاته التنموية وأحلامه المستندة على التخطيط ووضع الأهداف والمحاور. ولأن «الثقافة» مصطلح واسع ومتعدد الأنساق، فإن رؤية الدولة للثقافة، التي اتضحت بشكل كبير في عهد المغفور له الشيخ خليفة، كانت هي الرؤية الشاملة التي تنظر للثقافة كتنوير للعقل قبل أي شيء آخر؛ لأن العقل المستنير هو الذي يضيء الملَكات البشرية ويمكّن المواهب الإنسانية كي تجسّد الخيال المعرفي وتصوغه وتحوّله إلى فعل خلّاق، وعمل مبتكر، ونقد مطلوب، وتفنيد عقلاني للتوجهات المنغلقة وغير القادرة على مواكبة العصر. الهوية والقيم والثقافة تواكب سيرورة الزمان وتطور الأحداث، من دون اندفاع أو مبالغة، ذلك أنها تخلق التوازن المطلوب بين ضرورات الهوية والقيم الأخلاقية والعادات الأصيلة، وبين الإنجازات الجديدة والمبهرة في قطاعات الإدارة والحوكمة والتكنولوجيا والعلاقات الدولية. ولم يقتصر التخطيط الثقافي في عهد الشيخ خليفة على إحياء التراث المحلي العميق في المكان، والترويج للآثار التاريخية والاهتمام بالأنماط التعبيرية في مجالات الكتابة والفنون التشكيلية والمسرح والسينما وغيرها فقط، بل كان هذا التخطيط الثقافي أشبه بخريطة طريق مستقبلية تشمل كافة القطاعات الخدمية المساهمة في نجاح الدول واستقرارها واستثمارها السليم لموقعها الجغرافي ولمواردها الطبيعية وإمكاناتها البشرية وطموحاتها الاقتصادية وحراكها السياسي القائم على التعاون والتفاهم والمصالح المشتركة، لا على النزاع والخلاف والصراع. وقد شكّلت الثقافة في عهد المغفور له الشيخ خليفة منظومة من الإجراءات والأعراف والتوجهات التي اتفق عليها أبناء الإمارات على رغم تمايز بيئاتهم وثقافاتهم المجتمعية الموزعة بين بيئات الساحل، والجبال، والصحراء، ذلك أنه تمايز صحّي وتكاملي، يقوم على التنوّع الإيجابي، المتّسق في الوقت ذاته مع الرؤية الوحدوية لمؤسسي الدولة وقادتها. تناغم بين جيلين وقد ترسخت البنية الثقافية الإماراتية في عهد المغفور له الشيخ خليفة، عندما أفسحت مجالاً للعصف الذهني المشترك بين جيل الروّاد وأصحاب الخبرة، وبين جيل الشباب الواعد والمتحفّز والمؤسَّس علمياً وأكاديمياً كي يقود دفة السفينة التنموية نحو آفاق أكثر ازدهاراً ونماءً وتطوّراً، وجاء هذا التمازج والتناغم بين جيلين مختلفين حتى لا ينقطع حبل التواصل المعرفي بين الماضي بكل دروسه ومحطاته وجذوره الضاربة في أرض الذاكرة والهوية، وبين الحاضر المنشغل بتحدياته، وصولاً إلى المستقبل المعنيّ بضمان تحقيق متطلبات الأجيال القادمة. وتُحسب هذه النظرة الشاملة للثقافة، التي بانت ملامحها بقوة في عهد المغفور له الشيخ خليفة بن زايد «طيب الله ثراه»، ضمن الإنجازات الحضارية الفريدة التي استطاعت من خلالها الإمارات اختصار الزمن وتكثيفه لتزاحم وتنافس دُوَلاً وشعوباً ذات تاريخ عريق وعميق في التخطيط الثقافي الاستراتيجي. الصناعة المعرفية لقد استطاعت الإمارات في عهد فقيد الوطن أن ترتقي بمفهوم الثقافة إلى فضاء تفاعلي ثري بأنماطه وأنواعه الفكرية والتطبيقية، فكان الاهتمام واضحاً وملموساً بالسياحة الثقافية، والصناعة المعرفية، وتطويع التقنيات الحديثة لخدمة الإعلام والفنون والآداب، وإيصال الصوت المحلي والفلكلور الشعبي والاكتشافات الأثرية المذهلة في مناطق الدولة المختلفة إلى محافل عالمية كانت غائبة ومغيّبة عما تختزنه أرض الإمارات من كنوز ثقافية ومعارف إنسانية وآداب شفهية وأخرى مدوّنة ثرية ومتنوعة، جعلت منظمات دولية رصينة تتنبه لهذه الكنوز وتضعها ضمن العواصم الثقافية والمواقع الأثرية المهمة التي يجب الحفاظ عليها، وخصوصاً بعد الاكتشافات التاريخية والأثرية الثمينة التي أثبتت أن أرض الإمارات كانت معبراً أساسياً للهجرات البشرية القديمة من أفريقيا إلى آسيا ودول أوروبا.

مشاركة :