في عصر لم يعد فيه سوى المجابهات والحروب الساخنة والباردة وأعباء الدول العظمى وأعباء امتلاك وتطوير ترسانة الأسلحة النووية المدمرة، وواقع تتناقض فيه التراكمات وتستفحل فيه الأزمات، التي تؤكد الدمار المفزع الذي حل بتغير المناخ حيث اختلفت درجات الحرارة وهطول الأمطار والرياح وعوامل أخرى على مدى عقود، فقد شهد العالم ارتفاعاً سريعاً غير مسبوق بسبب الأنشطة البشرية وحرق الوقود الأحفوري الذي يولد انبعاثات الغازات الدفيئة التي حذرت منها الأمم المتحدة، فهل ما يقولونه عن المناخ ادعاءات باطلة واليوم عادوا للوقود الأحفوري؟. فلنبدأ بعد هذه المقدمة بما قاله: «المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول تحذيره دول أوروبا من أن عليها الاستعداد فوراً لاحتمال وقف روسيا كل صادرات الغاز الطبيعي إلى القارة هذا الشتاء»، وناقش المفارقة بين أزمة الطاقة وأزمة المناخ مع استبعاد تجاهل كليهما كما نشر على صفحات الصحف. من هنا نتساءل ماذا سيحدث لأوروبا إذا قطعت روسيا الغاز بشكل نهائي؟ واقتصاد أوروبا كلها أصبح مهدداً بغاز روسيا إذا توقف، ما من شك أن قدرة دول أوروبا على إعادة ملء مخزونات الغاز في غاية الصعوبة استعداداً للشتاء، وخاصة بعدما بدأت «غازبروم» تقليل إمدادات الغاز لبعض الدول الأوروبية، وارتفاع الأسعار في بريطانيا وبقية دول الاتحاد. بديهي بطبيعة الحال أن مفتاح فهم المغزى الحقيقي لهذه التحولات الجارية بدأ من نقص الإمدادات وتوجيه الاتهام إلى روسيا بأن استخدام الغاز الطبيعي كسلاح في الصراع مع أوروبا كما قيل، وهذا يضغط الولايات المتحدة وبريطانيا لإنهاء الاعتماد الأوروبي على واردات الطاقة من روسيا، رغم أن الشركة الروسية التي أوقفت إمدادات الغاز لبعض الدول التي لم تتعاقد على توريد كميات الغاز لا مانع لديهم إذا كان الدفع بالروبل، أما تقليل الإمدادات لدول أخرى فيعتمد على عدد الشركات المستوردة التي فتحت حسابات بالعملة الروسية في «غازبروم بنك» لهذا الغرض. في حال توقفت إمدادات الغاز الطبيعي من روسيا فستبدأ بعض الصناعات كثيفة الاعتماد على الغاز، مثل مصانع حديد الصلب، في تقليل إنتاجها أو حتى التوقف، كما قد تضطر دول أوروبا إلى زيادة الاعتماد على الفحم، الملوث الأكبر للبيئة بانبعاثاته الكربونية العالية، وتعتمد مواد الاحتراق الأحفورية على مركبات عنصر الكربون عند احتراق الكربون مع غاز الأكسجين وهذا يبعث على درجات حرارة عالية، إضافة إلى انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون ومواد كيميائية أخرى، ولازالت ألمانيا تعلن أنها قررت الإبقاء على هدفها بالاستغناء عن الفحم بحلول 2030 مهما كانت النتائج والأضرار. لسنا إذن إزاء مجتمع دولي برجوازي يعمل على نضج النضال، ومعالجة ظرف عالمي وأزمة حادة، يدخر كامل تاريخه في سبيل انتصار حروبه، ولكنه اليوم يوسع آثار الحرب الأوكرانية ويتجاوز تعميق الأزمة، وبدلاً من النجدة الأممية سيكون هناك واقع اضطراري أو ضرورة لتشغيل محطات توليد الكهرباء، في حال استمرار الأزمة إلى فصل الشتاء وملء مخزوناتها من الغاز الطبيعي. فهل نسمع مجدداً صوت ومطالبات الأمم المتحدة التي تحذر من «كارثة» مناخية تطالب به الدول النامية وبسرعة التحرك للتصدي لمخاطر ارتفاع درجة حرارة الأرض، الذي يسببه بالدرجة الأولى حرق الوقود الأحفوري، وانبعاثات الغاز المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري من أجل تجنب مزيد من موجات ارتفاع درجات الحرارة وذوبان الأنهار الجليدية وارتفاع مستويات البحر في المستقبل القريب؟، أم سيتغير خطابهم عن المناخ وخططهم المستقبلية اتجاهه؟، علماً أن ألمانيا قررت الإبقاء على هدفها ولن يكون الاستغناء عن الفحم إلا بحلول 2030 بسبب «أزمة الغاز» ، نتيجة العقوبات الغربية على روسيا. وتتجلى خطورة المرحلة التي يتجه إليها العالم بظهور التناقضات الكبرى واستغلال الثغرات، وتنافس قائم على المصالح والتهديد المستمر بالأسلحة النووية كل ذلك يقود بدوره إلى كوارث.
مشاركة :