ساعدوا المتسولين لا تعطوهم أموالا

  • 7/7/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ساعدوا المتسولين لا تعطوهم أموالا "ازدراء فعل الخير" يمكن أن يحدث بشكل يفوق التصور في المجتمعات التي توصف بأنها محرومة، ويعيش مواطنوها في ظل أوضاع معيشية صعبة. الاختفاء التدريجي للنقود مصيبة لم يختبرها من قبل المتسولون تبدو فوائد الدفع ببطاقات الائتمان جلية للعيان، فهي طريقة سهلة وسريعة، وتغني عن حمل مبالغ ضخمة في الجيب، وتجنبنا ضياعها أو سرقتها. ولا شك أن الدفع النقدي يستغرق وقتا طويلا لعد الأموال، وانتظار باقي النقود، ومن ثم قد يطول الطابور، وتفوح الروائح العطنة ممن لا يعرفون الاستحمام إلا في المناسبات والأعياد، فيصيبون البعض بـ"هلوسة شمية" تدفعهم إلى الانزعاج والشوى والسب والشتم، وقد يشعر البعض الآخر بحالة من الإغماء والانهيار. في بعض البلدان، التي تعاني من أجواء قائضة وخانقة خلال فصل الصيف، تختلط الحرارة الملهبة برائحة العرق النفاذة، فتصبح مهمة الوقوف في الطابور الطويل مسألة حياة أو موت، ولا يمكن الاستهانة بها على الإطلاق. اليوم بعد أن أصبح معظم أصحاب المتاجر الكبرى يفضلون الدفع بالبطاقات أو الهواتف الذكية، لأنها لا تهدر الوقت ولا تحتاج إلى العناء، ولقيت إقبالا كبيرا من الناس، الذين يعتمدون عليها في معظم عملياتهم الشرائية، لم يعد من الممكن الاستغناء عنها. "ازدراء فعل الخير" يمكن أن يحدث بشكل يفوق التصور في المجتمعات التي توصف بأنها محرومة، ويعيش مواطنوها في ظل أوضاع معيشية صعبة في المقابل، شكل الاختفاء التدريجي للنقود مصيبة كبرى، لم يختبرها من قبل المتسولون واللصوص وعابرو السبيل ممن افتقدوا متعة العثور على مبالغ مالية صدفة في طريقهم، والأخطر من ذلك، فإن ألم اختفاء الأموال قد تسبب في ارتفاع عمليات السطو المسلح على البنوك والمنازل وحتى المارة. وفي ضوء ذلك، ليس من الغريب أن يستشيط أحد المشردين في لندن غضبا، ويتعمد شتم راكبة قطار لأنها قدمت له قطعا نقدية من الفئات الصغيرة، بعد أن بحثت كثيرا في حقيبة نقودها، لكنه اعتبر ذلك إهانة في حقه، وطالبها بأن تمنحه أموالا أكثر. بينما تناشد السلطات البريطانية المواطنين بعدم منح المتسولين أي نقود، بل التبرع بها للجمعيات الخيرية وبنوك الطعام، لأن معظم المتسولين ينفقون الأموال التي يحصلون عليها في شراء المخدرات والكحول أو الانخراط في أنشطة إجرامية، فإن راكبة القطار -على ما يبدو- أرادت إظهار الجانب السخي من شخصيتها، من خلال التبرع بذلك القدر من المال للمتشرد، لكنها صدمت لأنها لم تلق التقدير العلني الذي تستحقه جراء إحسانها له. اللافت أن "ازدراء فعل الخير" يمكن أن يحدث بشكل يفوق التصور في المجتمعات التي توصف بأنها محرومة، ويعيش مواطنوها في ظل أوضاع معيشية صعبة. ولعلنا نتذكر هنا العبارة التي قالها الفيلسوف الفرنسي الشهير فولتير إن "الأفضل هو عدو الخير". هذه المقولة تحيلنا على مواقف تنتهك فطرة بشرية مهمة، وهي السلوك الإيثاري بين الناس، إذ بات الكثيرون يقبلون الإحسان ويكرهون المحسن. ولا شك أن أغلبنا قد مر بمواقف مماثلة، لكن ما لم نعش مثل هذه التجربة، فلن يكون لدينا أدنى فكرة عن معنى أن نكون ضحية الإحسان. يمينة حمدي صحافية تونسية مقيمة في لندن

مشاركة :