تماسكت أسعار خام برنت في ختام تعاملات أمس فوق الـ 100 دولار للبرميل، بعد خسائر كبيرة في الجلستين السابقتين مع عودة تركيز المستثمرين على قلة الإمدادات مع استمرار مخاوف الركود العالمي. وجاء ارتفاع الأسعار مدعوما بقيود الإنتاج في ليبيا وفي ضوء قرار روسي بوقف شحن النفط الكازخستاني عبر خط قزوين لنقل النفط إلى الأسواق العالميي، ما وسع المخاوف من اختناقات وشح في الإمدادات العالمية. ويكبح مكاسب النفط استمرار توقعات الركود الاقتصادي العالمي وارتفاع إصابات كورونا مجددا في الصين وعدة دول حول العالم، ما عمق القلق على وتيرة تعافي الطلب العالمي على الرغم من موسم القيادة الصيفي وانتعاش حركة السفر. ويقول لـ"الاقتصادية" محللون نفطيون إن العقود الآجلة للنفط سجلت تقلبات، حيث دفعت المخاوف من الركود لليوم الثاني إلى ضغوط البيع القوية وتنامت مخاوف الطلب، التي استمرت في إلقاء ظلالها على توقعات الإمدادات العالمية الضيقة. وأشاروا إلى أن البيانات الاقتصادية الأخيرة تعطي صورة لتباطؤ الاقتصاد الأمريكي، حيث إن معدل النمو في قطاع الخدمات الأمريكي عند أدنى مستوى له في عامين، بينما الوظائف الشاغرة لشهر أيار (مايو) تجاوزت توقعات السوق، ولكنها لا تزال تنخفض في حين أن توقعات الطلب أيضا تعرضت إلى ضغوط متزايدة وسط جولة جديدة من عمليات الإغلاق، التي يسببها الوباء في الصين. وعد محللون أن ضيق العرض في سوق النفط العالمية في مصلحة روسيا، التي تحقق عوائد كبيرة بسبب ارتفاع الأسعار القياسي وهو ما يعوض أي نقص في الإمدادات من جانبها، سواء اختياريا أو بسبب العقوبات الغربية، بينما في المقابل يسارع النفط الروسي إلى التمدد بقوة في الأسواق الآسيوية وعلى رأسها الصين والهند. وفي هذا الإطار، يقول مفيد ماندرا، نائب رئيس شركة "إل إم إف" النمساوية للطاقة إن تقلبات الأسعار مستمرة في السوق، ولكن المرحلة الراهنة تشهد تفوق مخاوف الركود المتزايدة إلى جانب المخاوف من ضعف الطلب على سوق العرض الضيق بشكل أساسي. ورجح أن تعاني العديد من الاقتصادات الرائدة في العالم نموا سلبيا في الأشهر القليلة المقبلة، وعلى رأسها الولايات المتحدة التي تواجه بقوة شبح الركود، كما أن الدولار القوي لم يساعد أسعار النفط والسلع الأساسية على الصعود بالقوة نفسها، حيث لا يزال الدولار هو الملاذ الآمن المفضل في العالم خلال هذه الأوقات المضطربة. ويرى، أندرو موريس، مدير شركة "بويري" الدولية للاستشارات أن التباطؤ الاقتصادي العالمي قد يتسبب في انخفاض الطلب، مشيرا إلى توقعات صادرة عن مجموعة "سيتي جروب" ترجح أن أسعار النفط الخام قد تنخفض إلى 65 دولارا للبرميل هذا العام في حالة حدوث ركود عالمي واسع. وأوضح أنه واقعيا وعمليا لا تزال المعنويات الصعودية هي الأقوى في أسواق النفط الخام رغم التراجعات المحدودة من حين إلى آخر، لافتا إلى أن تقديرات كثير من الدوائر البحثية والتحليلية الدولية أن الاتجاه الهبوطي للنفط الخام يجب أن يظل محدودا بسبب نقص وشح الإمدادات النفطية بشكل عام. ومن ناحيته، يقول ديفيد لديسما، المحلل في شركة "ساوث كورت" الدولية أن العقوبات الغربية على النفط الروسي ما زالت محدودة في التأثير في موسكو، التي زادت عوائدها من النفط الخام على نحو واسع بسبب ارتفاع الأسعار وبالرغم من الخصومات البيعية الكبيرة، التي تقدمها للمستهلكين، مشيرا إلى أن الصين تقدم دعما قويا للاقتصاد الروسي، حيث تواصل بكين شراء مستويات قياسية من النفط الخام الروسي في تحديصارخ ومؤثر في الموقف الغربي. وتوضح ويني أكيللو المحللة الأمريكية في شركة "أفريكان إنجنيرينج" الدولية أنه على الرغم من أن ارتفاع أسعار النفط يبدو أنه قد توقف خلال الشهر الماضي، ما أدى إلى توقف مزيد من المكاسب لقطاع الطاقة إلا أن قطاعا كبيرا من المعنيين بالسوق يعتقد أن أسعار النفط لا تزال تتمتع بكثير من عوامل الاتجاه الصعودي. ولفتت إلى توقعات صادرة عن "جي بي مورجان" ترجح حدوث ارتفاع في أسعار النفط العالمية إلى مستويات قياسية جديدة، خاصة إذا نجحت دول مجموعة السبع في فرض حدود قصوى على أسعار النفط الروسي، مشيرة إلى أن الوضع المالي القوي لروسيا يجعل بإمكانها خفض إنتاج النفط الخام بما يصل إلى خمسة ملايين برميل يوميا دون الإضرار باقتصادها بشكل مفرط ومع ذلك، فإن مثل هذا التخفيض الكبير سيكون عبئا كبيرا على مستهلكي النفط، لأنه قد يدفع أسعار خام برنت إلى 380 دولارا للبرميل– بحسب تقديرات سابقة للبنك. من ناحية أخرى، وفيما يخص الأسعار، زادت العقود الآجلة لخام برنت 61 سنتا، أي 0.6 في المائة، إلى 101.30 دولار للبرميل بحلول الساعة 1121 بتوقيت جرينتش أمس، وارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط 65 سنتا، أي 0.7 في المائة، إلى 99.18 دولار للبرميل. وكانت المعاملات متقلبة بعد هبوط الأسعار في وقت ما من الجلسة بنحو دولارين، ثم عاودت الزيارة وصعدت بنحو دولار واحد. وفي مؤشر على أن إمدادات النفط ربما تظل شحيحة، شددت واشنطن العقوبات المفروضة على إيران العضو في منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" الأربعاء لتضغط على طهران من أجل إحياء الاتفاق النووي المبرم 2015. وتراجعت أسعار النفط في الأسابيع الماضية، ما يلقي الضوء على المخاوف من تباطؤ اقتصادي حاد وتراجع الطلب على السلع الأولية. ويأتي ذلك على أعتاب التطورات والبيانات الاقتصادية المرتقبة من قبل الاقتصاد الأمريكي أكبر منتج ومستهلك للنفط في العالم، وفي ظلال تسعير المستثمرين لمحضر اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة الأخيرة وتقييم الأسواق لآخر التطورات في الصين أكبر مستورد للنفط عالميا والركود الذي يلوح في الآفاق، مقابل القلق حيال المعروض بعد قرار روسي بوقف شحن النفط الكازاخستاني عبر خط قزوين لنقل النفط إلى الأسواق العالمية بالتزامن مع استمرار قيود الإنتاج في ليبيا، وإضراب عمال النفط والغاز النرويجيين. ومن جانب آخر، حجبت منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أمس، أسعار سلتها، وقد فتحت العزاء إلكترونيا في وفاة الأمين العام محمد باركيندو.
مشاركة :