أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور ماهر المعيقلي المسلمين بتقوى الله في السر والعلن وفي الخلوة والجلوة فهي وصية للأولين والآخرين قال تعالى (ولَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ). وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام: “إن من فضل الله تعالى على عباده المؤمنين، أن جعل لهم مواسم تتضاعف فيها الحسنات، ليسارعوا إلى الخيرات، ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾، وها نحن نشهد في هذه الأيام، شعائر ركن من أركان الإسلام، وموسم جليل من مواسمه العظام، تهوي فيه أفئدة الوافدين إلى بيت الله الحرام، ملبين دعوة إبراهيم عليه السلام، ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾، فهنا مكة وحرمها، والكعبة وجلالها، وزمزم والمقام، ومنى وعرفة والمشعر الحرام، وهنا نزل جبريل عليه السلام، بالوحي من السماء، وهنا البقاع المباركة، التي قصدها الرسل والأنبياء، فكم حج هذا البيت من الأنبياء والمرسلين وكم أمَّة من الأولياء والصالحين يبتغون رضى الرحيم الغفور، وفضل الحج المبرور، الذي ليس له جزاء إلا الجنة، وفي الصحيحين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ حَجَّ هَذَا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ)). وأضاف: أيامكم هذه، عظم الله شأنها، وشرَّف قدرها، وأخبر نبيه صلى الله عليه وسلم، أن العمل الصالح فيها، أحب إليه سبحانه من غيرها، ففي مسند الإمام أحمد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَالتَّحْمِيدِ)، فمن كان في هذه الأيام محسنا فليزدد، ومن كان فيها مقصرا فليتدارك، فقد بقي منها أفضل أيامها، يوم عرفة، ويوم النحر والقر، فيوم عرفة من أجل أيام الدنيا، وأعظمها بركة وفضلا، وفيه ركن الحج الأعظم، فالحج عرفة، وفيه أكمل الله تعالى الملة، وأتم النعمة؛ فعلى أرض عرفة، وفي يوم الجمعة، نزل جبريل عليه السلام، بقول الرب جل وعلا: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً﴾. وتابع يقول: “على أرض عرفات، أخذ الله الميثاق على ذرية آدم، أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، ففي مسند الإمام أحمد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَخَذَ اللَّهُ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ بِنَعْمَانَ – يَعْنِي عَرَفَةَ – فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا، فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذَّرِّ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قُبُلًا، قَالَ: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾، فأول العهود مع الله تعالى، توحيده بالعبادة، وحده لا شريك له، والتوحيد أعظم مقاصد الحج وأجلها، فما بني البيت العتيق، ولا أقيمت الشعائر، إلا من أجل التوحيد، ﴿وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً﴾، فالأنبياء كلهم بعثوا بدين واحد، وكلهم جاؤوا بعبادة رب واحد، ففي صحيح البخاري، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ)، أي: عقيدتهم واحدة، وشرائعهم مختلفة، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يذكر أمته بركب الأنبياء الكرام، ففي حجة الوداع، وهو في طريقه إلى مكة، قَالَ:(أَيُّ وَادٍ هَذَا)، فَقَالُوا: هَذَا وَادِي الْأَزْرَقِ، قَالَ:(كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، هَابِطًا مِنَ الثَّنِيَّةِ، وَلَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللهِ بِالتَّلْبِيَةِ)، رواه مسلم، وفي معجم الطبراني، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( صَلَّى فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ، سَبْعُونَ نبيًّا)، فحج هذا البيت هود وصالح، وموسى ويونس، عليهم السلام، وغيرهم من أنبياء الله تعالى وأصفيائه، صلوات ربي وسلامه عليهم، وقد اشتمل دعاء الأنبياء في يوم عرفة، على لب التوحيد، ونفي الشريك والنديد، والثناء على الله تعالى بما يليق بجلاله، والاعتراف له سبحانه بخيره وفضله وعطائه، وأنه على كل شيء قدير، فلا يعجزه شيء في أرضه ولا في سمائه، ففي سنن الترمذي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). وأشار فضيلته إلى أنه اجتمع اليوم عيدان، عيد الجمعة وعيد عرفة، ففي يوم الجمعة، يجتمع الناس للخطبة وصلاة الجمعة، وهو يوم الذكر والدعاء، وفي عصر الجمعة ساعة استجابة، لا يوافقها داع إلا استجيب له، وأهل عرفة كذلك يجتمعون بعرفة، للذكر والدعاء، وقد مكث صلى الله عليه وسلم على صعيد عرفات، مستقبلا القبلة، رافعا يديه بالدعاء، إلى أن غربت الشمس، وفي عشية عرفة، يدنو الرب جل جلاله من عباده، ويجيب سؤلهم، ويمحو خطاياهم، ويعتق رقابهم، ويباهي بهم ملائكته، ففي صحيح مسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ)). وبين في كل مكان: لا يختص فضل يوم عرفة بأهل الموقف، بل فضله لكل مؤمن ومؤمنة في أرجاء الدنيا، فالنبي صلى الله عليه وسلم، حث على صيامه لغير الحاج، وقال: (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ)، رواه مسلم، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: “ويوم عرفة، هو يوم العتق من النار، فيعتق الله من النار، من وقف بعرفة، ومن لم يقف بها، من أهل الأمصار من المسلمين، فلذلك صار اليوم الذي يليه، عيدا لجميع المسلمين، في جميع أمصارهم، من شهد الموسم منهم، ومن لم يشهده، لاشتراكهم في العتق والمغفرة يوم عرفة”. وأبان إمام المسجد الحرام أن النبي صلى الله عليه وسلم، خطب الناس وهو في عرفة، فكانت خطبة عظيمة، في يوم عظيم، من خاتم الأنبياء والمرسلين، بين فيها قواعد الإسلام وأصوله، وهدم فيها أساس الشرك وفروعه وأكد حرمة الدماء والأعراض والأموال، التي اتفقت على تحريمها الملل، وحرص صلى الله عليه وسلم في حجته، على تحقيق الأخوة والسماحة والسلام، فقال: (لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْض)، ونبذ صلى الله عليه وسلم النزاعات والنعرات، فالناس كلهم لآدم، وآدم من تراب، لقد تضمنت خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، قواعد جليلة، وآدابا كريمة، فهي رسالة حضارية، إلى كل البشرية، على اختلاف أجناسهم وألوانهم وألسنتهم، فجمع صلى الله عليه وسلم في خطبه، توجيهات عقدية، وإرشادات اجتماعية، فأوصى الرجال بالإحسان إلى النساء، وبين مالهن وما عليهن، وأوجب على النساء طاعة الأزواج، ففي سنن الترمذي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع:(أَلَا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ، فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ، أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ، أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ)، قال الإمام الذهبي رحمه الله: “وإذا كانت المرأة مأمورة بطاعة زوجها، وبطلب رضاه، فالزوج أيضا مأمور بالإحسان إليها، واللطف بها، والصبر على ما يبدو منها، من سوء خلق وغيره، وإيصالها حقها من النفقة والكسوة، والعشرة الجميلة، لقول الله تعالى: ﴿وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾”، ثم أوصى صلى الله عليه وسلم، في ختام خطبته بعرفة، بالاعتصام بالكتاب والسنة، فقال:(وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابُ اللهِ)، فالقرآن كتاب هداية، فمن اتبعه فلا يضل ولا يشقى، ومن أعرض عنه شقي في الأولى والأخرى، ثم قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ((وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، – أيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ – فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ) قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ: بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ، (اللهُمَّ اشْهَدْ، اللهُمَّ اشْهَدْ، اللهُمَّ اشْهَدْ))، رواه مسلم، ونحن نشهد بأن النبي صلى الله عليه وسلم، قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فصلوات ربي وسلامه عليه. وأضاف فضيلته: “غدا يفرح المسلمون بعيدهم، ويتقربون إلى ربهم بذبح ضحاياهم وهي سنة مؤكدة، لا ينبغي تركها لمن قدر عليها، اتباعا لسنة الخليلين عليهما الصلاة والسلام، فالأضحية شعيرة عظيمة، وعبادة جليلة، فلا تحرموا أنفسكم ثواب الله وفضله، والزموا ذكره ودعاءه، واشكروه على ما أولاكم، وكبروه على ما هداكم، ﴿لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ﴾.
مشاركة :