في الأحداث والمناسبات الكبرى، تغيب التفاصيل غير المرئية، إلا على النابهين من الباحثين، ومن يكتب ويرصد بدأب وعناية، ليصنع الفرق والتأثير. وقد حذِق جغرافيان متميزان من مكة المكرمة لهذا المعنى، وانتبه البرفيسور رمزي الزهراني، ومعراج ميرزا، لقيمة تلك التفاصيل، في مشهد الحج المتكرر كل عام، وقررا أن تكون رحلتهما البحثية شاهداً أميناً على تحولات أم القرى، قبلة الملايين، ومهوى أفئدة المسلمين. يقول الزهراني «اعتدت لسنوات عدة مع الأخ الزميل الدكتور معراج مرزا، التصوير السنوي المشترك لآثار قدوم موسم الحج على معالم مكة المكرمة والمشاعر، فكان كل منا يصور من مجال اهتماماته». إذ يركز البرفيسور الزهراني على القيمة الفوتوغرافية في دعم بيانات الجغرافيا وشواهدها، من منطلق عناية الجغرافيين بطريقة استخدام المفاهيم الرئيسية، مثل الفضاء والمكان والمناظر الطبيعية، وتوظيفها في المحاضرات والأبحاث الدراسية والدورات التعليمية. يركز البرفيسور معراج مرزا، في تعزيز دوره وتطوير مشروعه، بوصفه أحد أشهر مراجع التاريخ المكي، وأوائل من تصدروا المشهد الجغرافي والخرائطي، مطوراً عبر رسم الحدود والخرائط، المعالم الجغرافية، وينقب في التخصص البيئي لنفعه المباشر على جميع أشكال الحياة. قاده اهتمامه بتوثيق ذاكرة المكان المكية إلى جمع نصف مليون صورة ورسمة عن مكة المكرمة، وكان لها دورها الأصيل في إثراء المكتبة بعدد من المؤلفات التي تشير إلى جهوده الثمينة في رصد تطورات وتحولات الهوية الزمكانية المكية. أثمرت تلك الجهود، عن منتج نوعي عام 2015 حمل اسم «مكة المكرمة من السماء» وضم 148 صورة، في شمولية عبر محوري الزمان والمكان، وثّقت مراحل نمو مكة الأخيرة، خلال ما يزيد على نصف قرن، شهدت على أزقتها وحاراتها العتيقة، وشوارعها العصرية، ومساجدها التي تعانق السماء، وبطاحها التي تزين الأرض. تصوير جوي لمكة المكرمة يعود لمنتصف ستينات القرن الماضي، قاد الباحثان إلى هذه الفكرة، وأثنى عليها الملك سلمان بن عبد العزيز وأوصى باستكمال المشروع، عندما اطلع على مسوداته الأولية في زيارة قام بها الباحثان إليه في قصر الصفا بجدة، كما تم إيداع النسخة الإنجليزية من الكتاب في إحدى أهم وأكبر المكتبات الوطنية في العالم، «المكتبة البريطانية» في لندن. رصيد هائل من المعلومات والصور والوثائق أثمرت عنه هذه الرحلة المشتركة لجغرافيي مكة، على أمل أن ترى النور في أعمال رصينة، تزيد من ذخائر الجهد العلمي والبحثي المتعلق بمكة في مواسمها الدينية الدورية، يقول البروفيسور الزهراني «اجتمعت آلاف الصور لدى كل منا، وما زلنا ننتظر العزيمة للاستفادة منها في أعمال مطبوعة».
مشاركة :