مصر تحارب العقوق ضد الآباء بقانون يعاقب الأبناء

  • 7/11/2022
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

دفعت وقائع جحود الأبناء تجاه الأبناء مجلس النواب المصري إلى مناقشة مشروع قانون مقدم من نواب الأغلبية يقضي بمعاقبة الأبناء الذين يمارسون التنمر والسخرية والعقوق والإهانة اللفظية والجسدية ضد آبائهم، في محاولة من الجهة التشريعية لترهيب من يفكرون في العقوق وتجنب تحول الأمر إلى ظاهرة أسرية. وبرر مقدمو مشروع القانون موقفهم بأن تشديد العقوبات ضروري ضد من يسب والديه أو يتركهما أو يضربهما لأن الأديان السماوية أعطت الأب والأم حقوقا ولا بد من الحفاظ عليهما وحمايتهما، ولا غنى عن التشريعات الأسرية أمام تكرار وقوع بعض الجرائم السلوكية بحق العديد من الآباء والأمهات مؤخرا. ويقضى التشريع الجديد بمعاقبة الابن بالسجن مدة لا تقل عن ستة أشهر، مع غرامة مالية، في حال وقع منه اعتداء نفسي أو لفظي أو جسدي ضد أحد أبويه، في صورة تنمر أو سخرية أو طرد أو أيّ من أشكال العقوق، على أن تكون العقوبة مضاعفة عند العودة مجددا إلى نفس السلوكيات والتصرفات مستقبلا. القسوة تجاه الأبناء ميراث أسري يتم تبريره بتربيتهم على تحمل المسؤولية بذريعة أنه من رحم الشقاء يولد الرجال ويشهد المجتمع المصري على فترات متلاحقة وقائع شاذة تُظهر جحود الأبناء تجاه الآباء، ما أثار جدلا أسريا واسعا، ولم تعد هناك فروقات بين الشباب والفتيات في مسألة العقوق، ويوحي الوضع بوجود نوع من الاستسهال في التعامل مع الآباء بطريقة قاسية دون اكتراث بالسن أو التضحيات المادية. وهناك وقائع صارت أشد قسوة من العقوق بالسخرية والتنمر والطرد من المنزل، تتمثل في رفع قضايا حجر من أبناء ضد آبائهم، ووصل الأمر إلى حد الانتقام من الأب أو الأم بالقتل والتعذيب والحبس المنزلي حتى وجد نواب البرلمان أنفسهم أمام مسؤولية الحفاظ على كرامة الأبوين والسعي لسن عقوبات ضد المتهمين بالعقوق. وطرح مشروع القانون جملة من التساؤلات المرتبطة بهذا التحول في علاقة الآباء بالأبناء، والدوافع التي تقود إلى العقوق بطرق قاسية، فهناك من حمل الآباء جزءا من المسؤولية بسبب أسلوب التربية الذي اتبعوه ، وآخرون رأوا أن ذلك نتاج اكتساب الأبناء لسمات عدوانية من البيئة المحيطة بهم. ولدى كل فريق مبرراته وأسبابه ودوافعه المنطقية، فهناك وقائع لعقوق الأبناء بسبب ما فعله معهم الآباء في الصغر، حيث كانوا أكثر قسوة وعدوانية وغلظة في التعامل وحرمان أولادهم من الحد الأدنى من حقوقهم، وبالتالي فإن المعاملة الأبوية السيئة تجلب الجحيم مستقبلا ويواجهون الجحود في الكبر. وانتفض الرأي العام المصري ضد واقعة قيام أبناء بإلقاء والدهم في الشارع وحرمانه من المبيت في المنزل، وخرجوا وبرروا موقفهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وقالوا إن ذلك نتيجة كبت وسوء معاملة من الأب استمر سنوات طويلة، حيث كان يضربهم ويعذبهم دائما ويحرمهم من ماله. وعندما اعترف الأب بالحقيقة أكد أنه بالفعل أساء معاملة أولاده، لكنه برر موقفه بأنه كان يريد أن يصنع بداخلهم المسؤولية والاعتماد على الذات، وهي قناعة راسخة عند الكثير من الآباء الذين يسلكون مسار الحرمان بحجة أن التدليل يجعل الأبناء متواكلين. ويعتقد متخصصون في العلاقات الأسرية بالقاهرة أن المعاملة القاسية من الآباء تجاه الأبناء ميراث أسري عقيم يتم تبريره بتربيتهم على تحمل المسؤولية بذريعة أنه من رحم الشقاء يولد الرجال، لكن ذلك يأتي بنتائج عكسية بالغة الخطورة، حيث يكبر الأبناء وبداخلهم أفكار عدائية تجاه الأسرة، وبعضهم يفكر في الانتقام. هالة حماد: عقوق الوالدين مسؤولية مشتركة يتحملها الطرفان ولا تبرر خشونة التربية عقوق الأبناء، لكنها تزرع سلوكيات عدائية قد لا تفرق بين الأقارب والغرباء، طالما أنهم عُوملوا في الصغر بطريقة غير آدمية، وليس منطقيا أن يكون هؤلاء الأشخاص آدميين ورحماء تجاه من كانوا سببا في غلظة قلوبهم وقسوة تصرفاتهم وجحود قلوبهم إزاء أقرب الناس إليهم. وقالت هالة حماد الاستشارية الأسرية والمتخصصة في تقويم السلوك بالقاهرة إن “عقوق الأبناء ضد الآباء مسؤولية مشتركة يتحملها الطرفان، وهناك أسباب مرتبطة بسوء التربية وأخرى متعلقة بتساهل الأبوين مع أولادهم عند الخطأ أو عدم مراقبتهم لدوائر الأصدقاء وتحري سلوكياتهم وسماتهم الشخصية التي قد تكون منفلتة”. وأضافت لـ”العرب” أن “التصدي لعقوق الأبوين بالتشريعات القانونية مسألة معقدة، وصعبة أيضا، لأنه يصعب إثباتها، ثم أن هناك آباء رغم جحود أولادهم لن يفضلوا حبسهم، والمسألة برمتها بحاجة إلى ثورة أخلاقية وقيمية في وجود خلل أسري في التربية وعنف مجتمعي ينعكس حتما على الأفراد”. ويرى متخصصون في علم النفس أن الأبناء غالبا لا يولدون بمشاكل نفسية أو بقلوب قاسية، بل يكتسبون صفات غير إنسانية من الدوائر المحيطة كالأسرة والأصدقاء والمعارف، والتغلب على ذلك يأتي من خلال الأبوين، بحيث يحصنون أولادهم أخلاقيا ويبنون شخصياتهم بطريقة سوية وعقلانية توازن بين الصواب والعقاب. وأشارت حماد لـ”العرب” إلى أن “غض الطرف من جانب الأبوين عن السلوك العدواني للابن مقدمة لاكتسابه صفة العداء ضد الجميع ليصبح مريضا بداء الكراهية تجاه الآخرين، وعلاج هذه الحالات يكون بجرعات زائدة من الاحتواء والعاطفة والمشاعر الأبوية والعلاقة المبنية على الصداقة والوفاق”. وربطت بعض الأبحاث بين الجود العاطفي وعقوق الأبناء، لأن الجفاء الأبوي في التربية لا ينتج عنه الاحترام والبر والعاطفة بين الطرفين في المستقبل، والمعضلة الأكبر أن يتحول الأب في نظر أولاده وبناته إلى ما يشبه “الصراف الآلي” الذي تقتصر مهمته على العطاء المادي، طالما لا يقدم الحنان والرعاية والعاطفة. وينتج عن مثل هذه العلاقات الأسرية أبناء يمثل المال بالنسبة إليهم كل شيء في الحياة، ولا مانع من خسارة الأب أو الأم بسببه، ويكون الأبوان لأولادهما ليس أكثر من منتج قيمته وأهميته مرتبطتان بالعائد، وعندما تنتهي المصلحة أو تغيب القيمة المادية للأبوين لا يكون وجودهما ذا أهمية في حياة الأبناء. وقد لا يحقق سن تشريعات تستهدف وقف جحود الأبناء تجاه الآباء في مصر الغرض منه، لأنه من الصعب أن ينجح القانون في تغيير سلوكيات وثقافات، فالأساس أن تربي الأسرة أولادها على اكتساب صفات التأدب والاعتراف برد الجميل، ويكون الآباء قدوة أمام أبنائهم. والعبرة أن يؤمن أرباب الأسر بأن لكل مرحلة عمرية في حياة الأبناء معاملة خاصة؛ فالطفولة غير المراهقة ومرحلة الشباب، على مستوى التربية والتقارب النفسي والعاطفي. فجحود الأبناء لا يأتي صدفة لكن عبر تراكمات تكون الأسرة سببا فيها أو الدائرة المحيطة ما يقتضي رقابة ومتابعة دورية من الآباء قبل تحول الجحود إلى داء بلا دواء.

مشاركة :