سجَّل الروماني كوزمين كونترا، مدرب فريق الاتحاد الأول لكرة القدم الذي انتهت علاقته مع النادي الجداوي الكبير الشهر الماضي، حضوره لاعبًا في قائمة أشهر الأندية الأوروبية بدءًا من عام 1996، حيث مثَّل عملاق رومانيا دينامو بوخارست، قبل أن يلعب لميلان الإيطالي، وأتلتيكو مدريد الإسباني، كما خاض 73 مباراة مع منتخب بلاده. وبعد نحو 14 عامًا من مشواره الأوروبي لاعبًا، دخل كونترا “47 عامًا” عالم التدريب من بوابة بولتيهنيكا تيميسوارا الروماني، النادي الذي ترعرع فيه فتى طامحًا للمجد. ومرَّ “المدرب الحماسي”، الذي لا يهدأ على دكة البدلاء، في تجارب عدة بالقارة العجوز، بينها خيتافي الإسباني، ومنتخب رومانيا في 2017. كذلك اشتملت رحلته التدريبية على الشرق الآسيوي بقيادته عام 2015 فريق جوانججو الصيني، الذي ضمَّ في صفوفه المغربي عبد الرزاق حمد الله، قبل أن يأتيا إلى الاتحاد لاحقًا. كوزمين كونترا، التقته “الرياضية” في بوخارست، العاصمة الرومانية، فتحدث في حوار موسَّع عن تفاصيل كثيرة حول تدريبه الاتحاد، كاشفًا عن أسرار تجربته مع الفريق، وأسباب خسارته لقب دوري كأس محمد بن سلمان للمحترفين الذي تصدَّر أكثر جولاته حتى الأمتار الأخيرة. 01 كيف تصف تجربتك مع فريق الاتحاد الأول لكرة القدم الموسم المنتهي أخيرًا؟ كانت مفيدة للغاية من كل النواحي، ومختلفة عن غيرها، واستمتعت بها، لكن مع الأسف لم تكن النهاية سعيدة بعد خسارتنا لقب الدوري، على الرغم من تصدرنا 85 في المئة من فترات الموسم. 02 هل وجدت تفسيرًا للتراجع الكبير الذي أصاب الفريق في الجولات الأخيرة؟ التوقفات التي حدثت، جعلتنا نخوض ست مواجهات فقط خلال أربعة أشهر، وهذا ما قلب الأمور رأسًا على عقب. لقد وصلنا إلى تلك المرحلة بعد 15 مباراة دون خسارة، وفزنا في 14 مواجهة، وتعادلنا في واحدة، وكنا في أفضل حالة، لكنَّ التوقفات جعلت الفريق يعاني، وفي النهاية خسرنا البطولة. 03 هل أنت مقتنع بما قدمته مع الفريق، أم تعتقد أنه كان في الإمكان أفضل مما كان؟ بالنظر إلى كل التحديات التي واجهتنا خلال فترتنا في جدة، نعم نحن مقتنعون بالعمل الذي قدمناه مع اللاعبين. لقد واجهتنا مشكلات الإصابات، وأخرى غيرها، لكن استجابة اللاعبين كانت جيدة لكل ما طلبنا منهم فعله. نحن سعداء لأننا استطعنا أن نُحدث تحولًا كبيرًا، من فريق لم يكن مؤهلًا للتحديات والألقاب، إلى فريق يمضي إلى أقصى الحدود، بل ويريد المزيد. 04 13 عامًا دون لقب الدوري، ماذا يعني ذلك بالنسبة إلى فريق كبير مثل الاتحاد؟ بل فريقٌ كبير جدًّا. اللاعبون فهموا أنهم في حاجة إلى فعل كل شيء، وبذل كل طاقتهم للفوز في كل مباراة، وأدركوا أن عليهم القتال على كل نقطة، وعلى كل متر في الملعب. أردت أن تقودنا هذه العقلية. لدينا مشجعون رائعون، وقفوا خلفنا. إنهم في حالة حب مع هذا الفريق، وكنا نريد إسعادهم. إنهم دائمًا خلفه، وكانوا يستحقون الاحتفال باللقب بعد 13 عامًا عجافًا. حاولنا كل ما في وسعنا أن يحدث هذا، لكن مع الأسف لم نستطع. ما زلت أشعر بالأمر كأنه ضربة على بطني، لأنني لم أستطع أن أمنحهم الفرحة التي يستحقونها. 05 هل كان الفوز باللقب أحد بنود عقدك، أم هدفًا حدَّدته بنفسك؟ العقد الذي قبلته لم يكن كبيرًا من الناحية المادية، كثيرٌ من الناس ربما لا يعرفون هذا الأمر. دوافعي كانت تحقيق الفوز مع الفريق. كنت أريد ذلك بشدة. شاهدت الفريق عبر أشرطة الفيديو، ولاحظت أنه إذا غيَّرنا العقلية قليلًا، وإذا أظهرنا الرغبة أكثر في الملعب، فإن الأشياء الجيدة ستأتي. لم أكن مخطئًا في تصوري، فقد سيطرنا على الدوري فترةً طويلة، لكن ردة فعلنا في الأمتار الأخيرة لم تكن بالمستوى المطلوب، وهذا ما أزعجني جدًّا. هناك كثير من الأسباب التي أدَّت إلى خسارتنا اللقب، الكثير منها لا يتعلق بي، أو بنا، لكن هذا حال كرة القدم. عليك أن تواجه التحديات. لقد فقدنا إيقاعنا بعد فترة التوقف الطويلة، ولعبنا مباريات تجريبية عدة، لكنَّ الأمر ليس كما لو أنك تخوض مواجهات تنافسية. لم نصل إلى النهاية التي كنا نريدها. 06 هل لاحظت خلال الحصص التدريبية أن شيئًا ما قد تغيَّر مقارنةً بفترة التوقف؟ كلا. طوال حياتي المهنية لم أواجه هذا الموقف، أن تلعب ست مباريات فقط في ظرف أربعة أشهر. هناك دائمًا طريقتان في كرة القدم، اللاعبون في إمكانهم الأداء بشكل جيد في المباريات الرسمية بعد فترة توقف طويلة، أو سيخسرون النقاط. لم نكن نعلم أي ردة فعل سيكون عليها الفريق بعد تلك الفترة الطويلة من التوقف. إنه أمرٌ يجب ألَّا ألام عليه مع مساعدي. ربما كان علينا أن نأخذ في الحسبان معالجات مختلفة لتلك المباريات. لقد حلمنا بإنهاء الموسم أبطالًا. كنا نستحق أن نكون كذلك، لكن في كرة القدم، إلى جانب الأشياء التي تعتمد عليك، هنا أمور أخرى ليست لك يدٌ فيها. عليك التعلم بصفتك مدربًا أيضًا. ربما إذا واجهت مثل هذه الظروف مرةً أخرى فقد تكون معالجاتي مختلفة. 07 هل شكَّلت عودة الهلال في الجزء الثاني من الموسم ضغطًا عليكم؟ الهلال والنصر لديهما ميزانية تفوق ميزانيتنا بثلاث مرات، كما أن الهلال لديه أنصار كثر يدعمونه ماديًّا. أعتقد أن في إمكانهم عرض شراء أي لاعب في السعودية، بما في ذلك من الأندية المنافسة. لقد وقَّعوا مع اثنين من لاعبينا في الانتقالات الشتوية، يناير الماضي. لاعبان جيدان للغاية، وجاء انتقالهما بعد أن انتصف الموسم، وهو ما جعل الأمور تختلف في النهاية. هذه هي الحقيقة. لقد سيطروا على الكرة الآسيوية في الأعوام الماضية. فازوا بالدوري ودوري الأبطال. بنوا عقلية. ليس سهلًا الفوز بالدوري، أنت تحتاج إلى بناء عقلية، وهذا يستغرق وقتًا. إنهم يستطيعون التعامل مع كل المتغيّرات. 08 الهلال ترك فيك انطباعًا قويًّا، أليس كذلك؟ عندما رأى الهلال أننا نفعل الأشياء الصحيحة، تعاقدوا مع اثنين من لاعبينا، ثم بعد ذلك جلبوا أودين إيجالو من الشباب، وهو أحد أقوى الأسماء في الدوري، ثم ميشيل ديلجادو من فلامنجو البرازيلي، إضافة إلى عدد من الأسماء الأخرى المهمة. كل أولئك اللاعبين كانوا قادرين على إحداث الفرق، وهو ما حدث في النهاية. هذا هو الفرق بين الهلال والاتحاد. أرجو أن يكون عملي في الاتحاد قد أثمر عن إيجاد عقلية الفوز، وأرجو من كل قلبي أن يأخذ اللاعبون الخطوة الأخيرة لإسعاد تلك الجماهير المتعطشة للقب الدوري. 09 الاتحاد خسر مواجهتيه في الدوري أمام الهلال الموسم المنتهي أخيرًا، هل كنت ستفعل شيئًا مختلفًا إذا لعبتهما مرة أخرى؟ كان في إمكاننا الفوز في المباراتين، لا شك عندي في ذلك. في المباراة الأولى لم نستثمر ثلاث فرص سانحة للتسجيل، كما حصل الهلال على ركلة جزاء مشكوك في صحتها، وهو ما أثبتته الإعادة التلفزيونية، لكن الحكم كان له رأي آخر. الهلال جيد أمام المرمى، يسجلون ويفوزون. في المباراة الثانية حصلوا على ثلاث فرصة وسجلوها، في المقابل أضعنا ست فرص محققة. كل تلك اللحظات الحاسمة في المباراة ذهبت لمصلحتهم. كما قلت لك إنهم جيدون أمام المرمى، لكن مع ذلك، لم أشعر بالنقص أمام الهلال أو النصر أو الشباب، في أي وقت من الموسم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى اللاعبين. كنا نستحق الفوز في المواجهتين، لكن في كرة القدم، إن لم تسجل فلن تفوز. 10 هل تشعر بأن لقرارات التحكيم تأثيرًا في نتائج الموسم، وهل عانيتم من حكام مبارياتكم، خاصة وأنت أشرت إلى ركلة الجزاء المشكوك فيها أمام الهلال؟ هناك بالطبع أخطاء في كل مكان. في بعض الأحيان تكون أنت الطرف المستفيد، وأحيانًا لا. لست من النوع الذي يبحث عن الأعذار، أفضِّل أن أركز على ما أحتاج إليه لأؤدي جيدًا بدلًا من التفكير في أخطاء الحكام. هذا هو أسلوبي. نحن بوصفنا مدربين، نحتاج إلى أن نفعل الأشياء بشكل صحيح، واللاعبون عليهم أيضًا أن يكونوا كذلك. 11 أسلوبك الحماسي على الخط كان مثار نقاش، كيف ترى ذلك؟ لا أهتم بما يقوله الناس عن طريقتي في التفاعل مع المباريات. إنه أسلوبي لبعث الطاقة والحماس في نفوس اللاعبين. إنها طريقتي لإظهار ما أريده منهم. عندما كنت أدرب في أوروبا تحدثوا عن ذلك كثيرًا، لكني أنا كما أنا، أعيش أجواء المباريات بأعلى درجة من التفاعل. لا أجلس دون حراك، لم أكن هادئًا أبدًا على دكة البدلاء، لا أحب أن أجلس مكتوف اليدين دون أن أساعد لاعبي. أنا أؤمن بأن هذه الطريقة مفيدة، ربما ليس دائمًا، لكن في كثير من الأوقات ينجح الأمر. اللاعبون يرونني على خط الملعب، فيشعرون بطاقتي، يسمعون تعليقاتي الإيجابية، وهذا يجذب انتباههم أكثر، ويجعلهم أحيانًا أفضل. لن أتغيَّر لأن بعضهم ينظر إلى كرة القدم بخلاف ما أراه. 12 هل سمعت تعليقات سلبية بعد الواقعة التي حدثت بينك وبين حمدان الشمراني؟ إطلاقًا، فعلت ما شعرت بضرورة فعله. أنا دائمًا إلى جانب لاعبي. أشجعهم، وأتحدث إليهم، وأحاول أن أوصل لهم طاقتي. أحب أن أكون هكذا. لست مهتمًا بما يقوله الناس، لأنهم لا يعلمون ما يحدث داخل الفريق، لا يعلمون ماهية العلاقة بيني وبين اللاعبين، لا يعلمون ما أطلبه منهم. أيضًا لا يعرفون في الغالب شخصيات اللاعبين. المدرب يحتاج إلى العمل معهم يوميًّا، يتفقدهم ليعلمهم. هناك لاعبون يحتاجون إلى مثل هذه اللحظات، ولاعبون يؤدون بشكل جيد، ولا يحتاجون إلى تحفيز. من السهل أن تفتي، ويكون لك رأي عندما تكون خارج المشهد. بعد أن تخسر المعركة الكثيرون يعرفون كيف كان يمكن أن تكسبها، أليس كذلك؟ عندما أشعر بضرورة أن أفعل شيئًا ما فأنا أفعله. 13 في أواخر ديسمبر الماضي، وقَّع الاتحاد مع المغربي عبد الرزاق حمد الله قادمًا من النصر، هل كان اختياره من قِبل إدارة النادي أم كان خيارك أنت، وهل كانت لديك مشكلات مع اللاعب عندما كنت تدربه في الصين عام 2015؟ كان هناك اقتراح بالتوقيع مع حمد الله. إنه لاعب استثنائي في الدوري السعودي، سجل الكثير من الأهداف. لقد أعطيت الضوء الأخضر للمضي قدمًا في العملية، خاصةً أننا كنا نعاني هجوميًّا في الجولات الأخيرة، وبعض اللاعبين كانوا مصابين، وبعضهم الآخر كان موقوفًا. 14 بعض مشجعي الاتحاد يعتقدون أن حامد البلوي، المدير التنفيذي للنادي، هو سبب خسارة لقب الدوري لتدخله في عملك، ماذا تقول؟ كلا. لم أشعر بأن وجوده كان ذا تأثير سلبي. كان قريبًا منا مع مشعل السعيد. الرئيس وكعكي كانا أيضًا قريبين منا. علاقتنا كانت مبنية على الاحترام المتبادل. 15 هل كان هناك تناغم بينك وبين مجلس الإدارة؟ إدارة النادي فعلت كل ما في وسعها لمساعدة الفريق على الفوز باللقب. لم أشعر في أي وقت من الأوقات بأنهم لم يكونوا على قلب رجل واحد. ربما في بعض الأوقات كان يمكن أن تدار الأمور بطريقة مختلفة. ولا أستثني نفسي بالطبع من كل هذا، لكنني متأكد من أننا تعلمنا الكثير من هذه التجربة. 16 كيف تقبَّلت قرار استبعادك من تدريب الفريق؟ عقدنا اجتماعًا قبل الجولة الأخيرة للدوري، واتفقنا على المضي قدمًا معًا. قابلت الرئيس ونائبه، اللذين أكدا لي استمراري. مع الأسف بعد المباراة الأخيرة قرَّرا عكس ما اتفقنا عليه. لم يخبرني أحد بشيء. الأمر خارج عن إرادتي، لكن مثل هذه الأشياء تحدث في كرة القدم. كنت أحب أن أبقى. كنت متأكدًا من أننا سنحرز لقب الدوري. الإدارة قررت شيئًا مختلفًا وعليَّ أن أتقَّبله، على الرغم من اقتناعي بأن التعامل معي لم يكن جيدًا. عليَّ أن أتعلم من هذه التجربة. 17 هل تواصلت إدارة النادي معك بعد أن استقرَّت على تعيين البرتغالي نونو سانتو مدربًا للفريق؟ لم يحدث ذلك. اتصلوا بمترجمي، وطلبوا منه إبلاغي شكرهم على عملي، وأنهم قرروا اختيار مدرب آخر. كان هذا بعد تعيين سانتو، وكان هذا هو الاتصال الوحيد الذي تلقيته. للأمانة لقد آلمني الأمر كثيرًا. الرئيس يتحدث الإنجليزية وكذلك كعكي. توقعت مكالمة منهما على الأقل لإبلاغي بالقرار، وليس عن طريق مترجمي. شعرت بالخيبة من حقيقة أنه جرى تعيين مدرب آخر، كان لدينا اتفاق، ومن وجهة نظري لا يمكن أن يتملَّصا منه بهذه الطريقة. عمومًا أشكر النادي على إتاحته الفرصة لي، وأتمنى كل التوفيق لسانتو في مهمته، وأن يتوّج عمله بلقب الدوري. 18 هل يمكن أن تعود للتدريب مرة أخرى في السعودية؟ نعم، ولِمَ لا، بعد هذه التجربة شعرت بأني أكثر جاهزية من كل النواحي لخوض تحدٍّ جديد.
مشاركة :