بين الصين وروسيا.. شراكة ومصالح متبادلة

  • 7/12/2022
  • 01:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

بقلم‭: ‬رينو‭ ‬جيرار   في‭ ‬يوم‭ ‬15‭ ‬يونيو‭ ‬2022،‭ ‬أجرى‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬ونظيره‭ ‬الصيني‭ ‬شي‭ ‬جين‭ ‬بينغ‭ ‬محادثة‭ ‬هاتفية‭ ‬طويلة‭. ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نستفيض‭ ‬في‭ ‬تحليل‭ ‬ما‭ ‬قالاه‭ ‬لبعضهما‭ ‬البعض‭. ‬فبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الموضوعات‭ ‬التي‭ ‬تجنبا‭ ‬الخوض‭ ‬فيها،‭ ‬فإن‭ ‬تلك‭ ‬المكالمة‭ ‬تخبرنا‭ ‬عن‭ ‬طبيعة‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬العملاقين‭ ‬الآسيويين‭ - ‬العدوين‭ ‬اللدودين‭ ‬قبل‭ ‬خمسين‭ ‬عامًا‭ ‬والصديقين‭ ‬الكبيرين‭ ‬اليوم‭.‬ وبحسب‭ ‬البيان‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬وكالة‭ ‬أنباء‭ ‬الصين‭ ‬الجديدة‭ (‬شينخوا‭)‬،‭ ‬فقد‭ ‬رحب‭ ‬الزعيمان‭ ‬بالتقدم‭ ‬المستمر‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬السياسية‭ ‬والتجارية‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬العام،‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬دولية‭ ‬وصفت‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬مضطربة‮»‬‭. ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬‮«‬الاضطراب‮»‬‭ ‬على‭ ‬الكوكب‭ ‬قد‭ ‬نزل‭ ‬من‭ ‬السماء‭ ‬مثل‭ ‬سحابة‭ ‬على‭ ‬العبرانيين‭ ‬في‭ ‬الصحراء،‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬ذكر‭ ‬الغزو‭ ‬الروسي‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬في‭ ‬24‭ ‬فبراير‭ ‬2022‭.‬ لا‭ ‬يمكن‭ ‬إنكار‭ ‬أن‭ ‬العلاقات‭ ‬التجارية‭ ‬الروسية‭ ‬الصينية‭ ‬قد‭ ‬تقدمت‭. ‬ففي‭ ‬غضون‭ ‬عام‭ ‬واحد،‭ ‬زادت‭ ‬واردات‭ ‬الصين‭ ‬من‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬الروسي‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬55‭%‬‭. ‬في‭ ‬بداية‭ ‬يونيو‭ ‬2022‭ ‬تم‭ ‬افتتاح‭ ‬أول‭ ‬جسر‭ ‬على‭ ‬الطريق‭ ‬السريع‭ ‬بين‭ ‬الأراضي‭ ‬الصينية‭ ‬والروسية‭. ‬يبلغ‭ ‬طول‭ ‬هذا‭ ‬الجسر‭ ‬1300‭ ‬متر‭ ‬وعرضه‭ ‬15‭ ‬مترًا،‭ ‬ويمتد‭ ‬على‭ ‬نهر‭ ‬أمور‭ ‬ويربط‭ ‬بين‭ ‬مدينتي‭ ‬هيهي‭ ‬وبلاغوفيشتشينسك‭.‬ حلت‭ ‬الصين‭ ‬محل‭ ‬أوروبا‭ ‬باعتبارها‭ ‬المورد‭ ‬الرئيسي‭ ‬للسلع‭ ‬المصنعة‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭. ‬في‭ ‬عام‭ ‬1969،‭ ‬قتلت‭ ‬حوادث‭ ‬حدودية‭ ‬بين‭ ‬الصينيين‭ ‬والروس‭ ‬المئات‭. ‬أما‭ ‬اليوم‭ ‬فإن‭ ‬الدولتين‭ ‬تكثفان‭ ‬من‭ ‬المناورات‭ ‬العسكرية‭ ‬المشتركة‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬البحر،‭ ‬لتذكير‭ ‬الأمريكيين‭ ‬بأنهم‭ ‬لن‭ ‬يكونوا‭ ‬أسياد‭ ‬المحيط‭ ‬الهادئ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬جدًا‭.‬ تتفق‭ ‬القوتان‭ ‬العسكريتان‭ ‬العظمتان‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬آسيا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الأمريكيين‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬دخلاء‭ ‬غير‭ ‬مرحب‭ ‬بهم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬العالم‭. ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬الروس‭ ‬والصينيون‭ ‬بأي‭ ‬تدخل‭ ‬للغرب‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬شؤونهم‭ ‬الداخلية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التذرع‭ ‬باهتمامهم‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭. ‬لذلك‭ ‬فقد‭ ‬قررت‭ ‬سلطات‭ ‬موسكو‭ ‬وبيكين‭ ‬مساعدة‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬سيادتهما‭ ‬وأمنهما‭.‬ لم‭ ‬تقم‭ ‬الصين‭ ‬بإدانة‭ ‬التدخل‭ ‬العسكري‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬في‭ ‬الجلسات‭ ‬التي‭ ‬عقدت‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬التابع‭ ‬لمنظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭. ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المحادثة‭ ‬الهاتفية،‭ ‬كرر‭ ‬الرئيس‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬بأن‭ ‬روسيا‭ ‬ستعارض‭ ‬أي‭ ‬تدخل‭ ‬خارجي‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬الصينية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬شينجيانغ‭ ‬وهونغ‭ ‬كونغ‭ ‬وتايوان،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬التوافق‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الروسي‭ ‬الصيني‭ ‬ضد‭ ‬المطالبات‭ ‬الغربية‭ ‬بتنظيم‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬القوتين‭ ‬لديهما‭ ‬نفس‭ ‬الأجندات‭. ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬تختلف‭ ‬أهدافهما‭ ‬وجداولهما‭ ‬الزمنية‭.‬ لقد‭ ‬قرر‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬اللعب‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل،‭ ‬لأنه‭ ‬يعتبر‭ ‬أن‭ ‬الغربيين‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬مقاومة‭ ‬القيود‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل‭. ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬مستعد‭ ‬لقطع‭ ‬‮«‬عمليته‭ ‬العسكرية‭ ‬الخاصة‮»‬‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭.‬ أما‭ ‬في‭ ‬إقليم‭ ‬دونباس‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬يتقدم‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي‭ ‬ببطء‭ ‬ولكن‭ ‬بثبات‭. ‬بحلول‭ ‬نهاية‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬من‭ ‬المحتمل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي‭ ‬قد‭ ‬غزا‭ ‬جميع‭ ‬الأوبلاستات‭ (‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬المقاطعات‭ ‬الفرنسية‭ ‬الكبيرة‭ ‬جدًا‭) ‬لوهانسك‭ ‬ودونيتسك‭.‬ يذكر‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬قد‭ ‬اعترف‭ ‬باستقلال‭ ‬هذه‭ ‬الجمهوريات‭ ‬الانفصالية‭ ‬الناطقة‭ ‬بالروسية‭ ‬قبل‭ ‬يومين‭ ‬من‭ ‬بدء‭ ‬غزوه‭ ‬لأوكرانيا‭. ‬من‭ ‬المحتمل‭ ‬أن‭ ‬تطلب‭ ‬هاتان‭ ‬الجمهوريتان،‭ ‬بعد‭ ‬الاستفتاء،‭ ‬ارتباطهما‭ ‬بروسيا،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬شبه‭ ‬جزيرة‭ ‬القرم‭. ‬ عندها‭ ‬سيكون‭ ‬لدى‭ ‬بوتين‭ ‬رواية‭ ‬لشعبه‭: ‬‮«‬لقد‭ ‬أعدت‭ ‬إلى‭ ‬حضن‭ ‬الوطن‭ ‬الأم‭ ‬أشقاءنا‭ ‬الروس‭ ‬ولو‭ ‬لم‭ ‬أفعل‭ ‬ذلك‭ ‬لكانوا‭ ‬قد‭ ‬لقوا‭ ‬حتفهم‭ ‬تحت‭ ‬نير‭ ‬النازيين‭ ‬الأوكرانيين‮»‬‭. ‬كذلك‭ ‬سيعمل‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين‭ ‬بتشديد‭ ‬قبضته‭ ‬الكبيرة‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تجلى‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬خيرسون،‭ ‬على‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬لنهر‭ ‬دنيبر،‭ ‬والتي‭ ‬تتحكم،‭ ‬عبر‭ ‬قناة،‭ ‬في‭ ‬ري‭ ‬الأراضي‭ ‬الزراعية‭ ‬في‭ ‬شبه‭ ‬جزيرة‭ ‬القرم،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬محطة‭ ‬الطاقة‭ ‬النووية‭ ‬الضخمة‭ ‬زابوريزهيا،‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬ستة‭ ‬مفاعلات‭ ‬بقدرة‭ ‬1000‭ ‬ميغاواط‭.‬ لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين‭ ‬سينتظر‭ ‬حتى‭ ‬يمل‭ ‬الأوكرانيون‭ ‬من‭ ‬القتال‭ ‬ويسأم‭ ‬الغربيون‭ ‬من‭ ‬مساعدتهم‭ ‬على‭ ‬طرح‭ ‬مقترحات‭ ‬سلام‭. ‬هل‭ ‬ينوي‭ ‬مهاجمة‭ ‬أوديسا‭ ‬لحرمان‭ ‬أوكرانيا‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬البحر‭ ‬الأسود؟‭ ‬لسوء‭ ‬الحظ،‭ ‬هذه‭ ‬فرضية‭ ‬يجب‭ ‬أخذها‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭.‬ يمكن‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬المقاومة‭ ‬التي‭ ‬أبداها‭ ‬الشعب‭ ‬الأوكراني‭ ‬تعتبر‭ ‬مثالا‭ ‬سيئا‭ ‬للتايوانيين‭. ‬ربما‭ ‬يود‭ ‬الرئيس‭ ‬الصيني‭ ‬تشي‭ ‬بنج‭ ‬أن‭ ‬ننسى‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬المؤسفة‭ ‬التي‭ ‬بدأها‭ ‬حليف،‭ ‬لكن‭ ‬روسيا‭ ‬تتصرف‭ ‬بشراسة‭ ‬مثلما‭ ‬فعلت‭ ‬اليابان‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1937‭.‬ أخيرًا،‭ ‬يخشى‭ ‬الرئيس‭ ‬الصيني،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يخشى‭ ‬الغربيون،‭ ‬تفاقم‭ ‬التباطؤ‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الناجم‭ ‬عن‭ ‬الحرب‭. ‬ولكي‭ ‬تستمر‭ ‬المصانع‭ ‬الصينية‭ ‬في‭ ‬العمل،‭ ‬تحتاج‭ ‬بكين‭ ‬إلى‭ ‬استقرار‭ ‬معدلات‭ ‬الاستهلاك‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭. ‬أما‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬فهي‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الرئيسين‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬وتشي‭ ‬بينج‭ ‬اللذين‭ ‬تراودهما‭ ‬أحلام‭ ‬مختلفة‮»‬‭. ‬ لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الوضعية‭ ‬التي‭ ‬يواجهها‭ ‬الغرب‭ ‬بالغة‭ ‬التعقيد،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬فشل‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬بقيادة‭ ‬إدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬في‭ ‬إيجاد‭ ‬طريقة‭ ‬لإفساد‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭.‬     لوفيجارو

مشاركة :