بقلم: رينو جيرار في يوم 15 يونيو 2022، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جين بينغ محادثة هاتفية طويلة. يمكن أن نستفيض في تحليل ما قالاه لبعضهما البعض. فبالإضافة إلى الموضوعات التي تجنبا الخوض فيها، فإن تلك المكالمة تخبرنا عن طبيعة العلاقات بين العملاقين الآسيويين - العدوين اللدودين قبل خمسين عامًا والصديقين الكبيرين اليوم. وبحسب البيان الصادر عن وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا)، فقد رحب الزعيمان بالتقدم المستمر في العلاقات السياسية والتجارية بين روسيا والصين منذ بداية العام، في بيئة دولية وصفت بأنها «مضطربة». يبدو أن هذا «الاضطراب» على الكوكب قد نزل من السماء مثل سحابة على العبرانيين في الصحراء، لأنه لم يتم ذكر الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير 2022. لا يمكن إنكار أن العلاقات التجارية الروسية الصينية قد تقدمت. ففي غضون عام واحد، زادت واردات الصين من النفط والغاز الروسي بأكثر من 55%. في بداية يونيو 2022 تم افتتاح أول جسر على الطريق السريع بين الأراضي الصينية والروسية. يبلغ طول هذا الجسر 1300 متر وعرضه 15 مترًا، ويمتد على نهر أمور ويربط بين مدينتي هيهي وبلاغوفيشتشينسك. حلت الصين محل أوروبا باعتبارها المورد الرئيسي للسلع المصنعة إلى روسيا. في عام 1969، قتلت حوادث حدودية بين الصينيين والروس المئات. أما اليوم فإن الدولتين تكثفان من المناورات العسكرية المشتركة على الأرض، ولكن أيضًا في البحر، لتذكير الأمريكيين بأنهم لن يكونوا أسياد المحيط الهادئ فترة طويلة جدًا. تتفق القوتان العسكريتان العظمتان في شمال آسيا على أن الأمريكيين هم في الأساس دخلاء غير مرحب بهم في هذه المنطقة من العالم. لا يقبل الروس والصينيون بأي تدخل للغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في شؤونهم الداخلية من خلال التذرع باهتمامهم بحقوق الإنسان. لذلك فقد قررت سلطات موسكو وبيكين مساعدة بعضهم البعض للدفاع عن سيادتهما وأمنهما. لم تقم الصين بإدانة التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا في الجلسات التي عقدت في مجلس الأمن الدولي التابع لمنظمة الأمم المتحدة. في تلك المحادثة الهاتفية، كرر الرئيس فلاديمير بوتين بأن روسيا ستعارض أي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية الصينية، بما في ذلك في شينجيانغ وهونغ كونغ وتايوان، لكن هذا التوافق الاستراتيجي الروسي الصيني ضد المطالبات الغربية بتنظيم العلاقات الدولية لا يعني أن القوتين لديهما نفس الأجندات. في الواقع، تختلف أهدافهما وجداولهما الزمنية. لقد قرر فلاديمير بوتين اللعب على المدى الطويل، لأنه يعتبر أن الغربيين لا يستطيعون مقاومة القيود على المدى الطويل. لا يبدو أنه مستعد لقطع «عمليته العسكرية الخاصة» في أوكرانيا. أما في إقليم دونباس في شرق أوكرانيا، يتقدم الجيش الروسي ببطء ولكن بثبات. بحلول نهاية عام 2022، من المحتمل أن يكون الجيش الروسي قد غزا جميع الأوبلاستات (ما يعادل المقاطعات الفرنسية الكبيرة جدًا) لوهانسك ودونيتسك. يذكر أن الرئيس فلاديمير بوتين قد اعترف باستقلال هذه الجمهوريات الانفصالية الناطقة بالروسية قبل يومين من بدء غزوه لأوكرانيا. من المحتمل أن تطلب هاتان الجمهوريتان، بعد الاستفتاء، ارتباطهما بروسيا، على غرار شبه جزيرة القرم. عندها سيكون لدى بوتين رواية لشعبه: «لقد أعدت إلى حضن الوطن الأم أشقاءنا الروس ولو لم أفعل ذلك لكانوا قد لقوا حتفهم تحت نير النازيين الأوكرانيين». كذلك سيعمل الرئيس بوتين بتشديد قبضته الكبيرة وهو ما تجلى في مدينة خيرسون، على الضفة الغربية لنهر دنيبر، والتي تتحكم، عبر قناة، في ري الأراضي الزراعية في شبه جزيرة القرم، بالإضافة إلى محطة الطاقة النووية الضخمة زابوريزهيا، التي تضم ستة مفاعلات بقدرة 1000 ميغاواط. لا شك أن الرئيس بوتين سينتظر حتى يمل الأوكرانيون من القتال ويسأم الغربيون من مساعدتهم على طرح مقترحات سلام. هل ينوي مهاجمة أوديسا لحرمان أوكرانيا من الوصول إلى البحر الأسود؟ لسوء الحظ، هذه فرضية يجب أخذها في الاعتبار. يمكن القول بأن المقاومة التي أبداها الشعب الأوكراني تعتبر مثالا سيئا للتايوانيين. ربما يود الرئيس الصيني تشي بنج أن ننسى هذه الحرب المؤسفة التي بدأها حليف، لكن روسيا تتصرف بشراسة مثلما فعلت اليابان في عام 1937. أخيرًا، يخشى الرئيس الصيني، بقدر ما يخشى الغربيون، تفاقم التباطؤ الاقتصادي الناجم عن الحرب. ولكي تستمر المصانع الصينية في العمل، تحتاج بكين إلى استقرار معدلات الاستهلاك في الدول الغربية. أما الولايات المتحدة الأمريكية فهي تنظر إلى كل من الرئيسين فلاديمير بوتين وتشي بينج اللذين تراودهما أحلام مختلفة». لا شك أن هذه الوضعية التي يواجهها الغرب بالغة التعقيد، وهو ما يفسر فشل الدول الغربية بقيادة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في إيجاد طريقة لإفساد العلاقة بين روسيا والصين. لوفيجارو
مشاركة :