مع بدء عمليات الصيانة السنوية لخط نورد ستريم1 تسود حالة من عدم اليقين حيال عودة تدفق الغاز الروسي مجددا إلى البلاد. توقف الغاز الروسي سيكون له تداعيات اقتصادية واجتماعية كارثية على ألمانيا، لاسيما خلال فصل الشتاء القارس. يساور الكثير من الألمان القلق حيال استمرار أزمة الغاز حتى فصل الشتاء لا حديث بين الألمان في الوقت الراهن سوى عن الغاز مع تفاقم أزمة الطاقة التي أدت إلى زيادة الإيجارات السكنية بسبب ارتفاع تكاليف التدفئة، إذ أعلنت إحدى شركات الإسكان في العاصمة برلين عن زيادة بنسبة مئة في المئة في أسعار التدفئة بالنسبة للشقق التي يتم تدفئتها بالغاز أو الزيت. وزاد ذلك من قلق المستأجرين أن لا أحد يعرف إذا كانت هذه الزيادة ستكون نهائية أم سيعقبها زيادات أخرى. وخلصت جمعية GdW التي تمثل ثلاث ألاف شركة إسكان، إلى أن كل أسرة ستضطر إلى تخصيص ميزانية إضافية تصل إلى 3800 يورو لسداد فواتير الطاقة خلال العام المقبل. اضطرابات اجتماعية محتملة وفي ذلك، حذرت جمعية إسكان في ولاية ساكسونيا من أن هذا الأمر يمثل مشكلة كبيرة للمواطنين ذوي الدخل المنخفض أو المتوسط، مضيفة "نتحدث عن سبل عيش العائلات، لذا يتعين على السياسيين إدراك مغبة ذلك قبل فوات الأوان". ولا يثقل ارتفاع فواتير الطاقة كاهل الأسر الألمانية فحسب وإنما أيضا ارتفاع معدلات التضخم التي يؤثر على كافة مناحي الحياة. وقد خرج المستشار الألماني أولاف شولتس ليؤكد أن لا دولة في العالم بمقدورها تحمل الزيادة الوشيكة في التكاليف، مؤكدا على صعوبة "دعم كافة الأسعار" فيما حث وزير الاقتصاد روبرت هابيك المواطنين على ترشيد الطاقة خلال الأسابيع القليلة الماضية. حذر وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك من انخفاض احتياطيات البلاد من الغاز وتخطط شركة العقارات السكنية الألمانية "فونوفيا" – التي تعد الأكبر في البلاد - خفض المعدل الافتراضي لدرجة الحرارة في المباني التي يتم تدفئتها عن طريق الغاز إلى 17 درجة مئوية أثناء الليل. وأضافت الشركة أن من شأن هذا الإجراء أن يقلل الاستهلاك بنسبة 8٪ فيما سيُجرى تدفئة في أوقات النهار كالمعتاد مع عدم تأثير إمدادات المياه الساخنة وعدم فرض أي قيود على الاستحمام. أما في بلدة ديبولدسفالد الصغيرة في ولاية سكسونيا، فإن الوضع يحمل بعض التغيرات إذ أبلغت جمعية إسكان المستأجرين بأن المياه الساخنة ستكون متوفرة في الصباح الباكر وفي منتصف النهار وفي المساء. وقالت الجمعية "يتعين علينا ادخار (الطاقة) من الآن لقدوم فصل الشتاء". وقد أثارت مثل هذه الدعوات نقاشا ساخنا على منصات التواصل الاجتماعي ما دفع وزيرة البناء في الحكومة الاتحادية الألمانية كلارا غيويتز إلى وصف هذه القيود بأنها غير قانونية. وقد ذكرت جمعية المستأجرين الألمانية أن نقص الماء الساخن يعد سببا لخفض القيمة الإيجارية فيما أظهر المستأجرين نوعا من التفهم، وفقا لما أشار إليه أحد أعضاء مجلس إدارة إحدى جميعات الإسكان. وأضاف "أنا سعيد ببدء مثل هذا النقاش حتى لو كانت الشركة تتعرض في الوقت الحالي لهجوم عبر الإنترنت. خطوات الأفراد تسبق خطوات السياسيين في برلين". هل يعود تدفق الغاز عبر نورد ستريم؟ وقد بدأت ملامح أزمة الطاقة تظهر جليا داخل المؤسسات الحكومية إذ جرى وقف تشغيل أجهزة التكييف داخل وزارة الاقتصاد قبل أسابيع فيما سيتم تشغيل أجهزة التدفئة بمعدل أقل في الخريف فيما حث الوزير كافة الوزارات والمؤسسات الحكومية الأخرى على القيام بالأمر ذلك على مستوى البلاد. الجدير بالذكر أن الفترة السابقة شهدت تقليل اعتماد برلين على الغاز الروسي الذي يتدفق معظمه عبر خط أنابيب "نورد ستريم" الذي ينقل الغاز الروسي إلى ألمانيا مباشرة عبر بحر البلطيق حيث ذكرت وزارة الاقتصاد إن الاعتماد على الغاز الروسي أنخفاض من 55 في المئة العام الماضي إلى 35 في المئة في الوقت الحالي. توقف خط أنابيب "نورد ستريم 1" لأعمال الصيانة وخفضت روسيا تدفق الغاز بشكل كبير بسبب "توربين مفقود" قامت شركة سيمنز الألمانية بإصلاحه في كندا فيما تأخر إرساله لأسابيع بسبب العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، لكن كندا قالت إنها أعادته نهاية الأسبوع. وشهد اليوم الإثنين توقف خط "نورد ستريم" بالكامل لإجراء أعمال الصيانة وسط تساؤلات هل ستعيد روسيا تشغيل الخط بعد إنتهاء أعمال الصيانة التي قد تستمر من عشرة إلى 14 يوما؟ من جانبها، قالت روسيا إنه إذا وصل التوربين بعد إصلاحه، فإنها "ستسمح بزيادة في تدفقات الغار" فيما أصر الكرملين على أن موسكو لا تستخدم إمدادات الغاز كوسيلة لممارسة ضغوط سياسية على ألمانيا. شتاء بارد بلا غاز تدفئة؟ وتخشى الحكومة الألمانية من استمرار إغلاق "نورد ستريم" فيما يأمل سكان العاصمة برلين في تحسن الوضع، لكنهم في الوقت نفسه يتأهبون للسيناريو الأسوأ. وقد صدرت قوانين من أجل التخفيف من أي تداعيات على نقص الغاز وما سينجم عنه من ارتفاع في أسعار الطاقة. وينص "قانون أمن الطاقة" على أنه سيجرى استخدام المزيد من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم لتوليد الكهرباء بدلا من المحطات التي تعمل بالغاز من أجل استخدام الغاز لأغراض تدفئة المنازل رغم اتخاذ قرارات قبل الحرب بخفض الاعتماد على الفحم للحفاظ على البيئة. وستمهد التشريعات الجديدة الطريق أمام حصول شركات الطاقة المتضررة على مساعدات من الحكومة الفيدرالية حيث تواجه هذه الشركات نقصا في إمدادات الغاز من روسيا. فعلى سبيل المثال انخفضت إمدادات الغاز المتفق على وصوله من شركة "غازبروم" الروسية إلى شركة "يونبير" الألمانية للطاقة بنسبة 40 بالمائة منذ منتصف يونيو/ حزيران. وقد دفع هذا الأمر شركة "يونبير" التي تعد أكثر الشركات الألمانية اعتمادا على الغاز الروسي، إلى البحث عن مصادر أخرى لإمدادات الغاز بأسعار مرتفعة لتعويض الواردات الروسية. وعلى وقع ذلك، انزلقت الشركة صوب وضع مالي غير مستقر ما دفعها لتقديم طلب إلى الحكومة لإنقاذها وسط حديث عن قرب حصولها على مساعدات تقدر بـ 9 مليارات يورو على غرار الدعم المالي الذي حصلت عليه شركة "لوفتهانزا" من الحكومة لتعويض الخسائر التي تكبدها إبان ذروة جائحة كورونا. بعد تراجع إمدادات الغاز الروسي بشكل كبير طلبت شركة يونيبر العملاقة من الحكومة الألمانية إنقاذها شبح أزمة مالية حادة؟ ولا يتوقف الأمر على شركة "يونبير" إذ يلحق بها العديد من الشركات المتعثرة يوما بعد يوم. وقد دفع هذا الأمر فريدريش ميرتس ، زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي الألماني المعارض، إلى التحذير من أن ألمانيا "تتجه إلى أسوا أزمة اقتصادية منذ قيام الجمهورية الألمانية الاتحادية". وقال إن ألمانيا تشهد ارتفاعا في معدل تضخم يعد الأضخم منذ 30 عاما وسط حديث عن اختلال في الميزان التجاري للبلاد لأول مرة منذ عقود ناجم عن زيادة معدل الاستيراد. وشدد على أن الشركات الألمانية باتت مهددة بفقدان قدرتها على التنافس في الأسواق العالمية. يشار إلى أن دارسة نُشرت في نهاية يونيو / حزيران عن معهد الأبحاث الاقتصادية "بروغنوس" ذكرت أنه في حالة توقف إمدادات الغاز الروسية بشكل كامل فسوف تجد ألمانيا نفسها مضطرة إلى البحث عن مصادر أخرى لتعويض الغاز الروسي من بلدان أخرى والاعتماد على مخزونها من الغاز. لكن الدراسة قالت إنه في غضون أربعة أسابيع، لن تكون هناك كميات من الغاز تكفي الجميع فيما يُرجح أن تتأثر حركة الإنتاج إذ نصت القوانين الجديدة على استمرار تزويد المنازل والمراكز الاجتماعية وشركات التدفئة بالغاز. ومن شأن أن يؤثر على قطاعات صناعية حيوية مثل الحديد والصلب والصناعات الكيميائية إذ يُتوقع أن ينخفض الإنتاج بنحو 50٪ فيما قدرت الدراسة انخفاض الناتج الاقتصادي في ألمانيا بنسبة 12.7٪ بحلول نهاية العام في توقف الغاز الروسي بشكل كامل. سابينه كينكارتز / م.ع
مشاركة :