إجازة العيد كانت فرصة مناسبة للقيام ببعض الأمور المؤجلة، من بينها قراءة الكتب، وبشكل خاص، إعادة قراءة كتاب «أب غني وأب فقير» للكاتب الأمريكي روبرت كيوساكي بالاشتراك مع شارون إل.ليتشر، وموضوع الكتاب التأكيد على أهمية الاستقلال المالي وبناء الثروة عن طريق شرح العديد من الوسائل كالاستثمار وامتلاك الأصول والاستثمار فيها، والبدء بمشروع تجاري، إضافة إلى كيفية تنمية الذكاء المالي لتحسين الأداء المالي والتجاري. والدافع خلف إعادة قراءة هذا الكتاب تحديدًا هو الحرص على تكوين فهم وتقييم أعمق لما يجري في العالم حاليًا من تبدلات جيوسياسية عنيفة يمثل الاقتصاد والمال والرفاهية إحدى نتائجها أو ضحاياها، واتخاذ الاحتياطات اللازمة لمواجهتها، واستثمارها، أو الحد من آثارها السلبية؛ لأن «التاريخ يعيد نفسه» على خشبة مسرح الحياة ذاتها لكن بصيغ مختلفة. يدور كتاب «أب غني وأب فقير» حول فكرة أساسية مفادها أن تحصيل المال مرتبط بقدرة العقل على التعلّم، ومن ثم شجاعته بإدارة المخاطر والدخول في تلك المجالات مُتجِهًا نحو بناء الاستثمارات وتأسيس الشركات وتوظيف الآخرين، ويقدم الكتاب تعريفًا عمليًا للثروة على أنها «عدد الأيام التي سيكفيك فيها العائد الذي يأتيك من الأصول التي تمتلكها وأن الاستقلال المالي يتحقق عندما يتخطى هذا العائد الشهري نفقاتك الشهرية أي يكفيها ويزيد». من أين جاء عنوان الكتاب؟ الكاتب، السيد كيوساكي، يروي في كتابه قصة طفولته، الموزعة بين نصائح أبيه الأستاذ الجامعي والذي يرمز له في الكتاب بلقب الأب الفقير، وبين نصائح والد صديقه مايك، رجل الأعمال العصامي والذي يرمز له في الكتاب بلقب الأب الغني. يسرد الكتاب طفولة الكاتب وهو يتعلم كيف يحصل على المال ويكتسبه، مع مقارنة دائمة ما بين وضعي والده الأكاديمي الجامعي، ووالد صديقه العملي التجاري. يؤكد الكاتب أن كسب المال من الوظيفة لوحدها لن يحقق الحريّة الماليّة ولا الثراء، بل تتحقّق عن طريق السعي الدؤوب - بالمعرفة والممارسة - لخلق مصادر دخل متعددة، لذلك يقدم الكتاب إجابات شافية للباحثين عن الثراء والحرية المالية، والذين ملّوا من وظائفهم الروتينية والمهام التي يثقلهم بها رؤساؤهم، والذين يصارعون لتحقيق توازن بين الزيادة التي يرونها طفيفة في رواتبهم مقابل القفزات التي تطرأ على نفقاتهم، والذين يعتقدون أنهم يستحقون أكثر بكثير مما يحصلون عليه حاليًا من دخل مالي واحترام. ويرى أن السبب الأساسي في معاناة الناس ماليًا هو أنّهم يُنفقون أعمارهم في الدراسة، ولكن دون أن يتعلموا شيئًا عن المال، والنتيجة هي أنهم يتعلمون العمل مقابل المال، لكنهم لا يتعلمون أبدًا كيف يُسخِّرون المال في العمل لصالحهم، تتمثل فكرة كتاب الأب الغني والأب الفقير الرئيسية في أن الأب الفقير يبتعد عن طرق جني المال مُتعللًا أنه ليس بوسعه القيام بذلك، ومن ثمّ يركن إلى الوظيفة ذات المعاش الثابت متخذًا منها أمانًا ضد مخاوف الفقر والعوز، بينما يسعى الأب الغنيّ إلى تعلّم ما يجهل من طرق كسب المال وتنميته. هنا، نتأكد مرة أخرى أن مشكلة الطبقة الوسطى أنهم يتعلمون كيف يتقنون مهارة ما للعمل من أجل المال، لكنهم لا يتعلمون كيف يجعلون المال هو من يعمل لديهم، لهذا يدعو روبرت للتعلم عن الاستثمار واكتساب المعرفة حول إدارة المال والأعمال، فقد قد لا تملك المال، لكنك تملك وقتك، وقد تملك الكثير منه، وإنفاق هذا الوقت ملكك أنت، وأنت حر في أن تصنع به ما تشاء. أول استثمار تستثمره هو وقتك بأن تستثمره في التعلُم، تعلَّم قواعد وقوانين المال، تعلَّم ما يفيدك في زيادة دخلك وفي زيادة قدرتك على الاستثمار. والمغزى أن كثيرين منا يعتمدون على المعاشات التقاعدية والتي لا تضمن نوعية حياة جيدة، لكن الأصول، من ناحية أخرى، سوف تولد المال دائمًا، كما يمكن أن تكون مصدرًا مستمرًا للدخل بدون جهد أو عمل شاق. هكذا يبقى أصحاب الملايين أغنياء حتى مع كبر السن. والكتاب مرجع مهم - غير أكاديمي - في توضيح ما هو الفرق بين الأصول والالتزامات، وما يعلّمه الأثرياء ولا يعلّمه الفقراء وأفراد الطبقة الوسطى لأبنائهم عن المال، ونفيّ المعتقد السائد بأن منزلك يعد من الأصول، ولكنه من الأعباء، والأهمية الكبيرة للذكاء الاقتصادي ومساوئ الجهل الاقتصادي، والدور الكبير الذي تلعبه المشاريع التجارية القوية والمهارات الاقتصادية والممارسة والخبرة في النجاح الاقتصادي، وأهمية مهارات الإدارة والاستثمار وضرورتها لتحقيق النجاح والتميز وسط المجتمع الرأسمالي، وأهمية الاستثمار وإدارة الأعمال في التحكم في مستقبلك المالي. في كتاب آخر له، أصدره تحت عنوان «النموذج الرباعي للتدفقات النقدية»، يضع كيوساكي الناس في سبعة مستويات، مقدمًا بذلك دراسة عميقة لفهم الاختلافات الرئيسية بين الموظفين، والموظفين الذاتيين، مالكي الأعمال والمستثمرين. ولا نحتاج إلى كثير من الذكاء المتكئ على اسم الكاتب وشكله حتى نعرف أن أصوله تعود لليابان، إذ قارن كتابه بين حياة الفقراء والأغنياء، واتبع أسلوب التعجب في طرح الأفكار، بالإضافة لكم كبير من المعلومات، ربما هذا ما سمح له المقارنة بين العديد من المجتمعات. باع كتاب «أب غني وأب فقير» أكثر من 40 مليون نسخة حتى الآن، وترجم إلى لغات كثيرة، وتلقى الكثير من ردود الأفعال الإيجابية، لكن، وكأي شيء آخر، تعرض كتاب «الأب الغني والأب الفقير» للنقد، من بينها اتهامه أنه يحتوي على العديد من النصائح الخاطئة والسيئة والخطيرة. والتي قد تكون منافية للأخلاق.
مشاركة :