الرياضة بتنظيمات استثمارية وتسويقية

  • 7/12/2022
  • 23:27
  • 475
  • 0
  • 0
news-picture

تجاوز عالم الرياضة خاصة لعبة كرة القدم كل حدود الهواية، وتوسعت وقفزت هذه اللعبة الحواجز إلى مفاهيم اقتصادية، وتجارية تسويقية، أعلى مما هو متوقع في عالم المال، والأعمال، والاستثمار، وإلى ما هو أبعد من اللعب بكرة حتى وصل بها الحال إلى الاستثمار في الاقتصاد، وتسابق المستثمرون باستثماراتهم الكبيرة للاستحواذ على الأندية بصفقات مالية تجاوزت مئات الملايين من الدولارات. وأصبحت ميزانيات الأندية تقارع ميزانيات الشركات الكبيرة، وإنفاقها تجاوز أرقاما كبيرة مثل الإنفاق على المشاريع الاقتصادية الضخمة، كما أن عوائدها شهدت تدفقات مستمرة بفضل سياسة الصناعة الاقتصادية، والتسويق الرياضي. كرة القدم أصبحت وثيقة الصلة بالتجارة والاقتصاد، وعالم الاستثمار، منذ بدء تنظيم البطولات الدولية، ولا ننسى أيضا التدخلات السياسية التي منها ما تم من أجل تنظيم كأس العالم عام 78 في الأرجنتين، والمكاسب الاقتصادية التي حققتها تلك الدولة بعد حالة الإفلاس التي كانت تعانيها. ويتساءل كثير من متابعي الساحرة المستديرة عن مصدر كل تلك الاستثمارات والأموال التي تضخ في الأندية الرياضية، ويتحول التساؤل إلى ذهول حين نسمع عن صفقات انتقال اللاعبين وأجورهم الخيالية، وقيمة جوائز البطولات العالمية، ويضاف إلى ذلك كله الاستغراب من حالة التسابق المحموم بين الدول لاستضافة بطولات كأس العالم ومثيلاتها من المنافسات الرياضية، والعوائد المرجوة من كل هذه الاستثمارات الرياضية، وكيف تولد تلك العوائد، وهل نحن أمام منافسة رياضية، أم منافسة اقتصادية بين الدول. لا يبدو أن هناك حدودا لموجة الاستثمارات في الأندية الرياضية عموما، ولا سيما تلك المعنية بكرة القدم، وقد شهدت هذه الاستثمارات بعض التراجع في السابق لأسباب تتعلق بوضعية التمويل، إلا أنه كان تراجعا طفيفا، ولم يدم طويلا وأسهمت عوامل كثيرة في العقود القليلة الماضية في دفع مسار هذا النوع من الاستثمارات بزخم كبير إلى الأمام، في مقدمتها تغيرات في المفهوم ذاته، فلم تعد ملكية الأندية الرياضية حكرا على الأسر الثرية في هذا البلد أو ذاك، أو على ممولين محليين استطاعوا أن يجدوا روافد مالية جيدة فيها. ولأن الأمر كذلك دخل مستثمرون أجانب إلى الساحات في الدول التي تمكنت عبر أعوام طويلة أن تحول حراك الأندية الرياضية إلى صناعة، باتت تشكل جانبا مهما ضمن العوائد الاقتصادية الوطنية، سواء من ناحية الضرائب التي تفرضها الحكومات، أو من جهة التشغيل. ولا شك أن الأندية الرياضية الإنجليزية ظلت تمثل "أيقونة" هذا النوع من الاستثمارات، لأنها دخلت مبكرا ميدان الاستثمار، ولأن اللوائح التنظيمية سهلت الحراك الاستثماري، فالقوانين الإنجليزية وفرت تسهيلات كبيرة في كل القطاعات الاستثمارية، بما في ذلك فرض ضرائب تعد الأقل بين كل الدول المتقدمة، ما جعل البلاد مقصدا مهما. ووفق تقديرات محللين، بلغت قيمة الأندية في الدوري الإنجليزي الممتاز أكثر من عشرة مليارات جنيه إسترليني، ومن المتوقع أن ترتفع في الفترة المقبلة، لو أخذنا في الاعتبار الاهتمام المتصاعد لأصحاب رؤوس الأموال من أفراد ومؤسسات بضخ مزيد من الاستثمارات في هذا الميدان، وهذا الاهتمام ينبع أيضا من حقيقة أن امتلاك أي ناد على الساحة الإنجليزية يعد استثمارا آمنا، حتى في أوقات الأزمات الاقتصادية العالمية التي تؤثر في كل شيء تقريبا. والذي عزز هذا الاعتقاد، أن الأزمة الاقتصادية الآتية من تداعيات جائحة كورونا، أضرت بلا شك في أداء الأندية الإنجليزية وغيرها، إلا أنها أبقتها ضمن النطاق الآمن، فلم يطلب أي ناد من الدرجة الممتاز أي دعم حكومي، بل أقصى ما كان يطالب به القائمون عليها أن يتم تخفيف القيود الحكومية لمحاصرة كورونا في وقت سريع، فالخسائر كانت تنمو لتوقف المباريات، وبالتالي تراجع الدخل من تذاكر المباريات، والنشاط التجاري الطبيعي المرافق لها، فضلا عن خسائر عوائد البث المباشر لها. الأندية الإنجليزية كانت أكثر ثباتا في هذه الفترة مقارنة بمثيلاتها على الساحة الأوروبية، وذلك بسبب القاعدة المتينة التي تقوم عليها وبنيت قبل عقود، وحتى في ظل الانكماش الاقتصادي الذي شهده العالم، وربما سيشهده في الأشهر القليلة المقبلة، كان حراك الاستثمار يمضي قدما، بصورة مرنة وأكثر أمانا، فقد بدأت التحالفات تنشأ للاستحواذ على هذا النادي أو ذاك، الأمر الذي يوزع المخاطر المالية في حال حدوث أي أزمة قد تعصف بالحالة الاقتصادية الراهنة. هذا الأسلوب لم يكن منتشرا في السابق، وتظهر حاليا على الساحة تجمعات من بعض الأفراد للتعاون على شراء الأندية المستهدفة سواء في إنجلترا، أو بعض دول أوروبا مثل فرنسا، ما يعزز طريقة المشاركة الاستثمارية في قطاع أظهر بالفعل أنه يتميز بنوع من المناعة في أوقات الأزمات. ذلك الشكل من الاستثمارات يوزع المخاطر، ومعها التكاليف التي أصبحت مرتفعة للغاية، فعلى سبيل المثال بلغت الصفقة الأخيرة لبيع نادي "تشيلسي" اللندني 4.25 مليار إسترليني، في وقت يعاني فيه العالم هبوطا في النمو ربما يقود إلى ركود في أي وقت. كل المؤشرات تدل على أن الاستثمارات في "صناعة الرياضة" ستواصل الارتفاع، خصوصا في نطاق أندية كرة القدم، التي أظهرت أنها قادرة على الصمود في أوقات الأزمات، ويمكنها أن تحقق قفزات نوعية من حيث العوائد، وسط ميدان آمن على الأموال التي تضخ فيه.

مشاركة :