هوية بصرية لافتة

  • 12/23/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يأتي مهرجان الفنون الإسلامية ليؤكد قيمة التراث والإرث الحضاري الذي تحتضنه منطقتنا العربية، ودليلاً على عمق المفهوم الجمالي وتأصله في هذه الحضارة، والتي كانت لقرون عديدة مركزاً حضارياً متقدماً يشع بنوره على العالم، ويطرح مشروعه الفكري والفني المتميز والأصيل. لقد عكست تجارب الفنانين المقدمة في هذه الدورة ، مدى التطور السريع في الرؤى التشكيلية والتقنيات المستخدمة، حيث إنهم قاموا بإعادة صياغة التراث والاحتفاء بمفرداته من خلال خوض غمار التجريب ، كما استخدموا الرموز والوحدات الزخرفية بروح جديدة تخرج عن القواعد الأكاديمية نحو رؤى أكثر معاصرة وحداثة ، في سعي حثيث إلى إثراء الفنون البصرية وتقديم أعمال مبتكرة من خلال استلهام تراث الفن الإسلامي في الفن المعاصر، مع الاستفادة مما هو متاح من وسائط وخامات للانطلاق نحو آفاق جديدة في الطرح ، وإتاحة الفرصة للفنانين على اختلاف جنسياتهم ، لعرض تجاربهم في تصوير الفنون الإسلامية. قدم الفنانون لوحات وأعمالاً استوحت الأبعاد الجمالية والإيحاءات البصرية لثيمة النور، بما تختزنه من ثراء كبير وأبعاد نفسية وفيزيائية في حياة الناس ، إضافة إلى جذور هذا المفهوم الضاربة في عمق الحضارة الإسلامية ، فمزجوا كل هذه التأثيرات الفنية الخاضعة للذاكرة التاريخية، مع ما هو راهن وحيّ ونابض في التيارات الفنية المعاصرة والمنبثقة من فلسفة ورؤية كل فنان على حدة ، واستناداً إلى تفسير الفنان لمفهوم النور، وإضفاء تأويله الشخصي المتفرّد ، على جوهره ومضمونه ، بعيداً عن المحاكاة الشكلية المفتقدة للإبداع والتنويع والإلهام والتخيّل. كما تكشف الأعمال عن النفَس النوراني الكامن فيها، وكيف تحقق هذا النفَس عن طريق التجريد الذي يولد حركية ترقى بالعمل لما هو روحي ومطلق، مستخدمين تقنيات متنوعة كالقص بالليزر واستخدام شاشات العرض التفاعلية ، إضافة إلى التقنيات الصوتية المختلفة. في الإطار ذاته ثمة مساءلة واستنطاق روح العمل التشكيلي ، وسبر أغواره ، والكشف عن الجواهر المخبأة خلف الخطوط والألوان ، وبالنتيجة، الكشف عما حققته هذه التجربة من خصوصية في المشهد البصري العربي والعالمي ، وكيف استطاعت من خلال استيحائها التراث أن تحقق عالميتها، دون أن تتخلى عن هويتها العربية والإسلامية. إن الفن التشكيلي يلعب دوراً مهماً في التعبير عن رؤية الإنسان للعالم، ولهذا فهو أحد المظاهر المرئية للحضارات الإنسانية لدلالته على ثقافة الإنسان في زمان ومكان معين، من هنا تبرز أهمية وضرورة استمرارية هذه التجربة المميزة، التي خطت لنفسها نموذجاً خاصاً متفرداً في إبراز جماليات الفن الإسلامي والعمل على تطويره وإطلاق طاقته الكامنة والخلاقة. أفسح مهرجان الفنون الإسلامية المجال لبروز ملامح ابتكار متنوعة ومُبشرة بولادة خصوصية فنية تشكيلية، تُمكّن المتلقي من فهم البعد الفلسفي والعميق للفن الإسلامي، عبر معايشته البصرية لأعمال يُقدمها الفنانون التشكيليون في أثواب بصرية وتقنية حافلة بفقه المعاني والمحتوى الموضوعي والمدارس والاتجاهات المختلفة.

مشاركة :