لم تتوقع الزوجة ذات العشرين عاماً أن تتلقى مكالمة هاتفية، تدعوها للقاء يجمعها هي وطفلتها بزوجها الذي لم تره مدة سنتين قضاهما داخل المؤسسة العقابية في الشارقة، بسبب قضية مالية بقيمة 850 ألف درهم. وجاء صراخ وأنين الزوجة وبكاؤها الحاد بمجرد رؤية زوجها يدخل من باب القاعة، وبمشهد لا إرادي يندمج الاثنان في عناق وبكاء وسط نظرات طفلة حائرة لم يتعد عمرها عامين تستقبل والدها لأول مرة ولسان حالها يتساءل: ما الذي يحدث؟ وتنبثق من عينيها نظرات الحزن والألم على شيء تراه لأول مرة.. الجميع يرتدى الملابس البيضاء، الجميع حولها يبكي بدموعه، وهي لا تعلم ما الذي حدث لتتواجد في هذا المكان في مشهد أبكى جميع حضور الملتقى الأسري الذي نظمته المؤسسة الإصلاحية والعقابية بالشارقة مساء أمس الأول بمقرها. قالت الزوجة وهي من الجنسية الماليزية إنه عندما تم القبض على زوجها من الجنسية الأفغانية كانت حاملاً في شهرها الثامن بابنتها الأولى، والآن عمرها سنتان ووالدها لم يستطع احتضانها بين يديه. وأضافت أن زوجها كان يستمع لصوتها وكلماتها عبر كابينات الهاتف المخصصة لكلام الزوار فقط، معربة عن سعادتها الكبيرة لأن زوجها سيستطيع حمل ابنته وملاعبتها لأول مرة، وتمنت تكرار هذا اللقاء كل عام؛ لأنه يحيي فيها الأمل ويمنحها وزوجها القوة والصبر على تحمل مدة العقوبة الطويلة. الحضور الملتقى الأسري الرابع الذي تنظمه إدارة المؤسسة العقابية والإصلاحية بالشارقة، ضمن فعاليات أسبوع النزيل الخليجي الموحد الرابع لدول مجلس التعاون الخليجي، حضره العميد سيف الزري الشامسي قائد عام شرطة الشارقة، وذياب فرحان الرشيدي قنصل عام دولة الكويت الشقيقة بدبي، والعميد علي سالم الخيال مدير عام العمليات المركزية، والمستشار أنور أمين الهرمودي رئيس نيابة الشارقة الكلية، والعميد حمد خميس الظاهري نائب مدير عام المؤسسات العقابية والإصلاحية في وزارة الداخلية، والعقيد د. محمد خميس العثمني مدير عام أكاديمية العلوم الشرطية بالشارقة، والعقيد خليفة المري مدير إدارة المؤسسة العقابية والإصلاحية بالإنابة، والعقيد الدكتور خالد سعيد النقبي من وزارة الداخلية والعقيد أحمد شهيل رئيس قسم الإصلاح، والتأهيل بالمؤسسة، وعدد كبير من مديري الإدارات ورؤساء الأقسام بالقيادة العامة لشرطة الشارقة، إلى جانب عدد من وفود إدارات المؤسسات العقابية والإصلاحية بدول مجلس التعاون الخليجي وأسر النزلاء وممثلي وسائل الإعلام العربية والأجنبية واللجان القائمة على إعداد وتنفيذ فعاليات أسبوع النزيل الخليجي الموحد بالقيادة إصلاح وتأهيل بدأت الفعاليات بالوقوف دقيقة حدادا على أرواح شهدائنا الأبرار بعدها ألقى العميد سيف الزري الشامسي كلمة قال فيها: إن الملتقى الأسري للنزلاء يعتبر من المبادرات التي تعكس الإنسانية في أجمل صورها، وتسهم في تعزيز ثقة المجتمع بالجهود المبذولة والمستمرة ؛لتحقيق رسالة المؤسسات العقابية والإصلاحية في إصلاح وتأهيل النزلاء وإعادة دمجهم في المجتمع وتمكينهم من التغلب على الضغوط والصعوبات التي تواجههم ،ومزاولة حياتهم بصورة طبيعية. وأضاف إن هذه المبادرة المتميزة تقع ضمن استراتيجية القيادة الشرطية في تطوير برامج الرعاية الاجتماعية لنزلاء المؤسسة العقابية والتخفيف من عزلتهم وتضييق الفجوة بينهم وبين المجتمع الخارجي ،ممثلاً في أفراد أسرهم ما يسهم في تيسير إعادة دمجهم في المجتمع بعد انتهاء مدة العقوبة وعودتهم إلى الحياة الطبيعية. وأكد قائد عام شرطة الشارقة استمرار شرطة الشارقة في إطلاق المزيد من المبادرات التي تعزز الاهتمام بالأوضاع الإنسانية للنزلاء والتي تنسجم والقوانين والأعراف والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. وأشار العقيد خليفة المري مدير إدارة المؤسسة العقابية والإصلاحية بالإنابة، إلى أنه تم خلال هذا العام استقدام 4 أسر من أسر النزلاء، من سلطنة عمان الشقيقة، والمملكة الأردنية الهاشمية وجمهورية مصر العربية، والجمهورية العربية السورية، وبواقع أسرة من كل دولة، حيث تم تجهيز كافة الخدمات وفق أعلى المستويات وتوفير سبل الراحة بدءا من وصولهم إلى أرض الدولة وحتى مغادرتهم إياها هذا إلى جانب دعوة 16 أسرة من داخل الدولة ومن كافة الجنسيات لمقابلة ذويهم من النزلاء. خدمة الاتصال المرئي وعلى هامش الملتقى دشن العميد سيف الزري الشامسي قائد عام شرطة الشارقة خدمة الاتصال المرئي بالمجتمع الخارجي، والذي يسمح لنزلاء المؤسسة بالاتصال المصور مع ذويهم وأسرهم داخل الدولة وخارجها ، والذي يأتي في إطار تعزيز حقوق النزيل وتضييق الفجوة بينه وبين المجتمع الخارجي ممثلاً في الأسرة، وخلق بيئة من التناغم الإنساني داخل المؤسسة. وقد أثنى أعضاء وفود دول مجلس التعاون الخليجي وممثلو البعثات الدبلوماسية التي حضرت الملتقى على الجهود التي تبذلها دولة الإمارات في رعاية النزلاء والاهتمام بهم ومراعاة واحترام القيم الإنسانية والشرعية الدستورية والقانونية.. وأشادوا بالخدمات التي تقدمها إدارة المؤسسة العقابية والإصلاحية بالشارقة، معربين عن تقديرهم لهذه الجهود. نزيل عماني أوضح النزيل ع.ر.أ من الجنسية العمانية (37 عاماً) أنه مدان بالاتجار في المخدرات (700 حبة ترامادول) ومحكوم عليه بالسجن المشدد لمدة 25 عاماً، قضى منها بالفعل أربع سنوات وثلاثة أشهر، موضحاً أنه تم القبض عليه مع اثنين مواطنين آخرين في القضية عام 2011، حكم على الأول بالحبس لمدة عام، واعتبر الثاني مصدرا سريا وشاهدا في القضية. وأضاف أنه تم القبض عليه وبحوزته 1500 درهم مرقمة من قبل الشرطة، وأنه كان يطالب بها صديقاً له أحد المتهمين الآخرين وأبلغه أنه تركها له عند مدخل إحدى المزارع، وأنه لا يمكنه تسليمها له يداً بيد لأنه ليس لديه وقت لانتظاره. وقال والد النزيل إنه يسكن في إمارة رأس الخيمة ويأتي لزيارة ابنه مرة كل شهرين، نظراً لظروفه الصحية كونه رجلا مسناً يعاني آلاما في قدميه، مبيناً أن ابنه لم ينجب أطفالاً وأن زوجته ذهبت للعيش مع أسرتها في سلطنة عمان، وانقطعت أخبارها عنهم. فيما قالت والدة النزيل ،إنها تتحسر على ابنها وعلى ما وصل إليه حاله، لأن حياته وشبابه سيضيعان منه وهو حبيس جدران السجن. مبادرة فريدة إحدى الأسر المصرية جاءت لزيارة ابنها قالت: إنها مبادرة فريدة وغير موجودة في أي بلد آخر ،وأن هذه الأجواء فيها الكثير من التكريم للنزيل ولأهله، وهذا يدل على المعاملة الإنسانية للنزيل باعتباره إنساناً والمؤسسات العقابية هدفها التأهيل أكثر من العقاب، وقدمت الشكر لوزارة الداخلية ممثلة في شرطة الشارقة ،لإتاحتها هذه الفرصة وعلى التعامل والتعاون التي تقدمه وخاصة العقيد عارف محمد الشريف مدير المؤسسة لأن أبوابه دائما مفتوحة. وأشار النزيل المصري إلى أن فعاليات أسبوع النزيل الخليجي رائعة في كل شيء وخاصة الزيارات واللقاءات بين أفراد الأسرة وحضور الأهل بعيداً عن الحواجز الحديدية واللعب مع الأطفال، في حين ذكر آخر أن الإرشاد له دور كبير في تقويم السلوك الإنساني من معرفة آيات القرآن الكريم وتفسير الحديث وكذلك الإلمام بالفقه وعلوم القرآن.
مشاركة :