توليد الكهرباء من الشمس عبر الأسطح الزجاجية

  • 12/23/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

كل ساعة تمر من الزمن، تتلقى اليابسة على الأرض من الشمس ما يكافئ استهلاكنا السنوي من الطاقة على مستوى العالم. ونحن نعلم أن الألواح الشمسية التقليدية المصنوعة من السيليكون تحول جزءاً صغيراً من هذه الطاقة إلى كهرباء. ويمكن استخدام أسطح أخرى لتوليد الطاقة على المستوى المحلي، وذلك من دون إفساد للطبيعة. على سبيل المثال، يمكن استخدام النافذة، والزجاج الأمامي في السيارة، والشاشة، كل ذلك بفضل تكنولوجيا جديدة تسمح لأي سطح زجاجي بتوليد الكهرباء من الشمس. هذا هو الإنجاز الجديد لزجاج يبدو للوهلة الأولى كالنوع العادي تماماً، غير أنه في الواقع يتولى وظيفة إضافية، وهي إنتاج الكهرباء. الكشف عن هذا الزجاج كان في أغسطس/آب الماضي، وهذا الزجاج النوعي في بنيته يخفي لوحة ضوئية قادرة على توليد الكهرباء بمجرد تعريضها للشمس. ولذا يمكن القول إننا بتنا نمتلك أول لوحة شمسية شفافة. إنتاج هذه اللوحة الزجاجية تم في جامعة ميتشيغان بالولايات المتحدة الأمريكية، وأكدت الجامعة أنها تسعى من خلال هذا الاختراع إلى إمكانية تحويل أي سطح زجاجي إلى مصدر طاقة محلي غير مرئي. وهذه الميزة تسمح للسيارات والمباني والمنازل وحتى مواقف محطات الحافلات، والهواتف النقالة، وما إلى ذلك بالاكتفاء ذاتياً بالطاقة وبشكل مجاني وذلك بفضل فوتونات الشمس. ويقول ريتشارد لونت، وهو مدير البحث الذي أوصل إلى هذا العمل: حتى وقت قريب أدت كل التجارب التي أجريت على اللوحات الشمسية إلى ظهور أسطح شفافة وملونة تقريباً، وذلك بمعزل عن الألواح الشمسية التقليدية، لكن من خلال هذا الإنجاز التكنولوجي الفذ يمكن القول إن النموذج الذي نقدمه حالياً هو الأول من نوعه الذي يختلف عن سابقيه في أنه شفاف تماماً عند النظر إليه بالعين المجردة، فقد بلغ مؤشر شفافيته بالفعل 85%، وهو ما يقربه من الزجاج الكلاسيكي 90%. ويضيف لونت: منذ اثني عشر عاماً تعمل أكبر المختبرات المتخصصة في مجال الطاقة الشمسية في الولايات المتحدة، وفرنسا، وألمانيا على تطوير لوحات شمسية غير مرئية. الشركة الفرنسية Sunpartner للتكنولوجيا تمكنت من مواجهة التحدي المتمثل في الشفافية، لكن بالنسبة للأسطح الصغيرة فقط كشاشات الهواتف الذكية مثلاً. والحقيقة أن الرهانات عالية، فشبكات الخلايا الضوئية التقليدية السوداء تبدو غير شفافة عند تثبيتها فوق سطح منزل أو في الحديقة وهذا جانب سلبي ويمكنه لجم الإقبال الجنوني على استغلال الطاقة الشمسية إلى درجة أن إيجاد حل يعتبر بمثابة الفانوس السحري للأبحاث المتعلقة بالخلايا الكهروضوئية. ولا شك أن الكلام أسهل من العمل، فجعل لوحة شمسية شفافة تماماً هو أمر يبدو للوهلة الأولى بمثابة الأحجية التقنية. ولكي تحول اللوحة الطاقة الضوئية القادمة من الشمس إلى كهرباء، يجب أن تمتص جزءاً من الطيف الشمسي، الأمر الذي يبدد خلال مروره بعضاً من الأطوال الموجية أي بعضاً من الألوان. وهذا هو السبب الحقيقي الذي يجعل الألواح تظهر ملونة، لكن ريتشارد لونت وزملاءه في الفريق عثروا على طريقة مبتكرة للحيلولة دون هذا الأمر، وذلك من خلال تصميم طبقة رقيقة من مادة شفافة قادرة على التقاط جزء من الضوء غير مرئي للعين وتحويله إلى كهرباء. هذا الجزء المستهدف هو الذي يتوافق والموجات تحت الحمراء القريبة، أي الواقعة بين (700-800 نانومتر). ومن الناحية العملية، عندما تمر الأشعة تحت الحمراء القادمة من الشمس من خلال هذا الزجاج، تُمتص وتتحول إلى تيار كهربائي من دون أن تلاحظها العين. ومن المعروف أن طول موجة الشعاع الضوئي المرئي يقع بين (380 و700 نانومتر)، ومع ذلك، فهو يمر من خلال هذا الزجاج من دون عائق، بمعنى أنه يمكن لأي شخص ينظر من وراء الزجاج أن يرى فقط جزءاً من الضوء الممتص ويتولد لديه انطباع بشفافية الزجاج. ويقول ريتشارد لونت: مفتاح نظامنا عبارة عن جزيئات شفافة بالنسبة للعين البشرية، وهي تدعى سيانين cyanine. والسيانين عبارة عن أصباغ كيميائية عضوية مكونة من ذرات الآزوت، وهي غير مرئية للعين المجردة وذلك وفقاً لبنيتها وتستخدم عادة في في التصويرين الفوتوغرافي والطبي. ويقول لونت: اشتغلنا على إنتاج هذا الزجاج خلال السنوات الثلاث الماضية، ومنذ عام، بدأنا نحصل شيئاً فشيئاً على توليفة كيميائية بحيث تكون لديها الخاصية المعينة التي نرغبها، وهي أن تمتص فقط الأشعة تحت الحمراء وتمرر الأشعة المرئية. ويوضح لونت أن السيانين يذاب في طبقة من البوليمر لتكون بمثابة الدليل الموجي، وذلك على غرار الليفة البصرية، بمعنى أنها تحبس الأشعة تحت الحمراء الملتقطة وتوجهها على خلايا ضوئية صغيرة جداً مصنوعة من السيليكون ومخفية على حواف الزجاج. وبالوصول إلى هذه النقطة، يُحول الإشعاع إلى كهرباء. ومن هنا يمكن أن توضع هذه المجموعة على نافذة أو تكون محصورة بين زجاج مزدوج بشكل خفي. ويقول ستيفان غييريز، رئيس الوحدات الكهروضوئية في CEA إن الفكرة مثيرة جداً للاهتمام، على الرغم من أنه لا يزال هناك عمل كثير لتحويل، ما يزال شيئاً مثيراً للفضول يقبع في المختبر، إلى مادة فعالة وقابلة للتسويق ومنخفضة التكلفة وثابتة مع الزمن. وإذا كان هذا النموذج يعمل بالفعل، فإن حجمه يبقى حتى الآن محدوداً جداً (نحو عشرة سنتيمترات لكل جانب). أما بالنسبة للأداء، فهو أيضاً متواضع، لأنه يصل إلى أقل من 1%، في الوقت الذي تصل فيه الألواح الشمسية المصنوعة من السيليكون إلى 15 أو 20%. ويقول ريتشارد لونت: بالطبع هذه ليست سوى البداية ومن المتوقع تحسين التقنية للوصول إلى 5% في السنوات المقبلة. ويفكر لونت بالفعل بكيفية تسويق التكنولوجيا، بدءاً بالقارئات وشاشات الهواتف قبل استخدامها في النوافذ. ويشير لونت إلى أن العائد الذي يبلغ 5% سيكون في الواقع أكثر إثارة للاهتمام، لأن شفافية الزجاج ستعطينا الفرصة لتغطية مساحات واسعة من الوجوه، مثل الواجهات الزجاجية للمباني. من هذا المنطلق، سنجد أن التوقعات المتعلقة بمسألة الطاقة والربح ستزداد عشرة أضعاف، شريطة أن تصبح تكلفة هذه المواد يوماً ما متوافقة مع تطور تجاري مشجع. المرونة.. ميزة مستقبلية تعتبر ميزة المرونة من التطورات المقبلة بالنسبة للخلايا الضوئية الشمسية، بالإضافة للشفافية .. بمعنى أنها ستصبح كالأفلام، أي يمكن لهذه الألواح أن تتزاوج مع أي سطح. وفي هذا المجال تعتبر الشركة الفرنسية Sunpartner رائدة في هذه التكنولوجيا، ففي سبتمبر/أيلول الماضي، أنتجت الشركة دعامة ضوئية مرنة وشفافة بنسبة 90٪، وبسماكة 0.1 ملم. والإصدار السابق البالغ سمكه 0.5 مم، كان قادراً على إنتاج 2.5 ميغاواط / سم مربع، وكان مركباً على هاتف محمول قبل بضعة أشهر. وتستند التكنولوجيا إلى خاصية بصرية، إذ تغطي عدة طبقات ضوئية صغيرة جداً بعدسات تعمل على توجيه أشعة الشمس المباشرة باتجاهها، في حين تترك الشاشة مرئية. ويقول جان لوك ليدس، المدير الفني للشركة: هدفنا هو إنتاج الطاقة مع أسطح ليست مخصصة مسبقاً لهذا الأمر كالستائر على سبيل المثال، وفتحة سقف السيارة وأجهزة استشعار مدمجة مباشرة في النسيج. السيليكون باقٍعلى نطاق محدود هل هذا الزجاج الضوئي يمكنه على المدى القصير أو المتوسط، التنافس مع الألواح الشمسية الحالية المصنوعة من السيليكون؟ يرى جان بيير جولي، مدير المعهد الوطني للطاقة الشمسية، أن الجواب هو: لا، فهذا النوع من التكنولوجيا لن يحل أبداً محل السيليكون على نطاق واسع، لأن أداءه يبقى محدوداً، لكن بالنسبة للتطبيقات النوعية، فإنه يمكن من خلاله تصميم أشياء تجمع بين وظيفتها الخاصة ووظيفة الطاقة التي تسمح بتغذيتها. ويمكن لأحدنا أن يسأل: متى تُطرح النماذج الأولى من النوافذ الزجاجية المصقولة التي ستولد لنا الطاقة الشمسية؟ وفقاً لريتشارد لونت، يمكن للمنتجات الأولى أن تصل إلى السوق في غضون خمس سنوات، أو حتى قبل ذلك. وحينها لا شك أننا سنعرف ما إذا كان بمقدور الشمس أن تدخل من خلال النوافذ أو لا.

مشاركة :