قال مدير عام منظمة الصحة العالمية في الأول من يونيو 2022 في مؤتمر صحفي حول أسباب تفشي مرض جدري القردة في بعض دول العالم إن: «معظم الحالات التي تم رصدها كانت عند الرجال الذين مارسوا الجنس مع الرجال». ولا شك أن تصريح مدير عام هذه المنظمة الأممية التي تعتبر الغطاء الصحي لدول العالم أجمع لم يأت من فراغ، ولم يستند إلى انطباعات عامة غير ثابتة، وإنما جاء نتيجة أدلة مخبرية دامغة، وحالات مَرَضية مشهودة بين مجتمع الشاذين جنسيا، ووقائع ملموسة على المستوى الدولي وقعت بين المنحرفين جنسياً، وخاصة في دول قارة أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. فهذا المرض الفيروسي النادر والغريب تم اكتشافه عام 1958، وسُجلت أول حالة مرضية أكيدة مصابة بفيروس جدري القردة في جمهورية الكونجو الديمقراطية في عام 1970، ومنذ تلك الفترة الزمنية كانت الحالات القليلة التي تُكتشف كلها في القارة الإفريقية، وبالتحديد في دول غرب ووسط فريقيا، مما يؤكد أن هذا المرض «مستوطن» في هذه الدول في إفريقيا في غاباتها الاستوائية، حيث مصدر الفيروس من الحيوانات، ولا علاقة له بشكلٍ مباشر خارج حدود هذه الدول. وعلاوة على ذلك فإن طرق انتقال هذا الفيروس المعدي إلى الإنسان يكون عادة من الحيوان المصاب، أو من إنسان آخر يحمل هذا الفيروس فيُعدي البشر إذا توافرت ظروف العدوى، ومن أهم طرق انتقال الفيروس وأكثرها فاعلية في العدوى من إنسان إلى آخر هي الاتصال الجنسي الجسدي المباشر بين شخص مصاب وآخر غير مصاب، أو استعمال أدوات المعدي الشخصية كالسرير والمناشف واللباس وغيرها، فهذا الفيروس ينتقل إلى جسم الإنسان غير المصاب عبر التلاصق الجلدي، وعن طريق سوائل الفم والأنف والجسم بشكلٍ عام. ومنذ أن خرج الفيروس مجدداً إلى عالم البشر، وبالتحديد في الدول التي لا يستوطن فيها الفيروس، ولا تُعرف بتفشي هذا المرض فيها على نطاق واسع، ودراسات الحالات الجديدة لا تنتهي من أجل كشف مصادر المرض، وأسباب العدوى، وتحويرات الفيروس، كما أن منظمة الصحة العالمية والمراكز الأمريكية للتحكم ومنع المرض تنشر تقارير دورية حول آخر المستجدات. فمن أول هذه التقارير للمنظمة كان في 29 مايو 2022، حيث أفاد بأنه منذ 13 مايو تم تسجيل المرض في 23 دولة لم تُعرف من قبل بانتشار هذا المرض، كما أضاف التقرير أن: «الدراسات الوبائية الأولية حول الحالات الأولى تفيد بأنها سُجلت بشكل رئيس بين الرجال الذين مارسوا الجنس مع الرجال». أما بالنسبة إلى عدد الحالات، فقد أفادت تقارير لاحقة للمنظمة بأنه مع نهاية يونيو سُجلت أكثر من 4100 حالة معظمها بين الرجال في أمريكا والشرق الأوسط وآسيا وأستراليا. وفي الجانب العددي للإصابة بمرض جدري القردة، فقد ذكرتْ النشرة الصادرة من المراكز الأمريكية للتحكم ومنع المرض في 21 مايو تحت عنوان «أخبار انتشار المرض» (Disease Outbreak News)، بأنه حتى 26 مايو سُجلت 257 حالة أكيدة، و120 حالة محتملة، ومعظم هذه الحالات المؤكدة كانت في كندا(26)، وأمريكا(10)، وبلجيكا(3)، وألمانيا(5)، وهولندا(12)، وإيطاليا(4)، وفرنسا(7)، والبرتغال(49)، وبريطانيا(106). ويمكن مقارنة هذه مع المعلومات أيضاً التي تنشرها «مراكز التحكم ومنع المرض» في أمريكا تحت عنوان: «الخريطة الدولية وعدد الحالات 2022» (2022 Global Map & Case Count)، حيث كان حتى 28 يونيو العدد 4769 في 52 دولة، منها بريطانيا (1076)، ألمانيا (838)، فرنسا (330)، إسبانيا (800)، أمريكا (305)، كندا (257)، بلجيكا (77)، والبرتغال (373). وبعد ذلك نَشرتْ المجلة الأوروبية حول الأمراض المعدية وعلم الأوبئة ومنع والتحكم في المرض (Eurosurveillance) في الثاني من يونيو 2022، دراسة لبعض الحالات المرضية القائمة في إيطاليا، تحت عنوان: «خواص أربع حالات لجدري القردة نتيجة للاتصال الجنسي، مايو 2022، إيطاليا». فهذه الدراسة تابعت أربع حالات لجدري القردة من 17 إلى 22 مايو، وأكدت الدراسة أن جميع هذه الحالات الأربع كانت لرجال مارسوا الجنس مع رجال آخرين، وخلصت إلى أن «انتقال المرض من إنسان إلى آخر في هذه الحالات كان بسبب الاتصال الجنسي الجسدي المباشر». ثم جاءت الدراسة على الحالات المرضية في المملكة المتحدة، والتي قامت بها «وكالة الأمن الصحي» (UK Health Security Agency)، تحت عنوان: «مستويات تفشي المرض في إنجلترا»، من 6 مايو حتى 6 يونيو، حيث شملت 336 حالة موثقة معظمها في لندن. كما أن الدراسة استخدمت أيضاً أداة الاستبانة للتعرف أكثر على تفاصيل هذه الحالات، حيث شارك فيها 152 من المرضى المصابين. وكانت النتيجة أن 151 من الذين شاركوا في المقابلة الشخصية من بين 152، كان جميعهم من الشاذين جنسياً والذين مارسوا الجنس مع ذكور آخرين، ولذلك أكدت الدراسة أن تفشي المرض كان بسبب شبكة الممارسات الجنسية بين الرجال، وبين هذا الوسط المنحرف جنسيا والشاذ عن باقي المجتمع. وعلاوة على هذه الاستنتاجات الواضحة من الدراسات الطبية الميدانية، فقد نشرت مجلة «العلوم» المرموقة مقالاً في 22 يونيو 2022 تحت عنوان: «لماذا يؤثر مرض جدري القردة على الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال؟»، حيث أجاب المقال عن هذا السؤال، وأكد أن هذه السلوكيات المنحرفة، وهذه الممارسات الشاذة هي ليست سبب تفشي مرض جدري القردة فحسب، وإنما هناك أمراض أخرى جنسية انتشرت في المجتمعات الغربية بداية ثم انتقلت عبر دول العالم، وكلها كانت تنبع من بؤرة واحدة هي شبكات الانحراف الجنسي الدولية بين الرجال والنساء، ومثل هذه الأمراض الإيدز والسيلان. كذلك نُشرت دراسة في 13 يونيو في (medRxiv) تحت عنوان: «الشبكة الجنسية وانتشار مرض جدري القردة في المناطق المستوطنة، مايو 2022»، حيث توصل الباحثون بعد استخدام النماذج الصحية إلى استنتاج بأنه: «بدون التدخل الفاعل، أو تغيير السلوكيات، فإن هناك احتمال لانتشار المرض لدى أكثر من عشرة آلاف حالة على المستوى الدولي بين الذين يمارسون الجنس بين الرجال». كما نشرت صحيفة النيويورك تايمس تحقيقاً حول هذا المرض المعدي في 27 يونيو 2022 تحت عنوان: «أمريكا ستعاني قريباً من مرض جنسي معدٍ آخر»، حيث حذر التحقيق من أن «العدوى حالياً متركزة بين المنحرفين جنسياً من الرجال، وهذه العلاقات الجنسية بين الكثير من الرجال قد تسهم في تفاقم انتشار جدري القردة بين باقي أفراد هذا المجتمع». وبالرغم من وضوح الأدلة وإجماعها حول دور الانحراف الجنسي والشواذ جنسياً في تفشي المرض، فإن منظمة الصحة العالمية ووزارات الصحة والمنظمات المعنية حول العالم مازالت تتبنى سياسة العلاج من المرض بتقديم الدواء واللقاح بعد الإصابة به، وليس السياسة الصحية المعروفة وهي الوقاية والمنع من المرض بدلاً من العلاج من خلال تتبع أسبابه ومصدره واجتثاثه من جذوره، ألا وهي محاربة هذه المجموعات المنحرفة الرجعية جنسياً، والوقوف ضد السلوكيات الجنسية الشاذة، ومنعها بقرارات وتشريعات واضحة في كل دول العالم. وإذا لم نفعل ذلك فالأمراض والأوبئة الجديدة التي لم تكن موجودة فيمن قبلنا فسنسقط فيها، ونعاني من ويلاتها. bncftpw@batelco.com.bh
مشاركة :