ينتقل الرئيس الأميركي جو بايدن الجمعة إلى السعودية قادما من إسرائيل، في أول رحلة مباشرة بين البلدين، فيما يعكس الديناميكيات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والتي تعمل الإدارة الأميركية على توظيفها في بناء مسار تطبيع متدرج للعلاقات السعودية – الإسرائيلية. وتضع إدارة بايدن ضمن أولوياتها في الشرق الأوسط دمج إسرائيل في المنطقة، وذلك يفترض تحقيق تقارب بينها وبين السعودية، الدولة المحورية في المنطقة، وتعتبر أن المزاج الحالي داخل المملكة يخدم هذه التطلعات. وغالبا ما تتحدّث تقارير إعلامية عن اتصالات تجارية وأمنية بين السعودية وإسرائيل لا يتم تأكيدها رسميا. وروى الصحافي الإسرائيلي يوآف ليمور في مقال نشره في وقت سابق من الشهر الجاري أنه زار المملكة مع زميل له، مشيرا إلى أنّه استُقبل بفضول في السعودية، علما أنه استخدم جواز سفر من دولة أخرى للدخول. بريان كاتوليس: الديناميكيات الداخلية للسعودية تختلف عن تلك الخاصة بجيرانها ويقول مسؤولون أميركيون إن التغيير في نظرة عدد من السعوديين إلى إسرائيل يشكّل بوادر إيجابية، رغم أنّ المملكة متمسكة بموقفها بعدم المضي في تطبيع كامل للعلاقات قبل التوصل إلى حل للنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي يقوم على قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية. وقالت المبعوثة الخاصة الى واشنطن لمكافحة معاداة السامية ديبورا ليبستادت في خطاب ألقته الشهر الجاري بعد زيارة المملكة في يونيو “لعقود عديدة، كانت السعودية مُصدِّرا كبيرا لكراهية اليهود (…) لكن ما وجدته هو شيء مختلف تمامًا، شيء تغير هناك بشكل كبير في السنوات القليلة الماضية”. وظهرت بوادر هذا التحوّل قبل اتفاقات تطبيع العلاقات بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين في الخليج في سبتمبر 2020. فالكتب المدرسية التي كانت تنعت أتباع الديانات الأخرى، وبينها اليهودية، بأوصاف مثيرة للجدل، تخضع منذ سنوات للمراجعة كجزء من حملة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لمكافحة “التطرف” في التعليم. وقالت وزارة الخارجية الأميركية في تقريرها الأخير عن حقوق الإنسان في السعودية إن خطاب الأئمة المناهض لإسرائيل “نادر بشكل عام”، وإن وزارة الشؤون الإسلامية شجعت على “رفض التعصّب الأعمى”. وأشادت إسرائيل برجل الدين السعودي محمد العيسى الذي يرأس “رابطة العالم الإسلامي” في يناير 2020 بعدما سافر إلى بولندا لحضور احتفالات بمناسبة مرور 75 عامًا على تحرير معسكر أوشفيتز. واستضاف العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز الحاخام المقيم في القدس ديفيد روزين في الشهر التالي. وخلال شهر رمضان من ذلك العام، بثّت شبكة “أم بي سي” السعودية برنامجا تلفزيونيا سخرت خلاله إحدى الشخصيات من اعتبار التعامل التجاري مع إسرائيل أمرا محرما. وشارك سائقون إسرائيليون في رالي داكار خلال يناير 2021 في السعودية. كما شاركت القوات السعودية عدة مرات في مناورات عسكرية ضمت إسرائيل. وفي إشارة إلى أن القيادة السعودية ربما لم تعد تخشى رد فعل عنيف على التطبيع في نهاية المطاف، وصف ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إسرائيل بأنها “حليف محتمل”. الأمير محمد بن سلمان وصف إسرائيل بأنها "حليف محتمل"، في إشارة إلى أن القيادة السعودية ربما لم تعد تخشى رد فعل عنيف على التطبيع في نهاية المطاف وقال الأمير محمد، في حوار أجراه مع مجلة “أتلانتيك” الأميركية، في مارس الماضي “لا ننظر لإسرائيل كعدو، بل ننظر لهم كحليف محتمل في العديد من المصالح التي يمكن أن نسعى لتحقيقها معًا، لكن يجب أن تحل بعض القضايا قبل الوصول إلى ذلك”، فيما بدا إشارة إلى القضية الفلسطينية. ورغم كل ذلك قد يكون من الصعب قياس مدى تأثير هذه التغييرات على الرأي العام في نظام ملكي مطلق لا يزال يفرض قيودا على التعبير السياسي. ويقول الباحث في مركز بلفر بجامعة هارفارد محمد اليحيى إنّ هناك فرصة ضئيلة في أن تركّز الرياض على العلاقات مع إسرائيل “مع تجاهل القضية الفلسطينية”. ويوضح اليحيى “تغيرت المشاعر عامة، لكنني لا أعتقد أنها تغيرت إلى درجة لم يعد فيها الناس يهتمون بفلسطين، أو لم يعودوا يريدون محاسبة إسرائيل على الجرائم التي ترتكبها”. ويرى متابعون أن طريقة تعاطي السلطة الفلسطينية وباقي الفصائل ساهمت بشكل ما في تراجع حماسة السعوديين، كما غيرهم في الدول العربية، حيث أن الطرفين حادا عن القضية عبر انغماسهما في صراعات على النفوذ والزعامة، كما أن بعضهم انخرط في مشاريع ورهانات إقليمية تتعارض مع مفهوم الأمن القومي العربي. ويشير المتابعون إلى أن عددا من السعوديين اقتنع منذ زمن بعيد بأن إسرائيل أمر واقع وجب التعامل معه، وأن الأفضل أن يكون هذا التعامل ذا طابع إيجابي بما يساهم في استقرار المنطقة. لكن ذلك لا يعني أن أغلب السعوديين قطعوا مع النظرة القائمة تجاه إسرائيل، ويقول في هذا الصدد بريان كاتوليس من معهد الشرق الأوسط في واشنطن إن “الديناميكيات الداخلية للمملكة تختلف عن تلك الخاصة بجيرانها”. ويوضح كاتوليس “لا أرى مجالا واسعا للمزيد من الانفتاح كما نرى مثلا في الإمارات (…) حيث يمكنك مثلا (…) بناء كنيس يهودي. أعتقد أن حدوث ذلك أبطأ في بلد مثل السعودية”. ولم يرد مسؤولون سعوديون على أسئلة حيال النتائج المحتملة لزيارة بايدن والتي من شأنها أن تنعكس على العلاقة مع إسرائيل. وحتى لو نتجت عن الزيارة قرارات مثل السماح برحلات جوية مباشرة من إسرائيل إلى السعودية لنقل الحجاج المسلمين مثلا، يستبعد أن يصل الأمر إلى تطبيع كامل على المدى المنظور. وقد يكون هذا كل ما يمكن للعديد من السعوديين تحمّله في الوقت الحالي. ويقول أبوراشد، وهو بائع قطع غيار سيارات في الرياض، إن الإسرائيليين محتلون و”من المستحيل بالنسبة إليّ أن أذهب إلى إسرائيل يومًا ما. أنا لا أحبهم”، مضيفا “لكن الحكومة تعرف أفضل. سيختارون ما هو أفضل للشعب والبلد”.
مشاركة :