بالتأكيد، كان الرئيس بايدن يبحث عن جمهور من الحاضرين المتعاطفين معه عندما أعلن أنه سيتوجه لزيارة المملكة العربية السعودية في شهر يوليو الحالي.كان هذا تغييرا كبيرا في سياسة بايدن، حيث سبق له بأن جزم (تعهد) بأن يحول المملكة العربية السعودية إلى دولة منبوذة.إن الهزيمة الشخصية التي تلقاها الرئيس بايدن، وهزيمة سياسته ما هي إلا فرصة للنظر بعناية إلى المزيج بين الدقة والمبادئ الطيبة التي هي السياسة الخارجية للسعودية.مثلت السياسة الخارجية للملكة العربية السعودية الثقل المضاد لما كان بايدن يبشر به.إنها موجهة نحو حل العديد من النزاعات في الكثير من الأماكن في العالم، كما تطمح أيضا إلى حل المشاكل الدولية التي تتعب البشرية مثل الفقر، والمرض، وتدهور البيئة وغيرها.إنها لا تعتمد على التعليمات المانعة، كما يبدو من أسلوب بايدن في التعامل مع العديد من الأزمات الدولية.إنها تعتمد على الإقناع والتماس أفضل النتائج الآتية من وجهات نظر متنافسة فيما يتعلق بقضية ما.إن تركيز بايدن على عامل الأخلاقية يعوق من أن تكون سياسة أمريكا الخارجية قادرة على التحاور مع الدول الأخرى في العالم.ربما تكون هناك عدة تبريرات لتفسر التعامل السيئ لإدارة بايدن فيما يختص بعلاقات بلاده مع السعودية مثل مبادئ الواقعية في السياسة الخارجية، أو العوامل الداخلية الخاصة بالسياسة الأمريكية، أو بسبب خلافات داخل إدارته حول كيفية التعامل مع دول الخليج العربية، لكن هذه العوامل لا تقدم أعذارا عن أدائه السيئ فيما يتعلق بالعلاقات السعودية الأمريكية وعلى بايدن أن يدرك بأنه يخاطب جمهورا يتمتع بالذكاء ويحاول اكتشاف طرق عديدة للمسار السليم للعلاقات الدولية الآخذة في التعقيد، وليس فقط عن طريق إعطاء توجيهات خاصة بحقوق الإنسان.ومن الناحية الأخرى، فإن الدبلوماسية السعودية تعطي أحسن مثال على الروح الطيبة على المستوى الدولي، وكيف أنها تؤدي إلى رفع درجة الاهتمام بقضية ما، وأيضا إيضاح الموضوع الخاص بمناقشتها.إنها مبنية على مبادئ قوية، ودرجة عالية من المنهج العملي. إنها تقدم للعالم أفضل التعبيرات عن ما يشغل العديد من الأطراف المهتمة والتي تتأثر بقضية ما.يريد بايدن إرساء مرحلة جديدة من سياسة أمريكا الخارجية في الشرق الأوسط، لكنه ظل متجاهلا لأمر ضروري جدا في مسار العلاقات الدولية.ولمدة زادت عن سبعين عاما، كانت علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع المملكة العربية السعودية هي الواجهة الأساسية لاستراتيجية هذين البلدين في الشرق الأوسط.كانت المهام الأمنية الأمريكية مؤكدة عن طريق العمل على استقرار وتقدم الدول العربية المعتدلة في العالم العربي، لكن تدريجيا فضّل أوباما وبايدن على أن تكون أمريكا محايدة تجاه منطقة الشرق الأوسط، وبالذات منطقة الخليج.أدى هذا إلى تجاهل التحدي القادم من الأنظمة المتطرفة مثل الجمهورية الإسلامية في إيران.كان هذا نوع من سياسة العزلة الذاتية؛ لأن الحكومة الأمريكية لم تجد دولة واحدة على وفاق معها فيما يتعلق بهذا الاتجاه السياسي الجديد والمتهور.وفيما يختص بهذا الصدد، فالسياسة الخارجية السعودية أثبتت أنها أكثر نضجا لو قورنت بعدة خطوات دبلوماسية كانت أمريكا قد اتخذتها أخيرا.تؤمن المملكة العربية السعودية بأن أي تحالف رسمي أو غير رسمي هو عبارة عن مجموعة من الكيانات السياسية والتي تسعى إلى تحقيق عدة أهداف سياسية، والتي قد تعبر عن وقائع مثالية وعملية هادفة.هذا التوجه السياسي الذكي مازال يمنح الولايات المتحدة فرصة للقيام بتحولات هامة في سياستها الخارجية وبالذات عندما تجد نفسها غارقة في العديد من الورطات (المستنقعات) الاستراتيجية، والتي ما هي إلا نتيجة قرارات خاطئة من قادتها.إن السعودية ترى في أي تجمعات دبلوماسية على منابر مفتوحة لمشاورات دبلوماسية رصينة.لا تدعو السعودية إلى إحياء تحالفات، بل هي المهندس السياسي للعديد من الشراكات بين الكثير من الدول والتي تتعامل معها بما فيها الولايات المتحدة.وتحافظ السعودية على وحدة الدول العربية عن طريق أسلوب قيادتها العملي لظاهرة التحديث في الدول والمجتمعات العربية.إن مركزية السعودية تجعلها دائما (الدولة) التي تقدم الموارد التي تجعل من القدرة إجراء تغيرات مستقبلية في العالم العربي والعالم الإسلامي.كما أنها أيضا عامل الاستقرار ضد أي أزمة تنشأ بسبب العوامل العرقية أو الطائفية أو السياسية أو الاستراتيجية أيضا في العالمين العربي والإسلامي.على الرئيس بايدن أن يفهم عملية صناعة السياسات في السعودية والدول العربية الأخرى حتى يستطيع القيام بسياسة خارجية ناجحة في الشرق الأوسط.ما تقوله واشنطن هو أن بايدن يريد إحراز تقدم في موضوع السلام في الشرق الأوسط، كما أنه يسعى أيضا إلى إنهاء الحرب الأهلية في سوريا، ومساعدة كل من العراق ولبنان.لكن كل تلك القضايا تم دراستها جيدا من قبل الدبلوماسية السعودية مع تقديم حلول لها، وذلك قبل أن تكون لبايدن الفرصة للتحدث رسميا بخصوصها مع القادة العرب خلال زيارته المتوقعة.وهذا هو السبب الذي يوجب على الرئيس بايدن بأن يكون مستمعا أكثر من أن يكون متحدثا عندما يشارك في قمة الرياض ما بين أمريكا وعدد من الدول العربية.ويجب على بايدن أيضا أن يفهم وجهة نظر السعودية فيما يتعلق بكيفية تثبيت معدل ما لإنتاج النفط حسب سعر معين.على بايدن أن يدرك كيف تقوم الدبلوماسية السعودية بتقديم العديد من المبادرات الإنسانية لإنهاء الحرب في اليمن.على بايدن إدراك القيمة الكبرى للسعودية؛ لأن هذا يمكنه من الحفاظ على حد أدنى من المصالح المشتركة ما بين البلدين.البديل هو ارتكاب خطأ آخر جسيم من قبل إدارة أمريكية أخرى في مجالات السياسة الخارجية والدفاعية للولايات المتحدة.mr_alshammeri@
مشاركة :