ثورة 14 تموز 1958 هل كانت حقا البداية لإنقلابات دموية في العراق ؟

  • 7/16/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ثورة 14 تموز 1958 هل كانت حقا البداية لإنقلابات دموية في العراق ؟   أ.د محمد مظفر الادهمي   عندما نكتب التاريخ يجب علينا ان نضع البحث عن الحقيقة نصب أعيننا بمنهج علمي اكاديمي ، لا أن نفسر التاريخ ووقائعه وفقاً لأهوائئا ومشاعرنا ،وأن لا نحاكم الماضي بضروف الحاضر ، فالمؤرخ هو قاضي الأموات الذي لا تقل أمانته وعدله عن قاضي الاحياء . وبقدر تعلق الأمر بثورة 14 تموز 1958 في العراق ، فقد تعددت أساليب الكتابة عنها بين مادح وقادح ، دون دراسة موضوعية لكلا الاتجاهين ، وما سأتناوله هنا جانباً من تلك الكتابات التي اعتبرت إبادة العائلة المالكة البداية لبحور الدم التي سالت على ارض العراق ، متجاوزين ومتناسين ألانقلابات والمجازر والاعدامات السياسية التي نفذت منذ غياب الملك فيصل الاول عن الساحة السياسية  بوفاته المفاجئة عام 1933 . ففي عهد الملك غازي وقعت انتفاضة العشائر في الرميثة عام 1935 ضد الحكومة فحكم بالاعدام 63 شخصاً ، نفذ الحكم في تسعة منهم ، وفي انتفاضة الرميثة الثانية ضد فرض قانون التجنيد الالزامي في نيسان 1936 حكم بالاعدام 66 شخصاً ونفذ الحكم في 19 منهم ، ناهيك عن ضحايا قصف الطائرات الحربية عليهم . وتتوجت تلك المجازر باغتيال مؤسس الجيش العراقي جعفر العسكري بانقلاب عسكري قاده اللواء بكر صدقي في تشرين الاول 1936 ? أعقبته سلسلة اغتيالات دفعت سياسيين كبار الى الهرب خارج العراق ، ولتنتهي حكومة بكر صدقي باغتياله بعد حوالي عشرة اشهر بانقلاب عسكري جديد ضده ، ليعود السياسيون الهاربون فيستلموا السلطة ويقوموا بتصفية قتلة جعفر العسكري ، وليرتب صهره نوري السعيد بعد استلامه رئاسة الوزراء مؤامرة موهومة أدت الى الحكم بالاعدام على رئيس وزراء حكومة بكر صدقي ،حكمت سليمان . وحاول السعيد اقناع الانكليز بضرورة خلع الملك غازي لاتهامه بمؤازرة انقلاب بكر صدقي ، والذي انتهت حياته بحادث السيارة الغامض في نيسان 1939 ليستلم الحكم الامير عبدالاله ونوري السعيد اللذين كان هناك شك بتدبيرهما الحادث بالتعاون مع الانكليز ، فكان هذا الحادث في واقعه انقلاباً جديداً في الحكم أعقبه اصطدام قادة الجيش بالوصي والسعيد بسبب الموقف من الحرب العالمية الثانية ، مما أربك الوضع السياسي في البلاد عندما هرب الوصي الى الديوانية  ليعمل على اجبار رشيد عالي الكيلاني على الاستقالة ، ومن ثم العمل على تشتيت قادة الجيش الاربعة الرافضين لاقحام العراق في الحرب ،مما ادى الى تحركهم ضده وخلعه عن وصاية العرش ، فغادر البلاد ليعود هو ونوري السعيد على ظهور الدبابات البريطانية عندما وقع الغزو البريطاني الثاني للعراق في مايس 1941 . ومع ان حركة العقداء الاربعة التي عرفت بحركة رشيد عالي الكيلاني ، لم تتعرض للنظام الملكي وانما جعلت الشريف شرف وصياً على العرش بدلاً من الوصي عبدالاله ، وحافضت على العائلة المالكة خلال الحرب بارسالها الى مكان آمن في شمال العراق ، الا أن الوصي عبدالاله ونوري السعيد وبمساعدة الانكليز جلبوا العقداء الأربعة من المنفى رغم مرورعدة سنوات على الحركة ، ونفذ فيهم حكم الاعدام ، وعُلقت جثة العقيد صلاح الدين الصباغ على باب وزارة الدفاع ، فكان هذا أول تنفيذ لحكم الاعدام بقادة عسكريين  عراقيين لاسباب سياسية منذ تأسيس الدولة العراقية ، وربما كان أحد الاسباب لتعليق جثة ولي اعهد عبدالاله على باب وزارة الدفاع يوم 14 تموز 1958 .  وفي الخمسينات من القرن العشرين تصدت الحكومات العراقية الى الانتفاضات الشعبية في الاعوام 1948 ? 1952 ? 1956 ? بالقوة البوليسية وسقط العديد من القتلى والجرحى في المصادمات واعتقل العشرات ،وفصل الطلبة من كلياتهم والموظقين من وظائفهم ، ونفذت أحكام الاعدام ببعض قادة الاحزاب السياسية واسقطت الجنسية عن البعض الآخر . وفقدت السلطة ثقة الاحزاب الوطنية بها التي ائتلفت في جبهة الاتحاد الوطني ونسقت مع تنظيم الضباط الاحرار ،فاسقطت النظام الملكي وحل محله النظام الجمهوري.  ان هذه الاحداث الموثقة تؤكد ان ثورة 14 تموز 1958 لم تكن المفتاح لسيل الدماء وعدم الاستقرار في العراق ، رغم اقرارنا ببشاعة مقتل العائلة المالكة بأجمعها ، وانما بدأ الدم العراقي يسفح لاسباب سياسية منذ الثلاثينات ، فشهد العراق بعد وفاة الملك فيصل الاول سلسلة انقلابات واحداث دموية سبقت قيام النظام الجمهوري بربع قرن .

مشاركة :