دعا مبعوث الولايات المتحدة السابق لعملية السلام في الشرق الأوسط، مارتن إنديك، البيت الأبيض إلى اغتنام الفرصة التي تتيحها زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الشرق الأوسط، لوضع خريطة طريق تؤسس لعلاقات استراتيجية جديدة بين واشنطن والرياض. وشدد إنديك، الذي كان كذلك سفيراً لبلاده في إسرائيل أواخر القرن الماضي ومطلع القرن الجاري، على ضرورة أن يتم صياغة مفاهيم جوهرية لهذه العلاقات، عبر توافق السعودية والولايات المتحدة، على سبل مواجهة التهديدات الاستراتيجية المشتركة، ومن بينها خطر الانتشار النووي، الذي يشكل «المصدر الرئيس لعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط» في الوقت الحاضر. وأشار في هذا الشأن، إلى إمكانية أن يرتبط البلدان باتفاقية إطار عمل ذات طابع استراتيجي، على غرار تلك المبرمة بين الولايات المتحدة وسنغافورة، والتي تنص على التزام واشنطن بتعزيز التعاون الدفاعي والأمني، مع هذا البلد الآسيوي، للتعامل مع التهديدات المشتركة، وتعزيز السلام والاستقرار الإقليمييْن. وقال إنديك إن اتفاقية من هذا النوع، ستُلزم الولايات المتحدة، بالعمل على حفظ توازن القوى في الشرق الأوسط. وفي مقال نُشِرَ في مجلة «فورين أفَيرز» الأميركية واسعة الانتشار، أشار الدبلوماسي الأميركي المخضرم، إلى أن الولايات المتحدة بحاجة إلى «شركاء موثوقين على الساحة الإقليمية» لمواجهة المخاطر التي تُحدق بالشرق الأوسط وتحقيق التوازن في هذه المنطقة، مؤكداً أن بوسع المملكة العربية السعودية، الاضطلاع بدور مهم، على صعيد تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمييْن، بسبب «دورها الريادي في العالمين العربي والإسلامي»، وتأثيرها الهائل على أسواق الطاقة. فالمملكة، كما أكد إنديك تمتلك قدرة إنتاج نفطي فائضة تكفي لإرساء الاستقرار في الأسواق، وهو ما سيؤدي في نهاية المطاف، إلى تخفيف وطأة أزمة المحروقات التي تواجهها الولايات المتحدة، وتدفع معدلات التضخم في أراضيها إلى الوصول إلى أعلى مستوياتها منذ 40 عاماً تقريباً. وينعكس هذا الوضع الاقتصادي والمعيشي سلباً على فرص المرشحين الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس المقررة أواخر العام الجاري، وذلك في ظل مؤشرات تفيد بتزايد دعم الناخبين لمنافسيهم من مرشحي الحزب الجمهوري. وفي المقال الذي شارك في كتابته كذلك المحلل الأميركي المخضرم ستيفن كوك، أكد إنديك، الباحث البارز حالياً في مركز «مجلس العلاقات الخارجية» للدراسات والأبحاث في نيويورك، أن التعامل مع الأزمات المتعددة التي يشهدها الشرق الأوسط وبقاع أخرى في محيطه، يستلزم شراكة راسخة بين الرياض وواشنطن، بما يشمل التوافق على تفاهمات إزاء الكثير من الملفات، ومن بينها الحرب الدائرة منذ أكثر من سبع سنوات في اليمن. وفي هذا الإطار، أشار المبعوث الأميركي السابق للسلام في الشرق الأوسط، إلى دعم السعودية للجهود الأممية الرامية لوقف القتال في اليمن، من خلال موافقتها على الهدنة السارية هناك منذ مطلع إبريل الماضي، والتي تم تمديدها أوائل الشهر الجاري، لشهريْن آخريْن. وأبرز إنديك كذلك تشكيل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، المُكلف بالعمل على التوصل إلى تسوية تفاوضية للصراع في البلاد، مشيراً في الوقت ذاته إلى محاولات التلاعب والمماطلة التي تنخرط فيها ميليشيات «الحوثي» الإرهابية، في ضوء تشبثها بالخيار العسكري، بهدف تحقيق مكاسب على الأرض، عوضاً عن قبول الجلوس على طاولة التفاوض. وخَلُصَ المقال إلى أن التزام الولايات المتحدة بدعم الاستقرار في الشرق الأوسط، وهو ما يبدو مغايراً لمحاولات آخر ثلاث إدارات أميركية للنأي بواشنطن عن الصراعات الدائرة في تلك المنطقة، لا يشكل نزوعا للانخراط في مثل هذه النزاعات، بقدر ما يمثل حماية للأميركيين أنفسهم، من إمكانية الانجرار مستقبلاً إلى أزمات قد تنشب في ذلك الجزء من العالم، باعتبار أن ما يحدث هناك، يؤثر بشكل مباشر على المصالح الأمنية لبلادهم.
مشاركة :