هل تدشن الجزائر مبادرة لمّ الشمل بإطلاق سراح سجناء من العشرية السوداء

  • 7/16/2022
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

أعلنت الرئاسة الجزائرية الخميس عن إعداد "قانون خاص" يخص قرابة 300 فرد من سجناء الأزمة الأمنية في تسعينات القرن الماضي تمهيدا للإفراج عنهم وذلك في إشارة إلى العشرية السوداء أو الحرب الجزائرية على الجماعات الإرهابية فيما يبدو أنها أولى خطوات تنفيذ مبادرة لم الشمل التي أعلن عنها الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون. وقالت الرئاسة في بيان "تم إعداد قانون خاص لقانوني الرحمة (صدر عام 1995) والوئام المدني (صدر عام 1999) يخص 298 محكوما عليهم". وأضافت أن هذا القانون "سيحال الأسبوع القادم إلى اجتماع الحكومة، ليرفع إلى مجلس الوزراء لدراسته والمصادقة عليه قبل إحالته على البرلمان". وكانت أحزاب أعلنت سابقا أنها طلبت من الرئيس عبدالمجيد تبون إصدار عفو بحق سجناء أغلبهم من الإسلاميين أوقفوا خلال أزمة التسعينات في ظل حالة الطوارئ، وصدرت بحق مئات منهم أحكام تصل إلى السجن مدى الحياة. ويرى مراقبون أن القرار يأتي في إطار حالة التناغم بين الرئيس الجزائري والنظام والتيارات الإسلامية خاصة منها ذات الخلفية الإخوانية لكن يأتي أيضا لتدشين مبادرة لم الشمل التي تهدف لتخفيف الضغوط على النظام الذي يواجه معارضة قوية في الشارع ومن قبل مجموعة من النخب. ورغم أن عبدالمجيد تبون انتقد في يونيو من العام الماضي الإسلام السياسي إلا أن هنالك علاقات مصالح بين الطرفين. ◙ تخفيف الضغوط على بعض القوى المعارضة يندرج في إطار مشروع لم الشمل حيث ينوي الرئيس تبون احتواء أكبر عدد من المعارضين للسلطة ففي حوار مع أسبوعية "لوبوان" الفرنسية في يونيو الماضي قال تبون إن أيديولوجيا الإسلام السياسي لن تتواجد مرة أخرى في بلادنا. وأضاف أن "أيديولوجيا الإسلام السياسي التي سعت للاستيلاء على الحكم في التسعينات لن يكون لها أي وجود في الجزائر". لكن يبدو أن التطورات السياسية بدأت تفرض على تبون تغيير موقفه، فالرجل ربما يريد استقطاب الإسلاميين والتيارات الدينية في مواجهة اليسار والقوى الديمقراطية والمدنية التي تسعى وراء التغيير بل والمطالبة بإسقاط النظام. بدورها تسعى التيارات الدينية لاستغلال الخلافات بين النظام والتيارات المدنية لتكون لاعبا رئيسيا في المشهد السياسي وتستغل حالة الفراغ التي تعمقت بتراجع شعبية جبهة التحرير الجزائرية خلال السنوات العشر الماضية بعد أن تعلقت ببعض قادتها المهمين تهم الفساد. وسعت الأحزاب الإسلامية في الجزائر لانتزاع مكانة في المشهد السياسي المتقلب من خلال مشاركتها في الانتخابات التشريعية في يونيو الماضي لكنها لم تحقق مرادها حيث حافظت جبهة التحرير على تصدر المشهد البرلماني رغم حصول حركة مجتمع السلم الإسلامية على المرتبة الثانية مع 64 مقعدا لكن ذلك يظل دون طموح التيارات الإسلامية. وكان تبون طرح مبادرة للم شمل الجزائريين، في إشارة إلى عرض صلح يسمح بعودة الناشطين المعارضين في الخارج، الأمر الذي يُحيي مسار المصالحة الوطنية المفتوح منذ عقدين دون الوصول إلى احتواء نهائي للأزمة في ما يبدو أنها محاولة لتخفيف الضغط الداخلي. وكانت قيادات سياسية غادرت البلاد قد كشفت عن شروع جهات محسوبة على السلطة الجزائرية في فتح قنوات اتصال مع ناشطين سياسيين معارضين يقيمون في مختلف المدن والعواصم الغربية لإطلاعهم على المبادرة وبعرض السلطة لجمع شمل الجزائريين. وسجلت الجزائر في الآونة الأخيرة تراجعا في حدة الاعتقالات التي كانت مسلطة على الناشطين المعارضين والمدونين على شبكات التواصل الاجتماعي، كما لوحظ تخفيف في الأحكام القضائية الصادرة في حق العشرات منهم. ◙ التيارات الدينية تسعى لاستغلال الخلافات بين النظام والتيارات المدنية لتكون لاعبا رئيسيا في المشهد السياسي وخصوصا بعد تراجع شعبية جبهة التحرير ويرى مراقبون أن تخفيف الضغوط على بعض القوى المعارضة يندرج بحسب دوائر سياسية مقربة من السلطة في إطار مشروع لم الشمل حيث ينوي الرئيس تبون احتواء أكبر عدد من المعارضين للسلطة. وتعد مبادرة لم الشمل الثالثة من نوعها في مسار المصالحة الوطنية المفتوحة منذ العام 1999 من طرف الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، ولو تعلقت الأولى والثانية بوقف الحرب الأهلية بين مؤسستي الجيش والأمن من جهة والإسلاميين المسلحين من جهة أخرى، فإن الثالثة توجهت إلى النشطاء السياسيين المعارضين المتواجدين في الخارج. وإذا كانت الطبعتان الأولى والثانية من المصالحة الجزائرية قد أفضتا إلى استعادة السلم والاستقرار إلى ربوع البلاد، وأوقفتا حمام الدم النازف طيلة عشرية كاملة، وسمحتا بعودة أكثر من 20 ألف مسلح إسلامي إلى المجتمع، رغم الانتقادات التي وجهت إليهما، فإن الاحتشام الذي يخيم على مبادرة الرئيس تبون يحد من حظوظها في تحقيق لمّ الشمل خاصة في ظل غياب التفاعل الكبير مع المبادرة. وبالتالي فإن تبون يتوجه إلى تعزيز تفاهمات مع التيارات والأحزاب الإسلامية حيث يعتقد بأنها لا تزال قادرة على التأثير في الشارع. وتحدثت تقارير غربية عن وجود رموز سابقين في الحزب الإسلامي المحظور، في خانة المستفيدين من تدابير مشروع "لمّ الشمل". وأشارت إلى المناضل صديق دعدي الذي كان مقربا من قائد جبهة الإنقاذ المنحلة الراحل عباسي مدني، وأيضا القيادي والنائب من نفس الحزب أنور هدام. وكان صديق دعدي هو الذي وقف وراء المسلسل القضائي المفتوح ضد وزير الدفاع السابق الجنرال خالد نزار أمام المحاكم السويسرية بتهم التعذيب وارتكاب جرائم ضد الإنسانية، في إشارة إلى تعاطي مؤسسة الجيش مع بعض المدنيين أو المنتمين إلى جبهة الإنقاذ خلال حقبة العشرية الدموية (1990 – 2000). وشهدت الجزائر مطلع تسعينات القرن الماضي أزمة أمنية وسياسية بعد إلغاء قيادة الجيش نتائج انتخابات نيابية فاز فيها الإسلاميون ودامت الأزمة سنوات مخلفة 200 ألف قتيل حسب أرقام رسمية، بينما لا توجد حصيلة رسمية بشأن إجمالي القابعين في السجون على ذمة قضايا من تلك الفترة.

مشاركة :