هذه ليست سوى البداية بالنسبة إلى آثار وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية. أظهرت أزمات غذائية سابقة، كتلك في 2008 و2012، أن انعدام الأمن الغذائي يؤدي إلى تفاقم المشكلات القائمة، وفي أسوأ الحالات، قد يتسبب في إشعال نزاعات جديدة. في سريلانكا، التي تناضل لاستيراد الغذاء والوقود، أجبر المحتجون الرئيس على الاستقالة، في حين ذهب المزارعون في بيرو إلى إقامة الحواجز على الطرق ونهب المتاجر مع انقطاع الإمدادات من الأسمدة. يشير نموذج جديد من مجلة Economist إلى أن عشرات الدول تواجه زيادة كبيرة في "أحداث الاضطرابات" مثل الصراعات والاضطرابات السياسية في العام المقبل، في حين قد تواجه دول أخرى كثيرة ارتباكات اقتصادية. ومن الأهمية بمكان أن يتحرك المجتمع الدولي الآن لمنع حلقة مفرغة من النشوء. كما قال ديفيد بيزلي المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي في مقدمته لتقريرنا، يتعين على صناع السياسات أن يعملوا على منع الحرب الدائرة في أوكرانيا من سحق ملايين الأسر المحاصرة في صراع مهلك ضد الجوع. في غياب حلول خارقة لأزمة الغذاء، ينبغي للعالم أن يشرع في إطلاق برنامج عاجل لتخفيف الأضرار مع الحفاظ على منظور طويل الأجل في الوقت ذاته. في الأمد القريب، يتعين على المجتمع الدولي أن يخفف من نار الحرب الروسية الأوكرانية وأن يعمل على إنشاء ممر آمن وتأمين المرافقة البحرية لسفن الشحن التي تحمل 20 مليون طن من القمح العالقة في موانئ أوكرانيا. يتطلب الأمر أيضا بذل جهود متضافرة لتثبيط النزوع إلى فرض تدابير الحماية. منذ الحرب الروسية الأوكرانية، على سبيل المثال، قيدت 23 دولة الصادرات الغذائية، التي تمثل 17.3 في المائة من إجمالي السعرات الحرارية المتداولة. هنا، ينبغي للهيئات المتعددة الأطراف مثل منظمة التجارة العالمية أن تعمل على تشجيع الاقتصادات الكبرى على التنسيق والإفراج عن الاحتياطيات الغذائية لمنع مزيد من ارتفاعات الأسعار. تستطيع الحكومات أن تعمل أيضا على معالجة أزمة تسعير المواد الغذائية من خلال تسليم الإغاثة الإنسانية إلى الفئات الأكثر ضعفا وزيادة تمويل المنظمات الإنسانية التي تكافح تكاليف المشتريات والنقل التي سجلت ارتفاعا شديدا. لكن الإغاثة الإنسانية وحدها لن تكون كافية لمنع أزمة تسعير الغذاء من التحول إلى أزمة توافر الغذاء. نحن في احتياج إلى تعزيز مزيد من الاكتفاء الذاتي من خلال تشجيع الدول النامية على تنويع مصادر وارداتها وتبني تكنولوجيات جديدة لتعديل الجينات بهدف تعزيز غلة المحاصيل، ومن خلال مساعدة الدول الإفريقية على زيادة إنتاجها من الأسمدة. الواقع أن عديدا من الدول، بما في ذلك موزمبيق، وتوجو، وتونس، ونيجيريا، تتمتع باحتياطيات غير مستغلة من المواد الخام اللازمة لتصنيع الأسمدة وتقليل اعتماد إفريقيا عل الإمدادات الروسية. أخيرا، تسلط الأزمة الأخيرة الضوء على أهمية تحسين التنسيق التجاري. على سبيل المثال، تعزز منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية التي أطلقت أخيرا، التجارة بين الأقاليم وتوفر بعض الحماية ضد الصدمات الخارجية في المستقبل. الحق أن استخدام روسيا للأمن الغذائي كسلاح ليس المسؤول الوحيد عن الأزمة الحالية، لكن الحرب بين روسيا وأوكرانيا جعلت الأوضاع السيئة أشد سوءا. نحن نواجه صراعا طويل الأمد، لأننا يجب أن نتصدى ليس فقط لحصار البحر الأسود بل أيضا المشكلات البنيوية التي جعلت العالم معرضا بشدة لارتباكات الإمدادات الغذائية في المقام الأول. خاص بـ"الاقتصادية" حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2022.
مشاركة :