الدستور الجديد لن يجسر الهوة بين التونسيين

  • 7/18/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الدستور الجديد لن يجسر الهوة بين التونسيين الطريق إلى المستقبل في تونس مليئة بالعقبات والتحديات بغض النظر عن الروزنامة السياسية التي ينشدها سعيد، ومن أهم هذه التحديات ما ستفضي إليه المفاوضات العسيرة مع صندوق النقد الدولي. البلاد ليست بمأمن من المفاجآت مثلما كان متوقعا فإن نشر نص الدستور الجديد المقترح على التونسيين من قبل الرئيس قيس سعيد لم ينه التوترات ولم يوضح تماما الوجهة التي تسير نحوها البلاد. ما حدث في الواقع هو أن النص الدستوري الذي سيصوت عليه الناخبون في استفتاء 25 يوليو أدى فقط إلى تصلّب المواقف حول سعيد فيما يبدو أنه مصمم على مواصلة تنفيذ الأجندات التي وضعها نصب عينيه. وبالرغم من “تصحيحه” لعديد الفصول في النص الدستوري بعد نشره في صيغة أولى فإن سعيد لم يهدّئ من مخاوف منتقديه الذين عابوا على الدستور كونه يجمع كل السلطات التنفيذية تقريبا بين يدي الرئيس وحده. فالدستور المقترح ينص على إعطاء رئيس الجمهورية الصلاحيات الحصرية لتعيين رئيس الحكومة وأعضاء التشكيلة الوزارية. وإن كان للبرلمان الحق في التصويت على لائحة لسحب الثقة من الحكومة فإن هذه الأخيرة تبقى مسؤولة فقط أمام رئيس الجمهورية. بالإضافة إلى ذلك بإمكان الرئيس مواصلة تطبيق التدابير الاستثنائية كلما رأى أن البلاد تواجه “خطرا داهما”. ورئيس الجمهورية هو الذي يعيّن أعضاء المحكمة الدستورية ويشرف عن قرب على السلطة القضائية. وبمقتضى الدستور، يقتسم مجلس نواب الشعب السلطة التشريعية مع غرفة ثانية هي “المجلس الوطني للجهات والأقاليم”. وبإمكان الناخبين سحب وكالة النائب حسب شروط يحدّدها القانون. ومن المفارقات أن انتقادات المواطنين السابقة للبرلمان على أنه كان يعيق عمل السلطة التنفيذية قد حلت محلها تخوفات من أن يؤدي الدستور الجديد إلى إضعاف السلطة التشريعية. إبحار سعيد بمفرده في بحر المشاكل التي تواجهها تونس من أجل تطبيق رؤياه الخاصة لا يجعله هو ولا البلاد بمأمن من المفاجآت التي قد تطرأ نتيجة للتقلبات المزاجية للرأي العام على صعيد آخر أعاد النقاش حول النص الدستوري البلاد إلى مربع الجدل العقيم حول علاقة الدين بالسياسة ومكانة الهوية في الدولة، وهو جدل كان محتدما خلال العقد الماضي. وإن كان المدافعون عن سعيد يقولون عن الرئيس التونسي إنه ليس من مناصري الإسلام السياسي، فإن العديد من منتقديه من بين الحداثيين يتوجسون من المفاهيم المحافظة التي تضمنها النص الدستوري الذي يقول في فصله الخامس إن “تونس جزء من الأمّة الإسلامية” وتعمل الدولة فيها لوحدها “على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النفس والعرض والمال والدين والحرية”. حاول الرئيس سعيد إزالة مخاوف منتقديه بالتنصيص على أن عمل الدولة من أجل تحقيق “مقاصد الإسلام” سوف يتم “في ظل نظام ديمقراطي”. ولكنّ المعترضين على ذلك في نص الدستور لم يروا في الإضافة توضيحا مقنعا معبرين عن خشيتهم من أن يفتح هذا الفصل الباب أمام سعيد أو الرئيس الذي يأتي بعده للقضاء على مفهوم الدولة المدنية بصفة نهائية. ومن المفارقات أنه رغم الانتقادات التي طالت النص الدستوري فإن الكثير من التونسيين يراودهم الخوف اليوم مما قد يحدث لو فشل النص الدستوري في الاستفتاء وخاصة أن الرئيس لم يلتزم بالاستقالة أو بتنظيم انتخابات سابقة لأوانها في حال صوّتت أغلبية الناخبين ضد مشروع الدستور. رغم كل ذلك فإن عودة المنظومة السياسة السابقة لتاريخ 25 يوليو 2021 (يوم التجأ سعيد إلى الأحكام الاستثنائية لتجميد البرلمان وحل الحكومة)، قد أصبح في حكم المستحيل تقريبا. فتلك المنظومة فقدت بشكل كبير مصداقيتها وأصبح أغلب الناس  ينظرون إلى دستور 2014 على أنه مصدر أزمات البلاد السياسية والدستورية وما تسببت فيه من تدهور للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وقد استفاد سعيد في تثبيته لأركان حكمه من الانطباعات السلبية التي تركتها المنظومة السابقة. فيما وجدت الأحزاب السياسية المعارضة لقيس سعيد نفسها في وضع صعب وغير قادرة إلى حد الآن على حشد المساندة الشعبية  لصالحها. أما النقابات وإن لم تخف انتقاداتها لسعيد فهي لم تشأ التحالف مع أي من الأحزاب المعارضة له. ومن بين الأحزاب التي كانت في السلطة سابقا هناك بالخصوص حركة النهضة التي تعاني من تآكل ثقة الشارع وتراكم المتاعب القانونية التي تواجهها بالإضافة إلى انقساماتها الداخلية وما تركه سوء أدائها في الحكم من انعكاسات سلبية عليها. وقد شجّع استمرار المساندة الشعبية الرئيس سعيد على مواصلة سعيه نحو إعادة تشكيل النظام السياسي حسب تصوراته الذاتية وبمعزل عن  أهم الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني. ومن المتوقع أن يحصل النص الدستوري على موافقة أغلبية المشاركين في الاستفتاء مما سوف يمهّد السبيل أمام الانتخابات البرلمانية السابقة لأوانها في ديسمبر القادم. أكبر خطر تواجهه البلاد اليوم قد يتأتى من تدهور الأوضاع الاقتصادية وما يعنيه ذلك من تداعيات اجتماعية. وما قد يفاقم الوضع هو استمرار حالة الاستقطاب والتشظي بين صفوف النخبة السياسية حول مشروع الرئيس ويعزز فرضية فوز المصوتين بنعم على الدستور الجديد كون معظم معارضيه ليسوا فقط مشتتين وإنما يتجهون عامة إلى مقاطعة التصويت. وفِي الأثناء لا أحد يستطيع التنبؤ بنسبة المشاركة في عملية الاقتراع على الدستور. وقد حصل المشروع السياسي لسعيد على مساندة غير متوقعة من الخارج عندما دعا الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في وقت سابق من هذا الشهر الناخبين التونسيين إلى التصويت “بكثافة” في الاستفتاء، في موقف يعكس إشغال عديد الأطراف الإقليمية والدولية – كل على طريقتها – بتطورات الوضع في تونس وما قد ينجر عنها من انعكاسات. وكان من الملفت في الأثناء ما أظهره سعيد من استعداد براغماتي  لتعديل المسار حسبما يراه من ضرورة. من ذلك قبوله بإدخال “إصلاحات” على نص الدستور بناء على الانتقادات التي أثارها ومن جملتها إزالة الإشارة “للآداب العامة” كأحد الاعتبارات التي يمكن أن تبرر فرض قيود على الحريات. كما حاول سعيد طمأنة التونسي في خطاب تلفزيوني ليلة عيد الأضحى بأنه ليست له أية تطلعات استبدادية. كما اجتنب سعيد منذ البداية إقحام الدستور في مسائل حساسة مثل تجريم التطبيع مع إسرائيل، وإن كان قد أشار في النص الدستوري إلى التزام تونس بمساندة حقوق الشعب الفلسطيني. لكن  الطريق إلى المستقبل في تونس لا تزال مليئة بالعقبات والتحديات بغض النظر عن الروزنامة السياسية التي ينشدها سعيد. ومن أهم هذه التحديات ما ستفضي إليه المفاوضات العسيرة مع صندوق النقد الدولي والتي قد تؤدي إلى إجبار سعيد على القبول بإصلاحات اقتصادية مؤلمة تتناقض وسردياته الشعبوية. وفِي معالجته للمشاكل القائمة لا يمكن في الواقع للرئيس التونسي أن يستمر في السير بمفرده والامتناع عن أي حوار جوهري مع الفاعلين السياسيين والاجتماعيين المؤثرين في البلاد. كما أن إحساسه بالطمأنينة نتيجة للمساندة التي يلقاها في الداخل ولقبول الأطراف الخارجية بتمشيه الحالي – على الأقل ضمنيا – بقراراته ليس مبررا كافيا لمواصلة عزفه المنفرد. وهناك من يشير إلى أن من مصلحة سعيد نفسه توسيع رقعة الاستشارة حوله. فباعتبار كونه يسيطر على معظم دواليب السلطة فسوف يجد نفسه بالضرورة متحملا لأكبر جانب من اللوم إذا ما سارت الرياح بما لا تشتهي السفن. وأكبر خطر تواجهه البلاد اليوم قد يتأتى من تدهور الأوضاع الاقتصادية وما يعنيه ذلك من تداعيات اجتماعية. وما قد يفاقم الوضع هو استمرار حالة الاستقطاب والتشظي بين صفوف النخبة السياسية حول مشروع الرئيس. إن إبحار سعيد بمفرده في بحر المشاكل التي تواجهها تونس من أجل تطبيق رؤياه الخاصة لا يجعله هو ولا البلاد بمأمن من المفاجآت التي قد تطرأ نتيجة كل الأخطاء الممكنة أو التقلبات المزاجية للرأي العام. وذلك في نهاية المطاف ليس من شأنه أن يوفر ضمانا كافيا للبلاد كي تصل بأمان إلى برّ السلامة وتجاوز الأخطار المحدقة. أسامة رمضاني رئيس تحرير العرب ويكلي

مشاركة :