يلاحظ المتابعون للشأن التونسي هدوءا كبيرا قبل الاستفتاء على مشروع دستور الجمهورية التونسية المقرر في الخامس والعشرين من يوليو الجاري فيما لا توحي الشوارع بوجود استفتاء حيث تغيب مظاهر الدعاية إلى حد كبير في أغلب المدن، سوى من بعض الأنشطة على شبكات التواصل الاجتماعي التي تحض على التصويت بنعم او بعض الحملات الميدانية المناصرة لتوجه الرئيس قيس سعيد. ويبدو أن الرئيس قيس سعيد صار واثقا من إنجاز الاستفتاء بل وتمريره “بنعم” بنسب كبيرة، فيما تبدو المعارضة -وفي مقدمتها حركة النهضة الإسلامية- يائسة من جدوى وضع عراقيل أمام الاستفتاء. وياتي هذا الهدوء فيما شهدت تونس في الأشهر الأخيرة حملات ممنهجة في وسائل الإعلام بين أنصار ومؤيدي قيس سعيد من جهة وقوى رافضة للدستور تتصدرها جبهة الخلاص الوطني وبعض القوى اليسارية والاجتماعية وبعض الشخصيات السياسية المعروفة من جهة أخرى. وقد كانت التحذيرات التي أطلقها قيس سعيد من إمكانية قيام قوى -لم يسمها- باختراق الانتخابات إلكترونيا قد أثارت جدلا واسعا في الداخل التونسي فيما سعت حركة النهضة مرارا لاتهام الرئيس بالتنكر للديمقراطية من خلال الإصرار على دستور تقول إنه لا يحظى بتأييد واسع ويكرس سلطات مطلقة للرئيس ولا يضمن التفريق بين السلط. بعض القوى المعارضة للدستور الجديد سعت إلى انتقاد سعيد بسبب مراجعته لبعض الفصول التي طالتها أخطاء ولوحظت الحملات التي قامت بها بعض وسائل الإعلام القريبة من الإسلاميين المرئية منها أو المسموعة أو المكتوبة إضافة إلى شبكات التواصل الاجتماعي لاتهام الرئيس سعيد بالتسلط والاستبداد، لكن يبدو أن صوت تلك الحملات خفت في الآونة الأخيرة نظرا لإصرار قيس سعيد على المضي قدما في مشروعه وانطلاق الحملات العفوية من قبل بعض المقربين منه لتفسير فصول مشروع الدستور الجديد. والثلاثاء الماضي قال الرئيس التونسي إن النيابة العمومية بدأت التحقيق في هجمات إلكترونية على المنصة الخاصة بتسجيل الناخبين، لكنه لم يسم الجهات المتورطة في تلك الهجمات وتغيير مراكز الاقتراع “في محاولات يائسة لإدخال الفوضى والإرباك يوم الاستفتاء”، وفق ما جاء في بيان صدر عن الرئاسة. وقال قيس سعيّد إنه جرى الكشف عن 1700 هجوم إلكتروني أو اختراق، وتم سماع 7 أشخاص من قبل الجهات الأمنية المختصة، في انتظار سماع كل من سيكشف عنه البحث، ما مثل أكبر هجمة على عملية الاستفتاء في محاولة لتعطيل المسار. وسعت بعض القوى المعارضة للدستور الجديد إلى انتقاد الرئيس بسبب مراجعته لبعض الفصول بداية الشهر الجاري واستغلت بعض الأخطاء التي قرر الرئيس إصلاحها في حملتها الشعواء ضده إضافة إلى استغلال التدهور الاقتصادي عبر تحميل قيس سعيد المسؤولية، لكن يبدو أن تلك الحملات المختلفة لم تسفر عن نتيجة لأن الأصداء تؤشر على أن المشاركة ستكون كثيفة فيما ضاعف أنصار الرئيس جهودهم لدفع الناس إلى التصويت عبر حملات ميدانية في عدد من المحافظات رغم أنها تظل وفق مراقبين غير كافية مع غياب مظاهر الدعاية. وبالرغم من ذلك لا يزال التونسيون يثقون في الرئيس الذي يوصف بالنزيه، ويعتبرون أن الاستفتاء على الدستور هو استفتاء على إصلاحاته وخياراته بعد إجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021. سعيد يمضي قدما في مشروعه سعيد يمضي قدما في مشروعه وفي محاولة يبدو أنها الأخيرة لدفع الناس إلى عدم التصويت على الدستور الجديد طالب القيادي في جبهة الخلاص الوطني جوهر بن مبارك التونسيين بتجاهل دعوات الرئيس المتكررة للمشاركة بكثافة في الدستور. وقال بن مبارك في تدوينة عبر صفحته الرسمية على فيسبوك ” أطالب التونسيين بحمل أبنائهم إلى البحر والاستمتاع بالسباحة عوض المشاركة في استفتاء على دستور غير شرعي”. ولعلّ هذا الموقف كرره القيادي في حزب التيار الديمقراطي نبيل حجي الذي دعا التونسيين في حوار بإذاعة محلية إلى تجاهل دعوات الرئيس، مشككا في نزاهة العملية، لكن يبدو أن تلك المحاولات باتت يائسة اليوم وأن الاستفتاء على الدستور أصبح واقعا مع حديث رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر عن ضرورة إنجاح الاستحقاق. وبدأت حملة الاستفتاء منذ الثالث من الشهر الجاري وتستمر حتى يوم الثالث والعشرين منه، وتشمل المعارضين والمؤيدين لمشروع الدستور الجديد. وفي حين أعلنت أغلب أحزاب المعارضة عن مقاطعتها للاستفتاء قرر حزب آفاق تونس الليبرالي أن يشارك في حملة مضادة من أجل دعم التصويت بـ”لا”، وهو ما جعله عرضة لانتقادات المقاطعين. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :