قال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير إن الحرب الروسية – الأوكرانية أظهرت أن هيمنة الغرب تشهد نهايتها في ظل صعود الصين لتكون قوة عظمى بالشراكة مع روسيا، في أوضح نقاط التغير في المشهد العالمي منذ قرون. وأضاف بلير أن العالم الآن في مرحلة تحول تاريخي يمكن مقارنتها بمرحلة نهاية الحرب العالمية الثانية أو انهيار ما سُمي بالاتحاد السوفييتي سابقا، لكن هذه المرة من الواضح أن الغرب ليس في الكفة الراجحة. ووفقا لنص محاضرة ألقاها في منتدى لدعم التحالف بين الولايات المتحدة وأوروبا في ديتشلي بارك غرب لندن وحملت عنوان “بعد أوكرانيا، ما الدروس الحالية للقيادة الغربية؟” قال بلير “نحن نشهد نهاية الهيمنة السياسية والاقتصادية الغربية”. خبراء ودبلوماسيون يرون أن الحرب في أوكرانيا ستمثل اختبارا صعبا للغرب وقدرته على الاستمرار كقوة متماسكة في مواجهة روسيا وتابع “سيصبح العالم ثنائي القطب على الأقل أو متعدد الأقطاب… التغيير الجيوسياسي الأكبر في هذا القرن سيأتي من الصين وليس من روسيا”. وأشار إلى أن حرب أوكرانيا أوضحت بما لا يدع مجالا للشك أن الغرب لا يمكنه الاعتماد على الصين “لتتصرف بطريقة نعتبرها عقلانية”. وقال بلير “مكان الصين كقوة عظمى طبيعي ومبرر. إنها ليست الاتحاد السوفييتي”، لكنه أردف قائلا إن على الغرب ألا يسمح للصين بالتفوق عسكريا. وأضاف “علينا أن نزيد من الإنفاق الدفاعي ونحافظ على التفوق العسكري”، مشيرا إلى أنه يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها “أن تكون لهم الغلبة (عسكريا) بما يكفي للتعامل مع أي احتمال أو نوع من الصراع في كل المناطق”. وشغل بلير منصب رئيس وزراء بريطانيا في الفترة الممتدة من 1997 إلى 2007. وليس بلير وحده الذي استخلص مثل هذه الاستنتاجات والتوقعات، فالكثير من الدبلوماسيين السابقين والخبراء والباحثين الاستراتجيين يرون أن الحرب في أوكرانيا ستمثل اختبارا صعبا للغرب وقدرته على الاستمرار كقوة متماسكة في مواجهة روسيا، خاصة بعد التراجع عن خيار دعم أوكرانيا في الحرب عسكريا والاكتفاء بدعم محدود عبر إرسال أسلحة غير متكافئة مع ما يعتمده الروس في الميدان، وسهولة استهدافها وإتلافها قبل اعتمادها في الحرب. Thumbnail ويقول الخبراء إن الأداء الغربي إلى حد الآن يعد بمثابة صدمة ستصيب صورة أوروبا ليس فقط لدى شعوب الاتحاد الأوروبي وإنما أيضا لدى تلك التي تحلم بأن تصبح ضمن عضويته، وكذلك صورة الولايات المتحدة على مستوى العالم خاصة بعد أن اختارت واشنطن الانسحاب من الحروب المباشرة وترك الميدان لنظرائها. ولن يكون الجانب العسكري المتضرر الأبرز، فالدخول في حرب غير مضمونة العواقب مع روسيا ترتبت عليه أزمة اقتصادية مست أوروبا بالدرجة الأولى على مستوى الغاز كما مست العالم ككل وتسببت في بروز أزمة غذائية كبرى. ووصف جيه ميرشايمر -الباحث وأستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو- الحرب في أوكرانيا بأنها إعصار سيصيب الاقتصادات الغربية. وقال “عندما تكلل أي حرب بالنجاح لا يهتم أحد كثيرا بأسبابها، ولكن عندما تكون نتيجتها كارثية يصبح فهم كيف حدثت أمرا مهما للغاية. ويود الجميع معرفة كيف تم الوصول إلى هذا الموقف المروع”. ويرى الخبراء أن الولايات المتحدة -التي دفعت أوروبا إلى خوض مغامرة الحرب في أوكرانيا- ظلت تراقب الوضع من بعيد وتكتفي بإرسال أسلحة محدودة العدد والفاعلية، فيما يتجه اهتمامها إلى وجهة أبعد هي الصين التي يعتبرها الكثير من الأميركيين عدوا استراتيجيا رئيسيا فيما روسيا لا تعدو أن تكون عدوا ثانويا. ويرى إلبريدج كولبي -النائب السابق لوزير الدفاع الأميركي للشؤون الاستراتيجية وتطوير القوات- أنه ينبغي أن تركز السياسة الخارجية الأميركية بسرعة بعد الحرب الروسية – الأوكرانية، وحتى خلالها، على المنطقة الأكثر حسما في العالم وهي آسيا. وأكد كولبي في تقرير نشرته مجلة ناشيونال أنتريست الأميركية أن الغزو الروسي لأوكرانيا لم يغير الكثير، وعلى إدارة جو بايدن ألا تنسى حقيقة أن آسيا هي أكبر منطقة أسواق في العالم، وأن حصتها العالمية تتنامى.
مشاركة :