في 12 يوليو (تموز)، أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2642 الذي يمنح الأمم المتحدة تفويضاً جديداً لتقديم مساعدات إنسانية عبر الحدود إلى شمال غربي سوريا لمدة ستة أشهر. ووُصف القرار بأنه حل وسط بين المجتمع الدولي وروسيا، لكنه في الحقيقة، جاء نتيجة الإذعان لحق النقض العدائي الروسي. ولا يمنح الإطار الزمني البالغ ستة أشهر الحكومات المانحة والأمم المتحدة والهيئات المنفذة سوى نافذة زمنية موجزة للتركيز على توصيل المساعدات قبل أن يضطر الدبلوماسيون إلى الاستعداد لمعركة متجددة مع روسيا في أروقة الأمم المتحدة، لضمان وصول المساعدات مرة أخرى. وهكذا، وضعت موسكو العالم حيث تريد أن يكون: على حافة الضعف والهاوية. إن أكبر الضحايا هنا، كما كان الحال في كثير من الأحيان، هم من المدنيين السوريين الذين يعيش 4.5 مليون منهم على الأقل في شمال غربي سوريا، 80 في المائة منهم هم من النساء والأطفال. وقد نزح 70 في المائة منهم على الأقل. ويعتمد أكثر من 90 في المائة من الـ4.5 مليون شخص اعتماداً كاملاً على مساعدات الأمم المتحدة المقبلة عبر تركيا، في جهد ضخم يصل إلى 1000 شاحنة مساعدات شهرياً. وكان مطلب روسيا في الأمم المتحدة، الذي يشاركها فيه حليفها نظام الأسد، ألا تضع الأمم المتحدة الأولوية عبر الحدود، وبدلاً من ذلك، أن تركز على تقديم المساعدات عبر الخطوط عن طريق دمشق. ومع ذلك، لم يسمح النظام السوري في الأشهر الـ12 الماضية سوى بدخول ما مجموعه 60 شاحنة من المساعدات عبر خط الحدود في شمال غربي سوريا، وهو رقم يتضاءل بالمقارنة مع ما يقرب من 12 ألف شاحنة قدمتها الأمم المتحدة عبر حدود تركيا خلال الفترة الزمنية نفسها. وحتى مع وصول المساعدات عبر الحدود بشكل آمن، تجمد النازحون السوريون حتى الموت، بسبب البرد، في المخيمات ذات الموارد الضعيفة في الشمال الغربي من البلاد في كل شتاء. وإذا توقف توصيل المساعدات في وقت لاحق من هذا العام، فإن هذا سيؤدي إلى «كارثة إنسانية» سريعة، حيث يتلاشى ما لا يقل عن 70 في المائة من احتياجات المنطقة الغذائية على الفور. ووفقاً للبيانات التي جمعها برنامج الغذاء العالمي، كان اجتياح فلاديمير بوتين غير القانوني لأوكرانيا، في وقت سابق من هذا العام، هو المحرك الرئيسي المسؤول عن ارتفاع أسعار الغذاء بنسبة 60 في المائة داخل سوريا. وقد اضطر برنامج الغذاء العالمي نفسه إلى خفض حجم سلال الغذاء في سوريا بنسبة تصل إلى 20 في المائة بسبب زيادة تكاليف الغذاء. ذلك أن استخدام روسيا الآن لحق النقض في الأمم المتحدة، لتأجيج المعاناة الإنسانية على مستوى أكبر، يعكس عدم الاهتمام بمستوى غير عادي من الرعاية الإنسانية. ومنذ عام 2014، تبرع المجتمع الدولي جماعياً بمبالغ هائلة من المال للأمم المتحدة لتسليم المساعدات عبر الحدود، بالكامل تقريباً، من خلال تفويض من مجلس الأمن، إلى المحتاجين إليها في مختلف أنحاء سوريا. وإذا واصلت روسيا سبيلها، فإن هذه المليارات من الدولارات ستضخ عبر دمشق، حيث يُعرف عن نظام الأسد أنه يسحب 50 في المائة من التمويل بطرق أسعار صرف مشوهة، قبل تمكين «الهلال الأحمر العربي السوري» من تحويل ما يصل إلى 50 في المائة من المساعدات إلى القوات الموالية للنظام. وببساطة، فإن الآليات القائمة التي يستخدمها المجتمع الدولي لدعم جهود المساعدات الأممية داخل سوريا لا تفعل أكثر من تمويل النظام وتقديم المساعدة إلى قواته الأمنية. وبالتالي، فقد مضى وقت طويل على اعتماد المجتمع الدولي نهجاً مختلفاً وأكثر عدلاً لمساعدة المحتاجين في سوريا. إن النظام السوري، المرتبط بجرائم حرب أكثر توثيقاً مما فعله النظام النازي في نورمبيرغ، لا يستحق أن يحدد كيف يساعد العالم الملايين من البشر الذين أمضى النظام طيلة عقد من الزمان في قصفهم، وحرقهم بالأسلحة الكيماوية، والتعذيب جماعياً. ومع بقاء ستة أشهر قبل إجراء تصويت آخر على مسألة الوصول عبر الحدود، يتعين على زعماء العالم أن يصعدوا من استعدادهم لما عُرف منذ فترة طويلة باسم «الخطة البديلة» لتوصيل المساعدات إلى المحتاجين في سوريا. خلال الأشهر الأخيرة، جرت مناقشات مستفيضة بين الولايات المتحدة وتركيا وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا بشأن هذه الخطة البديلة، وكذلك ضمن «مجموعة الاتصال» بشأن سوريا التي شُكلت مؤخراً، والتي تضم أيضاً حكومات إقليمية مثل السعودية ومصر وقطر والأردن والعراق. وهذه الدول مجتمعةً أكثر من قادرة على توفير الموارد، إلى جانب كثير من الدول الأخرى ذات التوجهات المشتركة، وهي مهمة مساعدات دولية جادة وفعالة للوصول إلى المحتاجين في شمال سوريا، من دون خوف لا مبرر له من قيام روسيا بقطع إمدادات الإغاثة في الأمم المتحدة. ونظراً إلى قلق تركيا الكبير على استقرار شمال غربي سوريا، فقد جعلت من نفسها لاعباً أساسياً طوعياً في أي جهود للخطة البديلة، غير أن هذا سوف يتطلب توحيد الجهود. وبفرض رقابة أفضل على تقديم المساعدات، يمكن للمجتمع الدولي أن يتجه أيضاً نحو تقديم مزيد من المساعدة الاستراتيجية والاستثمار، في بيئة تتجمد فيها الصراعات الحركية إلى درجة كبيرة. إن استمرارنا في توفير الخيام والسلال الغذائية بعد مرور أكثر من 11 عاماً على اندلاع الأزمة في سوريا، هو انعكاس سيئ لاستجابتنا الجماعية. فالوحشية التي ارتكبها نظام الأسد، إلى جانب روسيا وإيران، تعني أن السوريين المحرومين من سيطرة النظام لا يزالون بحاجة إلى مساعدات طارئة، لكن أكثر ما يحتاجونه هو المساعدة في تحقيق الاستقرار والاستثمار الموجه الذي يهدف إلى بناء القدرات المحلية، وتحقيق الترابط عبر الخطوط، والاقتصادات المحلية المستدامة ذاتياً. إن العالم في حاجة ماسة إلى إطلاق نهج أكثر جدوى وفاعلية في التعامل مع السياسة السورية، أي نهج يساعد أولئك الذين يحتاجون إلى المساعدة، لكنه يهدف أيضاً إلى خلق وقائع تعمل على تعزيز هدف التسوية السياسية في المستقبل. والواقع أن هذه السياسة الإصلاحية، التي يمكن وصفها ببساطة بأنها «التجميد والبناء»، من الممكن أن تعد بذلك. - خاص بـ«الشرق الأوسط»
مشاركة :