يوم أمس.. وقبل يوم واحد من استدعائه (اليوم 19/7), للمثول أمام قاضي التحقيق في شُبهات «تبييض أموال وإرهاب"، وبعد ثلاثة أيام من تلويحه بسيناريو سريلانكا في تونس, وتكرار إتهامه الرئيس/سعيّد بالديكتاتورية، وخصوصاً قبل أسبوع واحد من موعد الاستفتاء على الدستور/الجديد الذي طرحه سعيّد في 25 الجاري, خرج رئيس جزب/حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي (الذي يرأس التيار الإسلامي التونسي منذ تأسيسه عام/1972 تحت اسم/الجماعة الإسلامية، ولاحقاً/الاتجاه الإسلامي، إلى أن استقر على اسم حزب حركة النهضة منذ نصف قرن, بعد نجاحه في تصفي? رهط المؤسسين الذين بدأوا معه مشوار أسلمة تونس، وعلى رأسهم بالطبع الشيخ عبدالفتاح مورو الذي خذله الغنوشي بدعوته أنصار الحركة إلى عدم التصويت له, عندما نافس/مورو على موقع رئاسة الجمهورية، واختار الغنوشي وأنصاره في النهضة التصويت للمرشح «المغمور"/قيس سعيّد, الذي يبدي الغنوشي الآن «ندمه» على التصويت له. علماً أنّه لم يُصوّت له عن قناعة بل نكاية في «نائبة» الشيخ مورو, وخصوصاً رهانه على إمكانية احتواء قيس سعيد والسيطرة عليه, كونه جديد على عالم السياسة، ما يُسهل عملية احتوائه. كون النهضة كانت عام 2019 الحزب الأول في البرلمان التونسي الذي ترأسه الغنوشي حتّى 25 تموز 2021. ما علينا.. حفِلت المقابلة المُطولة التي منحها الغنوشي ليومية «العربي الجديد» اللندنية/أمس (اختيار التوقيت ليس عبثاً)، بكثير من المزاعم والإدعاءات بل والتنظير غير المسبوق عن الديمقراطية والثورة والتغيير والحوار, التي ساقها الغنوشي في معرض اتهامه للرئيس سعيد بالديكتاتورية, في رِهان على قِصر ذاكرة الجمهور وقناعة لديه بقدرته على ضخ المزيد من الشعارات وقلب الحقائق والظهور بمظهر الضحية هو/وحركته, التي ما تزال الأولى في البرلمان على حد زعمه، مُرتكزاً على نتائج انتخابات 2019 التي تراجع فيها عدد مقاعدها من 89 مقعداً عام 2011 ?م 69عام 2014 إلى 52 مقعداً في 2019، فضلاً عن الانشقاقات العديدة والاستقالات المتتالية وخصوصاً عمليات الطرد والفصل, التي طالت قيادات وازنة و"تاريخية» في مسار حركة النهضة «الإسلامية» منذ عام 1972 حتى الآن. ناهيك عن امتناع أو قُل مُراوغة الغنوشي ورفضه عقد مؤتمر عام لحركة النهضة، علماً أنّ آخر مؤتمر عقدته الحركة كان في شهر أيار 2016. وها هو الغنوشي في مقابلته الطازجة يوم أمس يقول رداً على السؤال التالي:"في زحمة الأحداث، هل تُفكرون في مؤتمر للنهضة؟ أم أن الملف الوطني طغى على كل شيء"؟, يُكرر نهج المراوغة واختلاقالذرائع علماً أنّ «زحمة الأحداث» لم يزد عمرها عن عام واحد بينما المؤتمر يعقد كل أربع سنوات.. يُجيب الغنوشي: الملف الوطني طغى على كل شيء، هناك –أضاف سماحته- لجان ما تزال تعمل على المؤتمر، لجنة المضامين واللجنة المادية, (نتحيّن الفرص لعقده).. بـ"مجرد أن يتهيأ لنا مناخ سياسي يسمح بعقد المؤتمر سنعقِده، وأنا – وهنا يكرر ما كان قاله سابقاً أكثر من مرة ولم يلتزمه أبداً- وأنا لست مُرشحاً للموقع القيادي الأول في الحركة. فورا يُعاجله الصحافي بسؤال يستبطن الكثير كونه (الغنوشي) نكث بوعده في هذا الشأن: هل أخذت قراراً بعدم الترشح؟. نعم، يُجيب الشيخ.. دون أن يُحدد موعداً لمؤتمر كان يُفترض عقده قبل عامين (2020) وفق النظام الداخلي للحركة. ما يميز إجابات الشيخ الغنوشي هو ارتفاع منسوب الشخصانية فيها وتقمّص مكشوف للظهور (وحركته) بمظهر الضحية والمُستهدَف، حيث لا ذنب له ولحركته سوى أنهم «دُعاة ديمقراطية وحرية تعبير وثوار»، فيما غيرهم وعلى رأسهم الذي بات موضع شيطنة وتخوين وتشويه سُمعة الرئيس سعيد، «لا همّ له سوى السلطة واقتِسام كعكتها وامتيازاتها, في محاولة لا تتوقف للإيحاء بأنّ ثورة الحرية والكرامة أو ثورة (14 جانفي/2011) لم تكن سوى من صناعة حركة النهضة, وأنّها «الديمقراطية» الوحيدة الباقية من بين «ثورات» الربيع العربي. وكانت تونس عاشت «كما قال الغنوشي» خلال عشر سنوات سابقة حرية وديمقراطية معاصرة، «لا تَقِلّ» عن حرية العواصم الديمقراطية مثل لندن وباريس وبرلين وواشنطن، مضيفاً: إنّ التونسيين لن يتنازلوا عن ذلك. متجاهلاً «فضيلته» ما قاله فيها وعنها «حليفه» السابق/منصف المرزوقي, عندما حمّل النهضة وشيخها مسؤولية انهيار الأوضاع في تونس, وأنانيتها ورغبتها في أسلمة المجتمع والسيطرة على مفاصل الدولة. في السطر الأخير.. يُصنّف الغنوشي الرئيس قيس سعيد على النحو التالي «مَوقعه/أي سعيد تاريخياً ما بعد الخلفاء الراشدين, وما قبل الإصلاح الإسلامي وما قبل الحداثة».. فـ "تأملوا».. خصوصاً أنّه لم يُصنِّف نفسه ولم يُصنف حركته وبرنامجها. وخاصة الى أي عصر تنتمي وتسعى الى إحيائه والتشبّه به. (الراي)
مشاركة :