'دوائر الخطر' في مصر والوطن العربي

  • 7/20/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

حدد أستاذ القانون والعلاقات والتنظيم الدولي د.عبد الحافظ الكردي ثلاثة دوائر خطر على مصر وعموم الوطن العربي، مع تمديدات الدول، والأمن والسلام الدوليين، أولا تراجع دور القوى الناعمة متمثلة في الثقافة والتعليم والبحث العلمي والإعلام والنخبة، ثانيا إرهاب شيطاني التكوين، ناكر للأوطان، مكفر لغير عشيرته، دموي التوجه، في صدام مع الحضارات الإنسانية، مركزي المصدر والتخطيط، لا مركزي التنظيمات والتشكيلات والتنفيذ، ومتنامي الانتشار والتمدد العابر للحدود والقارات. تموله وتدعمه وتوفر له الغطاء قوى دولية وإقليمية، تسخر أدواته لإثارة الفوضى وخوض حروب بالوكالة لحساب مصالحها ولخدمة أجنداتها. ثالثا خطر فارسي يسعى للتمدد الطائفي على حساب الأرض والمقدرات العربية وهوية بعض شعوبها. وحول الخطر الأخير قال د.الكردي في كتابه "مصر والوطن العربي دوائر الخطر" الصادر عن دار الكتب خان "إننا أمام نظام ـ يقصد النظان الإيراني ـ لم ينتقل من حالة الثورة التي يسعى لتصديرها خارج حدوده إلى حالة الدولة المحبة للسلام التي تلتزم قواعد القانون الدولي، وفي مقدمتها احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شئونها الداخلية. بل لقد تعهدت إيران في دستورها "المادة رقم 154" بتصدير ثورتها، التي وصفتها بالإسلامية، واعتبرت زورا واستكبارا وفوق حجمها وبالمخالفة لتركيبتها الثقافية والفكرية وميراثها الطائفي وسجلها التوسعي وممارساتها الاستيطانية، أن رسالتها عالمية تستهدف سعادة الإنسان وخير المجتمعات البشرية كافة. وتشكلت لذلك مراكز ثقافية في العديد من الدول العربية والأفريقية، وجرى إلحاقها بما يسمى "الحرس الثوري" للنظام. وأضاف أن الفارسيين ينطلقون في ذلك من منظور عنصري، ونزعة مركبة، استعلائية واستعمارية، إذ يرون أنفسهم منحدرين من الجنس الآري، شأن النازيين الألمان، الأمر الذي رسخ لديهم عقيدة التميز العرقي، وعقدة الاستكبار على غيرهم، وبصفة خاصة العرب الساميون، وكما تحالفوا قديما مع المغول لإسقاط آخر المماليك العربية في بغداد سنة 1258م، فإنهم لا يمانعون اليوم التحالف مع الشيطان لإلحاق الأذى بالأمة العربية والإضرار بمصالح شعوبها، وإشعال الفتن وإثارة النزعات الطائفية في مجتمعاتها، وتقسيمها إلى دويلات تتقاسم ابتلاعها مع من كان بالأمس عدوا وصفته بـ "الشيطان الأكبر". وأشار د.الكردي إلى أن الأوضاع المأساوية في العراق وسوريا وليبيا واليمن والتي تحمل معها مخاطر الصراعات الطائفية والحروب الأهلية والتفتت والتقسيم وإسقاط الدولة الوطنية المدنية، تصيب منظومة الأمن القومي العربي بشروخ وتهدد بانهيارها، وتشكل تهديدات مباشرة للأمن الوطني لدول الجوار العربي، فضلا عما يمثله تمكن الحوثيين من السلطة في اليمن من مخاطر محتملة لأمن وسلامة الملاحة عبر قناة السويس والبحر الأحمر عموما، والتي يتجاوز حجمها 38% من مجمل التجارة، وما يتصل بذلك من تغلغل النفوذ الإيراني الفارسي والسيطرة على باب المندب في الطرف الجنوبي للبحر الأحمر. ورأى أن ما عزز شهية النظام الفارسي في فرض إرادة التوسع وأضاف زخما إلى أطماعه الإمبراطورية، إصرار الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة باراك أوباما على أن إيران لا تشكل مصدر تهديد لدول الخليج وأن مصادر تهديد تلك الدول تأتي من داخلها. لقد أفصح أوباما عن تلك الرؤية منزوعة الصلة بالحقائق العنيدة أو الموضوعية والشفافة، أو حتى التجرد والحيدة في اجتماعه وقادة دول مجلس التعاون الخليجي بواشنطن وكامب ديفيد في شهر مايو 2015، بل ذهب أوباما في تصريح له نشرته مجلة ذي أتلانتيك الأمريكية إلى القول بأن "المنافسة بين السعوديين والإيرانيين ساعدت في إذكاء الحروب بالوكالة والفوضى في سوريا والعراق واليمن وتتطلب منا أن نقول أن نقول لأصدقائنا السعوديين والإيرانيين إنهم في حاجة للتوصل إلى طريقة فاعلة للتعايش معا، وإن حدودا للمدى الذي يمكن أن تذهب إليه الولايات المتحدة لحماية المنطقة". أن هذه الرؤية وتلك التصريحات لأوباما أقرب إلى محاولة مفضوحة لإبراء الذمة والتراجع عن مفهوم ومضمون ومتطلبات ما يعتقده البعض، توهما، علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية. وطرح د.الكردي في مواجهة محور الشر والإرهاب الأسود ضرورة تشكيل تحالف استراتيجي عربي يمتلك ذراعا عسكريا تتمثل في قوة مشتركة موحدة القيادة والتحكم والسيطرة بقيادة مصر والإمارات والسعودية والكويت والأردن والبحرين، ليس فقط بحكم استهداف تلك الدول بصفة أساسية من جماعات الإرهاب والتطرف المدعومة من قوى تمتلك أجندات مختلفة، ومتناقضة أحيانا، بل أيضا بحكم مسئوليتها المشتركة في حماية الأمن القومي العربي الذي يرتبط به ويتكامل معه، الأمن الوطني والسلام الاجتماعي لكل منها. هذا التحالف يتحتم أن يكون استراتيجيا وشاملا توظف فيه كل الإمكانيات وتستخدم وتتكامل قوى الردع والدفاع العسكرية منها والناعمة بهدف تحديد وكشف ومطاردة وتصفية التنظيمات الإرهابية وتجفيف منابعها واقتلاعها وتخليص المنطقة والعالم منها. ولنجاح التحالف وتفعيل استراتيجيته وتحقيق أهدافه حدد د.الكردي ثلاثة أمور ضرورية: أولا أن يكون عربيا خالصا مطهرا من أوهام التحالفات الدولية الخادعة، لا موقع فيه لحلف شمال الأطلنطي "الناتو" أو الولايات المتحدة الأمريكية أو الاتحاد الأوروبي أو تركيا أو دويلة قطر أو غيرها، مهما كانت العروض والمحاولات، تجنبا لزعزعة وإضعاف التحالف وتسريب خططه وإفشال استراتيجيته وإهدار جهوده، ذلك لأنه لم يعد خافيا أن قوى الإرهاب المستهدفة هي في الأساس صناعة تلك الأطراف المطلوب الابتعاد عنها، يضاف إليها الدولة الفارسية وإسرائيل العبرية، مع اختلاف المقاصد والأدوار ولكنها، رغم ذلك، تتكامل فيما بينها. ثانيا أن تتحدد أهداف التحالف على نحو حصري، وأن يكون الإنضمام إليه اختياريا بحيث يتاح لأي دولة عربية تلتزم بالأهداف ذاتها وغير متورطة في مساندة التطرف والإرهاب أو التعاطف مع كياناته أو توفير ملاذ لبعض عناصره، هذا التحالف غير موجه ضد دولة ذات سيادة أو محبة للسلام. ثالثا التوافق على سياسة موحدة وتشكيل قوة ردع ودفاع عسكرية تتكامل قدراتها وتتوحد قيادتها. إن هذه القوة مطالبة فورا بتحديد بؤر وخلايا المليشيات الارهابية التي تهدد السلام والأمن الاجتماعي الداخلي لأي من دول التحالف أو تنال من مواطنيها أو تعرض حدودها الدولية وأمنها الوطني والقومي للخطر، وأخذ زمام المبادرة والمباغتة وحاصرتها ومطاردتها حيث تكون وحرمانها من الامدادات بكل أشكالها وصورها وتوجيه ضربات نوعية مدمرة لقدراتها وتحطيم أدواتها وإصابتها بالشلل وتصفيتها، آخذين في الاعتبار اختلاف طبيعة المواجهة وعملياتها وتكتيكاتها القتالية، عن تلك التي تتبعها الجيوش النظامية. وأكد أن "داعش" اسم وإثم صنعته الدولة زعيمة التحالف ـ أميركا ـ وأمسكت نواياها الحقيقية عن معظم الأطراف، وبصفة خاصة غير الأوروبيين منهم، مستهدفة في تقديرنا تحقيق ثلاثة أمور رئيسية أولا مواجهة النفوذ الفارسي المتزايد في العراق وسوريا بصفة خاصة. ثانيا إثارة النزعات الطائفية وتوفير مناخ فوضوي يعزز إشعال الحروب الأهلية ويزيد فرص التقسيم المنشود للأرض والبشر. وثالثا استخدام ورقة "داعش" في مقدمة الأدوات الضاغطة التي تستخدمها الدبلوماسية الأميركية في أي تفاهمات مع الدولة الفارسية، والتي سوف تتضمن حتما اعترافا متبادلا بالمصالح للنفوذ وتقاسما للنفوذ في المنطقة. وسوف تتبخر "داعش" فجأة تماما كما جرى ميلادها وزراعتها، فور اندحارها وكسرها وفشل مهمتها أمام التحالف الاستراتيجي العربي المقترح والذي بات مسألة وجود. وشدد د.الكردي على أن الرهان على رغبة الولايات المتحدة الأميركية في التخلص من "داعش" وغيرها من التنظيمات الارهابية رهان خاسر وسراب لا يعول عليه لأن الأخيرة هي الأداة والآلية الأهم المتبقية، بعد سقوط الجماعة الأم وخروجها نهائيا من المشهد على يد المصريين، لتنفيذ المشروع الذي عشعش توهما في فكر أميركا وحلفائها لأكثر من عقد من الزمان، وأسقطته إرادة المصريين في 30 يونيو/حزيران 2013 وسوف يدفن نهائيا على يد التحالف العربي ويصير جزءا من رصيد غير مشرف لسياسات التآمر والمقامرات والمغامرات لأعداد الأمة العربية. ونبه إلى أن التحالف الذي تتزعمه الدولة الأعظم ومعها أكثر من 50 دولة، لن يحقق المستهدف منه ومحكوم عليه بالفشل، لأن قوة تحالف تقاس عادة بحلقات الضعف فيه، وتتركز حلقات الضعف في هذا التحالف غير المقدس، بصفة خاصة في: أولا الرؤية الأميركية القاصرة وشديدة الأنانية والمتمركزة حول حماية مصالحها وتعظيمها والتي تنحصر في مصادر البترول، ودرء الخطر المحتمل على أمن صنيعتها وولايتها عبر الحدود ألا وهي دولة إسرائيل. ثانيا الدور المشبوه الذي تمارسه أو تخادع به كعميل مزدوج "اللهو غير الخفي" المتمثل في تركيا ودويلة قطر. ثالثا انتقائية المواجهة وسياسة المعايير المزدوجة في الحرب على الارهاب وعدم تبني الرؤية العربية، المصرية ـ السعودية ـ الاماراتية، الأكثر واقعية والأبعد شمولا والأشد حسما والأوفر جدية في مواجهة كل الجماعات والتنظيمات الارهابية المتعددة مسمياتها والمختلفة صورها وأشكالها لكنها تتحد في المصدر وتتوحد في الملة وتجتمع في الأهداف،الكل إخوان متأسلمون والجميع داعشيون وقاعديون مهما اختلفت الأدوار وتباينت تصريحات المراوغة والخداع. رابعا قصور أدوات المواجهة ونوعيتها واعتمادها على الضربات الجوية محدودة التأثير في أرض محروقة وتصيب المدنيين. وخلص د.الكردي إلى أن هذا النوع من المواجهة لا يصلح مع جماعات إرهابية وعصابات مسلحة مدربة على المناورة وعلى حروب القناصة مع القدرة على التلون كالحرباء والكر والفر. الأمر الذي يفرض على الحلفاء ليس فقط مراجعة تلك الرؤية الانتقائية وضرورة شموليتها، بل أيضا حتمية تنوع أدوات المواجهة. بغير ذلك فإننا نكون أمام نوايا أخرى غير معلنة للدولة التي تقود التحالف وأصدقاءها الغربيين، نظنها تنحصر في: أولا تعظيم الموقف التفاوضي لتلك الدول مع أمهات التنظيمات الإرهابية وعقد صفقات معها مستهدفة نقل العمليات الإرهابية خارج حدودها والابتعاد عن الاضرار بالمصالح الأميركية ـ الأوروبية وعدم المساس بأمن إسرائيل. ثانيا إثارة الفوضى وزعزعة الاستقرار في دول عربية بعينها، وتعزيز الفتنة الطائفية بهدف إضعاف تلك الدول وتحييدها وخلق مناخ أكبر لتقسيمها في إطار المشروع الغربي لشرق أوسط جديد. ثالثا السماع لكبرى تلك التنظيمات وعلى رأسها الجماعة الإرهابية الأم ـ الإخوان ـ واتباع سياسة التدعيم التآمري المستتر معها، بلعب أدوار سياسية محسوبة ومخطط لها مستهدفة الوصول إلى الحكم في بعض الأقطار العربية في إطار مفردات صفقة يتفق عليهاعلى النحو السابق بيانه بعيدا عن إقامة ما يسمى دولة الخلافة. رابعا استمرار استنزاف الأموال العربية وتحميل الدول العربية البترولية خاصة نفقات تلك المغامرات التي تصب في النهاية في خدمة المصالح الأميركية –الأوروبية– الإسرائيلية.

مشاركة :