رحل، أمس، المطرب والملحن القدير سليمان الملا الذي قدّم لحّن الأغنيات الوطنية والعاطفية التي شدا بها معظم مطربي الوطن العربي، وذلك إثر معاناته بسبب التهاب رئوي أدخله «العناية المركزة» في مستشفى جابر منذ فترة. غاب الملا الذي لا يغيب عن ذاكرة الكويت، فهو أحد صنّاع الأيقونة الغنائية «وطن النهار»، التي سطرت أصدق المشاعر والأحاسيس، والتي كتب كلماتها الشاعر بدر بورسلي، وغنّاها المطرب عبدالكريم عبدالقادر. رحل، أمس، الفنان سليمان الملا، أحد الفنانين البارزين على الساحة الغنائية الكويتية والخليجية والعربية، عقب تعرّضه لأزمة صحية أخيرا، أُدخل على أثرها «العناية المركزة» في مستشفى جابر، لكن حالته الصحية لم تتحّسن، وظهر أمس أعلن ابنه معاذ وفاة والده، طالباً من محبيه الدعوة له بالرحمة والمغفرة. اشتهر الملا بعشقه العزف على آلة العود، وأبدع في العزف على آلة الكمان أيضا، حتى أصبح في أوائل السبعينيات من أمهر العازفين الكويتيين في فرقة الإذاعة الموسيقية. وكانت بدايته في مجال التلحين بالعصر الذهبي للحركة الغنائية الكويتية (نهاية السبعينيات) على مستوى الكلمات والألحان والأداء، وقد تعامل مع الكبار والرواد، مما انعكس على نتاجه الموسيقي والفني. اسمه بالكامل سليمان راشد محمد الملّا الجداوي، وهو من مواليد الكويت عام 1953، وهو حاصل على دبلوم صناعي من الكلية الصناعية (1972)، وفي العام نفسه عُيّن مهندس صوت في التلفزيون التعليمي بوزارة التربية، وهو متزوج وله 5 أبناء أكبرهم معاذ. قدّم الملا خلال مسيرته الفنية الطويلة أغنيات وطنية وعاطفية متميزة، تلحيناً وغناءً، أداها مطربون مخضرمون وشباب من بينهم: عبدالكريم عبدالقادر، وعبدالله الرويشد، ونبيل شعيل، ونوال، ومحمد البلوشي، وعبدالمحسن المهنا، ومصطفى أحمد، وغيرهم، كما تعاون مع عدة مطربين من الوطن العربي. عشق الفن منذ طفولته، وفي أثناء دراسته بالكلية الصناعية وفّق بين الدراسة وتلقّي الأصول الفنية، وبعد التخرّج زاد اهتمامه بدراسة الموسيقى، بتشجيع من الفنان يوسف البكر، وهو عازف وأحد أقاربه من ناحية والده. يُذكر أن الملا هو الوحيد من أسرته الذي سلك طريق الفن واستمرّ فيه، وبلغ مرتبة متقدمة في العزف على آلتَي العود والكمان، إلى جانب الغناء والتلحين، فأمتع جمهوره بأغانيه الجميلة. صعوبات النشأة وعن مرحلة النشأة كان الراحل يقول: «والدي كان لا يعرف القراءة ولا الكتابة، ورغم ذلك كان يمتلك حكمة كبيرة لطالما تميّز بها رجال الكويت قديما، وكان جديراً بالاقتداء به، والتدين لم يكن خاصا بالوالد فقط، وإنما تربيت في ظل عائلة متشددة دينيا، وأتذكر هنا أنه من شدة إخلاص وعشق والدي للكويت، فقد تخلى عن لقب عائلتنا (الجداوي)، الذي يعبّر عن الانتماء إلى المملكة العربية السعودية، وأبقى على لقب «الملّا» الذي يعبّر عن الكويت، حيث فضّل أن يلتصق أكثر بالكويت، خاصة أنه كان من رجال البحر (غواص)، وكذلك أتذكر عمي الشيخ علي الملا الجداوي، الذي كان من أوائل من نظموا رحلات الحج من الكويت إلى السعودية. عندما أتذكر كل هذه المعطيات والنشأة الدينية لعائلتي، أجد أنني واجهت صعوبات جمة في سبيل إثبات موهبتي وعشقي للموسيقى، لأنني كنت الوحيد في العائلة الذي يحب الفن ويمارسه، وكنت وقتها أعزف على آلتَي العود والكمان، وعندما كانوا يشاهدونني أعزف في التلفزيون وكنت وقتها أرتدي الملابس العصرية (البدلة والبابيون)، وأعزف مع كبار المطربين، أمثال عوض دوخي وحسين جاسم ومصطفى أحمد، كان أهلي «يعايرونني» ويهددونني، لكنني كنت أتجاهل كل ذلك، وأركّز في طريقي، حتى جاء اليوم الذي عدت فيه إلى المنزل في وقت متأخر من وجهة نظر الوالد - حوالي الساعة الثامنة مساء - ووجدت والدي قد كسر العود الذي كنت أعزف عليه، وهنا ظهر دور الوالدة المحبّة للفن، حيث استطاعت التأثير على والدي ليشتري لي عوداً موسيقياً آخر أفضل من السابق، وهو العود الذي بدأت أتدرّب عليه بمستوى كبير، حتى استطعت إتقان العزف عليه تماما. تطوير القدرات الفنية تتلمذ الملا على يد الخبير في الموسيقى والتراث الغنائي الكويتي أحمد علي، الذي ساهم في تطوير قدراته الفنية في العزف على آلة الكمان وكتابة النوتة الموسيقية، وقد استفاد من أسلوب أستاذه في التدريس الجاد، وحرصه على أن يصل الطالب الذي يتخرّج على يده إلى مرتبة متميزة. الملا الموسيقي حقق الملا لنفسه مكانة بين الموسيقيين والفنانين، واكتسب منهم أفكاراً جديدة وحديثة. بدأ التلحين وقدّم أغنيات قبل أن يُجاز كملحن، أبرزها «كشفوا سر الهوى»، بصوت المطرب فهد الماص في السبعينيات، فنجحت وحققت لهما شعبية بالكويت وفي دول مجلس التعاون الخليجي. عقب أن أثبت علوّ كعبه موسيقياً، وتحديداً عام 1985، غنى على العود أغاني لحنها للمطربين عبدالكريم عبدالقادر، وعبدالله الرويشد، ونبيل شعيل، وذلك خلال مقابلات وحوارات أجريت معه في الإذاعة الكويتية وفي مناسبات عدة، فلقي تشجيعاً من المستمعين ومن الفنانين الذين يتعامل معهم في مجال التلحين. في البداية، تردّد في خوض مجال الغناء، لأنه مغامرة صعبة، ويجب التفكير والترتيب المسبق له، لكن انضمامه كعضو فعّال في جمعية الفنانين الكويتيين ساعده على لقاء مؤلفين ومطربين كان لهم الفضل في شهرته كملحن، فشجّعوه على الغناء. عرف الجمهور الملا مطرباً من خلال «يا نبع الوفا الصافي»، من كلمات ساهر، و«وين أرضك وين سماك» من كلمات الشاعر الغنائي ماجد سلطان. أول ألبوم تضمن أول ألبوم غنائي قدّمه الملا أغنيات من تلحينه من بينها: «شتبي أكثر» من كلمات الشاعر الغنائي عبداللطيف البناي، و«جان زين» تأليف الشاعر الغنائي مبارك الحديبي، و«من وقت لوقت»، تأليف الشاعر الغنائي سامي العلي. كذلك غنى من ألحان الفنان غنام الديكان وكلمات الشاعر الغنائي مبارك الحديبي، ومن ألحان الفنان محمد رويشد وكلمات الشاعر الغنائي ساهر «لا تجاملني»، ومن ألحان الراحل راشد الخضر «أعز الناس». إصرار ومثابرة لم يكن طريق النجومية سهلا، فقد خاض الملا معترك الحياة الفنية بكل جَلَد وكبرياء ومثابرة، حيث كان يتعامل مع الكبار، لذلك كان يجب أن يكون بهذا المستوى، وتسلّح بالموهبة والدراسة ليكون ملحناً في السبعينيات عندما كانت الأغنية الكويتية في قمة العطاء على المستوى الفني والإنتاج الغزير، فكانت مرحلة صعبة وواجه حرباً لإجازته كملحّن، إذ تقدّم 4 مرات؛ كانت الأولى عام 1973، وفي كل مرة تقف الشهادة الدراسية الموسيقية عقبة في طريقه، لكنّه صبر وكافح وتابع مشواره الفني بجد واجتهاد، حتى وصل إلى مرتبة جيدة، وتمت إجازته ملحنا عام 1978، وكان ثمرة ذلك تقديم أغنيات مميزة أثرى بها المكتبة الإذاعية والتلفزيونية بألحان جميلة. «وطن النهار» عام 1991 قدّم الملحن سليمان الملا رائعته الوطنية «وطن النهار»، من كلمات الشاعر الغنائي بدر بورسلي، وغناء الفنان القدير عبدالكريم عبدالقادر. وكان الملا يقول عن تجربة تلحين هذه الأغنية: «عندما وضعت لحن أغنية وطن النهار، لم أكن في حالتي الطبيعية، كنت أجلس مع صديقي الكاتب الغنائي الكبير بدر بورسلي، وكانت كلماته علاجاً لي، ومعه المتألق دائماً عبدالكريم عبدالقادر، الذي يعبّر عن مكنونات النفس، وكنّا نحن الثلاثة نعاني أثناء الاحتلال كما يعاني كثير من المواطنين الذين عاشوا أياماً عصيبة، فكُتبت الأغنية ولُحّنت أثناء الأزمة التي تعرّض لها وطننا الحبيب، ووُزّعت في أكثر من مكان، خوفاً من أن يدهم جنود الاحتلال المنزل فجأة»، ومن كلماتها: وطني وطن النهار أنت النهار يا وطني أنت الأمل لي هل وأنت النهار لي طل آه يا وطن ياللي انولد من جديد تكريم كرّم المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الدورة الـ 19 لمهرجان الموسيقى الدولي الفنان سليمان الملا، حيث اختير شخصية الدورة الحالية لمهرجان الموسيقى، عرفاناً بدوره في التلحين والغناء، ولأنه أبدع في العزف على آلتَي العود والكمان، وأصبح ملحنا مرموقا غنى من ألحانه عبدالله الرويشد ونبيل شعيل وأنغام وسميرة سعيد وهاني شاكر وأصالة، وغيرهم. فنانون وإعلاميون: فقدنا مدرسة موسيقية وأستاذاً كبيراً نعى العديد من نجوم الساحة الفنية والثقافية وبعض الشخصيات الإعلامية الراحل سليمان الملا، وقد كتب الملحن مشعل العروج «الله يرحمه ويغفر له أستاذنا الكبير سليمان الملا، عظّم الله أجركم». وكتب الفنان عبدالله الرويشد، عبر «تويتر»، «اللهم إن رحمتك وسعت كل شيء فارحمه رحمة تطمئن بها نفسه وتقر بها عينه، الله يرحمك ويغفر لك يا صديق العمر ورفيق الدرب سليمان الملا... إنا لله وإنا إليه راجعون، أرجوكم لا تنسوا أخي بومعاذ في دعائكم». بدوره، قال الفنان طارق العلي: «انتقل إلى رحمة الله تعالى الأستاذ الكبير سليمان الملا، ونعزي أسرته الكريمة، سائلا المولى عز وجل أن يرحمه ويغفر له ويسكنه فسيح جناته، إنا لله وإنا إليه راجعون»، وكتبت الفنانة نوال: «نعزي أنفسنا ونعزي أسرة فقيدنا الغالي أستاذنا وحبيبنا سليمان الملا عسى الله يرحمه ويغفر له ويسكنه فسيح جناته، فعلا فقدنا علما من أعلام الفن الكويتي، إنّا لله وإنّا إليه راجعون». وذكر الرئيس التنفيذي لشركة روتانا للصوتيات والمرئيات سالم الهندي: «تعازينا الحارة لأسرة الفنان الكبير سليمان الملا، الذي انتقل إلى رحمة الله سائلين المولى عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته، وإنا لله وإنا إليه راجعون». أما الفنان حمد الخضر، فكتب «إنا لله وإنا اليه راجعون، رحمك الله أستاذنا ومعلمنا وملهمنا»، وكتب الشاعر أحمد الشرقاوي «نعتذر عن التغريد أو التعليق اليوم وغدًا؛ حزنًا وحدادا على علَم من أعلام الموسيقى الخليجية سليمان الملا. رحمك الله يابو معاذ وغفر لك، وأسكنك فسيح جناته، خسارتك لا تعوّض». أستاذ كبير ونعى المغني فهد الكبيسي الملا، فكتب «رحم الله أستاذنا الكبير سليمان الملا وغفر له، وأسكنه فسيح جناته، أعزي أهله وأبناءه وكل أسرة الفن الكويتي والخليجي، إنا لله وإنا اليه راجعون». أما الشاعر علي مساعد فكتب «عظّم الله أجرنا في وفاة الإنسان الطيب سليمان الملا، وتغمده الله برحمته الواسعة، وإلى جنان الخلد، والله يغفر له ويحسن إليه، إنا لله وإنا اليه راجعون». مسيرة طويلة وكتب الفنان عبدالعزيز الضويحي «انتقل إلى رحمة الله سليمان الملا بومعاذ، رحمة الله عليه، وعسى الله يتجاوز عنه ويغفر له». وقال الكاتب محمد سلامة «رحم الله الفنان والملحّن الكويتي الكبير سليمان الملا، الذي توفي اليوم (أمس)، الراحل كانت مسيرته في الفن طويلة جداً، وشكّلت علامة فارقة خليجياً، حيث بدأ مطرباً، ثم تحول للتلحين، ولحّن لعبدالكريم عبدالقادر والرويشد ومصطفى أحمد ونبيل شعيل وطلال مداح، عزاؤنا لعائلته الكريمة، وللكويت كافة». وكتب الشاعر خالد المريخي «عظّم الله أجركم، الله يرحمه ويغفر له». مدرسة فنية من جهته، كتب الكاتب والمنتج جاسم القامس: «رحم الله الفنان سليمان الملا، موسيقي كبير ومهم ومدرسة فنية عظيمة، ساهم في تشكيل هوية الموسيقى الكويتية الحديثة.. كشفوا سر الهوى، ولا خطاوينا، وأي معزة، ووطن النهار... تحف فنية خالدة. ستفتقد الكويت بومعاذ، وستفقد الموسيقى فنه الرصين والمميز، عزاؤنا فنه الذي يعيش معنا». أما الإعلامية غادة رزوقي فكتبت «رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، إنا لله وإنا اليه راجعون، الموسيقار الكويتي الكبير سليمان الملا». قامة موسيقية أما المخرج عبدالله عبدالرسول فكتب «بفقدك فقدنا قامة من قامات الموسيقى الخليجية، سليمان الملا، فقدك لا يعوض، رحمك الله وغفر لك، وأسكنك فسيح جناته». وقال الملحن فهد الناصر «مات الخُلُق، والفن، والأدب، والعلْم الموسيقي مات صاحب رائعة وطن النهار، ملهمنا، انتقل الى جوار ربه، أستاذنا، معلمنا سليمان الملا، البقاء لله، وعظّم الله أجر الوطن». وزارة الإعلام: للراحل تاريخ فني طويل نعت وزارة الإعلام الملحن والمطرب سليمان الملا الذي وافته المنية بعد رحلة عطاء طويلة قدّم خلالها إسهامات بارزة للأعمال الفنية والأغنية الكويتية والخليجية. ونقلت الناطقة الرسمية لوزارة الإعلام، أنوار مراد، تعازي ومواساة وزير الإعلام والثقافة د. حمد روح الدين إلى أسرة الفقيد والأسرة الفنية، داعية المولى أن يسكنه فسيح جناته، ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان. وقالت مراد إن الراحل شارك في العديد من الأعمال الفنية والغنائية، ولديه تاريخ فني طويل وحافل بالأعمال الغنائية والموسيقية المؤثرة في تاريخ الأغنية الكويتية، وأيضاً الخليجية والعربية. كما قدّمت مؤسسات أخرى، العزاء بالراحل، ومنها جمعية الفنانين الكويتيين، ونقابة الفنانين والإعلاميين.
مشاركة :