ما لم يجرؤ الكاظمي على قوله في قمة جدة

  • 7/21/2022
  • 01:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

ما‭ ‬الذي‭ ‬قاله‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬العراقي‭ ‬مصطفى‭ ‬الكاظمي‭ ‬للرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬جدة؟ كلمته‭ ‬في‭ ‬القمة‭ ‬كانت‭ ‬بائسة‭ ‬ورثة‭ ‬وصادمة‭. ‬يمكن‭ ‬لأيّ‭ ‬مسؤول‭ ‬محايد‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬أن‭ ‬يلقيها‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يحتاج‭ ‬السامعون‭ ‬إلى‭ ‬معرفة‭ ‬اسمه‭ ‬أو‭ ‬هويته‭ ‬ولا‭ ‬تحديد‭ ‬المناسبة‭ ‬التي‭ ‬أُلقيت‭ ‬فيها‭ ‬تلك‭ ‬الكلمة‭.‬ الكاظمي‭ ‬هو‭ ‬ممثل‭ ‬الدولة‭ ‬الأكثر‭ ‬معاناة‭ ‬وشقاء‭ ‬وتشتتا‭ ‬في‭ ‬القمة‭. ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬شبح‭ ‬دولة‭ ‬وصار‭ ‬البعض‭ ‬يتحاشى‭ ‬لأسباب‭ ‬دبلوماسية‭ ‬إطلاق‭ ‬لقب‭ ‬الدولة‭ ‬الفاشلة‭ ‬أو‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬الفشل‭ ‬عليها‭.‬ لم‭ ‬ينتبه‭ ‬الكاظمي‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يخاطب‭ ‬الحاضرين‭ ‬فقط‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬يخاطب‭ ‬أيضا‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬الذي‭ ‬صار‭ ‬في‭ ‬حيرة‭ ‬من‭ ‬أمره‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬صراع‭ ‬عبثي‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬تسببوا‭ ‬في‭ ‬انهيار‭ ‬أوضاعه‭ ‬المعيشية‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬وتدهور‭ ‬أحواله‭ ‬وهو‭ ‬ينتظر‭ ‬الخلاص‭.‬ لم‭ ‬يكن‭ ‬ينقصه‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬يدلي‭ ‬برأيه‭ ‬في‭ ‬شأن‭ ‬مسألة‭ ‬الاحتباس‭ ‬الحراري‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استعرض‭ ‬بشكل‭ ‬سريع‭ ‬اهتمامه‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬هي‭ ‬الشغل‭ ‬الشاغل‭ ‬للبشر‭ ‬العاديين‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭. ‬كان‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬يشكر‭ ‬بايدن‭ ‬على‭ ‬صور‭ ‬الكون‭ ‬التي‭ ‬التقطها‭ ‬التلسكوب‭ ‬الأمريكي‭ ‬ليكون‭ ‬بارعا‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬نفسه‭ ‬رجلا‭ ‬يتابع‭ ‬الأخبار‭ ‬باعتباره‭ ‬صحفيا‭ ‬مثابرا‭.‬ هل‭ ‬تحدث‭ ‬في‭ ‬السياسة؟ في‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬يمثلها‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يُذكّر‭ ‬بالسياسة‭. ‬فهو‭ ‬شخصيا‭ ‬مهدد‭ ‬بالطرد‭ ‬من‭ ‬منصبه‭ ‬لأسباب‭ ‬غير‭ ‬سياسية‭. ‬لم‭ ‬يقل‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬بلاده‭ ‬هو‭ ‬أشبه‭ ‬بمصارعة‭ ‬الثيران‭. ‬الثور‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يُقتل‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الحفلة‭ ‬هو‭ ‬العراق‭ ‬فيما‭ ‬يخرج‭ ‬الجميع‭ ‬منتصرين‭. ‬لم‭ ‬يقل‭ ‬إن‭ ‬المليشيات‭ ‬بسلاحها‭ ‬غير‭ ‬القانوني‭ ‬تنتظر‭ ‬عند‭ ‬السياج‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬دورها‭ ‬المرسوم‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬إيران‭. ‬لم‭ ‬يقل‭ ‬شيئا‭ ‬عن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العراقي‭ ‬المنهوب‭ ‬بطريقة‭ ‬منظمة‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬عن‭ ‬الفساد‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬تطبيعه‭ ‬ولن‭ ‬يتمكن‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬اقتلاعه‭.‬ الكاظمي‭ ‬خسر‭ ‬فرصة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عراقيا‭ ‬خالصا‭ ‬ونقيا‭ ‬في‭ ‬دفاعه‭ ‬عن‭ ‬حق‭ ‬شعبه‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬كريمة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬وطن‭ ‬مستقل‭ ‬يضم‭ ‬الجميع‭.‬ لو‭ ‬أنه‭ ‬بكى‭ ‬لكان‭ ‬ذلك‭ ‬مقبولا‭ ‬منه‭. ‬فمَن‭ ‬ينقذ‭ ‬العراق‭ ‬سوى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬التي‭ ‬صنعت‭ ‬بنفسها‭ ‬الكارثة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يتنقل‭ ‬بين‭ ‬مستنقعاتها؟‭ ‬العراق‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬يحكمه‭ ‬الكاظمي‭ ‬هو‭ ‬صنيع‭ ‬الماكينة‭ ‬الأمريكية‭. ‬وما‭ ‬من‭ ‬حل‭ ‬لمأساته‭ ‬من‭ ‬داخله‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تمكنت‭ ‬الأحزاب‭ ‬من‭ ‬الإمساك‭ ‬بكل‭ ‬مفاصل‭ ‬الدولة‭. ‬كان‭ ‬على‭ ‬الكاظمي‭ ‬أن‭ ‬يخاطب‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬بطريقة‭ ‬تضعه‭ ‬أمام‭ ‬مسؤولية‭ ‬المحتل‭ ‬الذي‭ ‬تخلى‭ ‬عن‭ ‬التزاماته‭.‬ لا‭ ‬يملك‭ ‬الشجاعة‭ ‬والجرأة‭ ‬على‭ ‬القيام‭ ‬بذلك‭.‬ في‭ ‬تلك‭ ‬الحالة‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يكاشف‭ ‬إخوته‭ ‬العرب‭ ‬بالوضع‭ ‬العبثي‭ ‬الذي‭ ‬انتهى‭ ‬إليه‭ ‬العراق،‭ ‬بحيث‭ ‬تبدو‭ ‬حكومته‭ ‬معلقة‭ ‬في‭ ‬الهواء‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬تتمكن‭ ‬الأحزاب‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬أشبه‭ ‬بالقدر‭ ‬من‭ ‬تعيين‭ ‬حكومة‭ ‬بديلة‭. ‬يقف‭ ‬العراق‭ ‬اليوم‭ ‬بين‭ ‬حكومتين‭. ‬حكومة‭ ‬الكاظمي‭ ‬التي‭ ‬ليست‭ ‬لها‭ ‬سلطة‭ ‬حقيقية‭ ‬وحكومة‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬الاتفاق‭ ‬عليها‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬يحدث‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬المدى‭ ‬القريب‭.‬ من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يتعرّف‭ ‬عليه‭ ‬العراقيون‭ ‬صحفيا‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يستمر‭ ‬في‭ ‬منصبه‭ ‬رئيسا‭ ‬للحكومة‭. ‬لذلك‭ ‬فإنه‭ ‬لم‭ ‬يمسّ‭ ‬في‭ ‬كلمته‭ ‬أحدا‭ ‬من‭ ‬الأطراف‭ ‬المتناحرة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬السلطة،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬لم‭ ‬يشر‭ ‬إلى‭ ‬الأزمة‭ ‬المصيرية‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬بلاده‭. ‬إنه‭ ‬رئيس‭ ‬حكومة‭ ‬بلاد‭ ‬أخرى‭. ‬هو‭ ‬كذلك‭ ‬لمَن‭ ‬يسمع‭ ‬كلمته‭. ‬وسيمدحه‭ ‬أفراد‭ ‬بطانته‭ ‬لذكائه‭ ‬ودهائه‭ ‬وفطنته‭ ‬التي‭ ‬أفلت‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬من‭ ‬المطبات‭ ‬الجوية‭. ‬لم‭ ‬يقل‭ ‬شيئا‭. ‬هل‭ ‬كان‭ ‬المطلوب‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬شيئا؟ قد‭ ‬يشكره‭ ‬بايدن‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يقل‭ ‬شيئا‭. ‬فالكارثة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يشير‭ ‬إليها‭ ‬هي‭ ‬صناعة‭ ‬أمريكية‭ ‬وإن‭ ‬تصدرت‭ ‬إيران‭ ‬المشهد‭ ‬فهي‭ ‬المستفيدة‭ ‬اقتصاديا‭ ‬من‭ ‬انهيار‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العراقي،‭ ‬ولكن‭ ‬هل‭ ‬تصفق‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لانتصارات‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬العراق؟ كان‭ ‬الكاظمي‭ ‬رئيسا‭ ‬لجهاز‭ ‬المخابرات‭ ‬العراقية‭ ‬وهو‭ ‬يعرف‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬العلاقة‭ ‬الملتبسة‭. ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يعرفه‭ ‬بايدن‭ ‬يعرفه‭ ‬الكاظمي،‭ ‬ولكن‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬موفقا‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬نفسه‭ ‬ممثل‭ ‬دولة‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬مَن‭ ‬ينقذها‭. ‬لقد‭ ‬تحدث‭ ‬عن‭ ‬الانتصار‭ ‬على‭ ‬داعش‭ ‬ولم‭ ‬يقل‭ ‬كلمة‭ ‬عن‭ ‬داعش‭ ‬المقابل‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬الحشد‭ ‬الشعبي‭. ‬لن‭ ‬يطول‭ ‬انتظار‭ ‬المليشيات‭ ‬حتى‭ ‬تجد‭ ‬نفسها‭ ‬مضطرة‭ ‬إلى‭ ‬حسم‭ ‬النزاع‭ ‬بالسلاح‭.‬ ربما‭ ‬تكون‭ ‬تلك‭ ‬الكلمة‭ ‬هي‭ ‬كلمته‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬دولي‭.‬ ربما‭ ‬لن‭ ‬يظهر‭ ‬أمام‭ ‬رئيس‭ ‬أمريكي‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭.‬ لذلك‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الكاظمي‭ ‬خسر‭ ‬فرصة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عراقيا‭ ‬خالصا‭ ‬ونقيا‭ ‬في‭ ‬دفاعه‭ ‬عن‭ ‬حق‭ ‬شعبه‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬كريمة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬وطن‭ ‬مستقل‭ ‬يضم‭ ‬الجميع‭.‬

مشاركة :