ما الذي قاله رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي للرئيس الأمريكي جو بايدن في قمة جدة؟ كلمته في القمة كانت بائسة ورثة وصادمة. يمكن لأيّ مسؤول محايد في الشرق الأوسط أن يلقيها من غير أن يحتاج السامعون إلى معرفة اسمه أو هويته ولا تحديد المناسبة التي أُلقيت فيها تلك الكلمة. الكاظمي هو ممثل الدولة الأكثر معاناة وشقاء وتشتتا في القمة. الدولة التي صارت شبح دولة وصار البعض يتحاشى لأسباب دبلوماسية إطلاق لقب الدولة الفاشلة أو القريبة من الفشل عليها. لم ينتبه الكاظمي إلى أنه لا يخاطب الحاضرين فقط بل هو يخاطب أيضا الشعب العراقي الذي صار في حيرة من أمره في مواجهة صراع عبثي بين من تسببوا في انهيار أوضاعه المعيشية بشكل خاص وتدهور أحواله وهو ينتظر الخلاص. لم يكن ينقصه سوى أن يدلي برأيه في شأن مسألة الاحتباس الحراري بعد أن استعرض بشكل سريع اهتمامه بالكثير من القضايا التي باتت هي الشغل الشاغل للبشر العاديين من سكان الكرة الأرضية. كان من المفترض أن يشكر بايدن على صور الكون التي التقطها التلسكوب الأمريكي ليكون بارعا في تقديم نفسه رجلا يتابع الأخبار باعتباره صحفيا مثابرا. هل تحدث في السياسة؟ في الدولة التي يمثلها ليس هناك ما يُذكّر بالسياسة. فهو شخصيا مهدد بالطرد من منصبه لأسباب غير سياسية. لم يقل إن ما يجري في بلاده هو أشبه بمصارعة الثيران. الثور الذي يجب أن يُقتل في نهاية الحفلة هو العراق فيما يخرج الجميع منتصرين. لم يقل إن المليشيات بسلاحها غير القانوني تنتظر عند السياج أن تؤدي دورها المرسوم لها في إيران. لم يقل شيئا عن الاقتصاد العراقي المنهوب بطريقة منظمة ولا شيء عن الفساد الذي تم تطبيعه ولن يتمكن أحد من اقتلاعه. الكاظمي خسر فرصة أن يكون عراقيا خالصا ونقيا في دفاعه عن حق شعبه في حياة كريمة في إطار وطن مستقل يضم الجميع. لو أنه بكى لكان ذلك مقبولا منه. فمَن ينقذ العراق سوى الولايات المتحدة التي صنعت بنفسها الكارثة التي لا يزال يتنقل بين مستنقعاتها؟ العراق الجديد الذي يحكمه الكاظمي هو صنيع الماكينة الأمريكية. وما من حل لمأساته من داخله بعد أن تمكنت الأحزاب من الإمساك بكل مفاصل الدولة. كان على الكاظمي أن يخاطب الرئيس الأمريكي بطريقة تضعه أمام مسؤولية المحتل الذي تخلى عن التزاماته. لا يملك الشجاعة والجرأة على القيام بذلك. في تلك الحالة كان عليه أن يكاشف إخوته العرب بالوضع العبثي الذي انتهى إليه العراق، بحيث تبدو حكومته معلقة في الهواء من غير أن تتمكن الأحزاب التي صارت أشبه بالقدر من تعيين حكومة بديلة. يقف العراق اليوم بين حكومتين. حكومة الكاظمي التي ليست لها سلطة حقيقية وحكومة لم يتم الاتفاق عليها وقد لا يحدث ذلك في المدى القريب. من المؤكد أن الرجل الذي لم يتعرّف عليه العراقيون صحفيا يرغب في أن يستمر في منصبه رئيسا للحكومة. لذلك فإنه لم يمسّ في كلمته أحدا من الأطراف المتناحرة من أجل الوصول إلى السلطة، بل إنه لم يشر إلى الأزمة المصيرية التي تعيشها بلاده. إنه رئيس حكومة بلاد أخرى. هو كذلك لمَن يسمع كلمته. وسيمدحه أفراد بطانته لذكائه ودهائه وفطنته التي أفلت من خلالها من المطبات الجوية. لم يقل شيئا. هل كان المطلوب منه أن يقول شيئا؟ قد يشكره بايدن لأنه لم يقل شيئا. فالكارثة التي يمكن أن يشير إليها هي صناعة أمريكية وإن تصدرت إيران المشهد فهي المستفيدة اقتصاديا من انهيار الاقتصاد العراقي، ولكن هل تصفق الولايات المتحدة لانتصارات إيران في العراق؟ كان الكاظمي رئيسا لجهاز المخابرات العراقية وهو يعرف كل شيء عن تلك العلاقة الملتبسة. ما لا يعرفه بايدن يعرفه الكاظمي، ولكن رئيس الحكومة العراقي لم يكن موفقا في تقديم نفسه ممثل دولة هي في حاجة إلى مَن ينقذها. لقد تحدث عن الانتصار على داعش ولم يقل كلمة عن داعش المقابل الذي هو الحشد الشعبي. لن يطول انتظار المليشيات حتى تجد نفسها مضطرة إلى حسم النزاع بالسلاح. ربما تكون تلك الكلمة هي كلمته الأخيرة في مؤتمر دولي. ربما لن يظهر أمام رئيس أمريكي مرة أخرى. لذلك يمكن القول إن الكاظمي خسر فرصة أن يكون عراقيا خالصا ونقيا في دفاعه عن حق شعبه في حياة كريمة في إطار وطن مستقل يضم الجميع.
مشاركة :