"الرحايا" يعرض لوحات عن ألم الفتيات القاصرات من الزواج المبكر

  • 7/21/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يتأثر الإنسان منا بتكوينه الأكاديمي ومستواه الفكري والثقافي في تحليله للظواهر والمشكلات من حوله، لذلك تنظر عيناه نظرة مختلفة إلى كل ما تشاهده، فتلمح الفرح أو الجمال أو حتى الألم في الكثير من الأشياء. عزة فخري واحدة من الفنانين التشكيليين المصريين، تنظر إلى مجتمعها نظرة المحلل والمفسر والمجسّد لكل آلامه ومشكلاته وخاصة مشكلات بنات جنسها، اللواتي يمارس عليهن الكثير من الظلم والعنف منذ نعومة أظافرهن. وفي أحدث معارضها التشكيلية، تتبع الفنانة أثر الزواج المبكّر على الفتيات القاصرات اللواتي يحرمهن المجتمع بعاداته وتقاليده البالية والرجعية من استكمال مراحل نموهن النفسية الطبيعية، فتوأد طفولتهن مبكرا ليجدن أنفسهن أمهات وزوجات مسؤولات عن بيوت ومطالبات بعلاقات اجتماعية موسعة تفرض عليهن أن يكن “زوجات مطيعات” و”أمهات جيدات” ويحمّل الطفلة منهن مسؤولية أن تكون “كنة” تعجب الأهل جميعهم. ويأتي معرض الفنانة الملتزم بقضية مهمة في المجتمع المصري في وقت تفيد فيه مؤشرات غير رسمية بأن هناك قرابة 117 ألف طفلة وطفل (من عمر 10 إلى 17 سنة) تزوجوا أو سبق لهم الزواج، فيما تذهب تقديرات أخرى إلى أن هناك ما يناهز 50 ألف طفلة تتزوج كل عام دون سن 18. وتبقى الأرقام الحقيقية طي الكتمان لأن هذا النوع من الزواج الذي يتم عادة خارج إطار القانون المصري، وتحميه قطاعات عريضة من المجتمع المصري، خصوصا في المناطق الريفية والفقيرة، أين يؤمن الناس بأن ما يفعلونه ليس محرما دينيا، استنادا إلى الخطاب الديني المتشدد الذي تشبعت به عقولهم على مدار العقود الماضية. كما يتزامن المعرض مع تحرك السلطات المصرية لإقرار مشروع قانون يمنع توثيق عقد الزواج لمن لم يبلغ 18 عاما، ولا يجيز التصديق على العقد المذكور، وبالتزامن مع تدشين وزارة التضامن الاجتماعي حملة “جوازها قبل 18 يضيع حقها” انتشرت في كل المحافظات، وتقوم بأنشطة متنوعة لمواجهة زواج القاصرات، وذلك تزامنا مع بداية موسم الإجازات الصيفية الذي تكثر فيه حفلات الزواج. رحايا للطفولة ◙ الفنانة المصرية عزة فخري تحرص على ممارسة "العلاج بالفن" حيث تنظم معارض عن مواضيع وظواهر اجتماعية ◙ الفنانة المصرية عزة فخري تحرص على ممارسة "العلاج بالفن" حيث تنظم معارض عن مواضيع وظواهر اجتماعية يأتي معرض التشكيلية المصرية بعنوان “الرحايا”، وينعقد في قاعة الباب – سليم بساحة متحف الفن المصري الحديث بأرض الأوبرا، ويستمر إلى آخر شهر يوليو الحالي. “الرحايا” هو معنى مجازي اختارته الفنانة للتعبير عن مدى ألم ومعاناة الفتيات القاصرات جراء دفعهن إلى الزواج المبكر، وآثاره المدمرة عليهن، وعلى مستقبلهن وأسرهن، وهي آثار ترى الفنانة أنها تطحن أحلام الفتيات وطفولتهن وسط حياة جديدة مباغتة لمشاعرهن كأنها شقي الرحى الحجرية. وتعدّ الرحايا في الموروث الشعبي “طاحونة الغلابة” وهي أداة موجودة من قديم الزمان توارثها الأجداد والآباء، وكانت السيدات في المنازل يستخدمنها في أعمال طحن الحبوب، من أجل صناعة الخبز، وهي آلة يتطلب العمل عليها مشقة وجهدا كبيرين حيث تظل السيدة طوال الليل وحتى طلوع الشمس تطحن الكمية التي تحتاجها لإطعام أهل بيتها، وبعدها تقوم بعملية العجن والخبز. ويأتي استحضار “الرحايا” في هذا المعرض كدلالة رمزية على أن الحياة في مصر لا تزال ترحي بين فكيها الحجريين أحلام الفتيات وطفولتهن، وتجعلهن جواري يبعن ويشترين بمجرد تفجر ملامح الأنوثة في أجسادهن. ويحتوى المعرض على 25 لوحة تقريبا بالألوان الزيتية والمائية، وكلها ألوان داكنة غاضبة تصور وجوها لنساء بأعين دامعة، وأخريات يحملن أطفالهن في أيديهن، دون أن يتجاوزن طفولتهن بعد، فيما تسلط لوحة أخرى الضوء على طفل صغير وفي يده قطعة خبز نستكشف من لوحات سابقة أنها ربما تكون من صنع الأمهات “الأطفال” اللواتي طحن الحبوب بالرحايا وأطعمن فلذات أكبادهن. واستخدمت الفنانة عزة فخري في أغلب لوحاتها خلفية رمادية ممزوجة بالسواد القاتم، حتى أنها تبدو على شكل ضباب يخنق اللوحة، وتبعث من خلالها بإشارة عنيفة إلى المتلقي ليحاول الوقوف على واقع الفتيات القاصرات والشعور بالقلق والاختناق والغصب الذي قد تواجهه كل فتاة يجبرها أهلها على الزواج وتحمل مسؤوليات كبرى وهي لا تزال طفلة روحا وجسدا وفكرا. الفن وجد للعلاج يعتمد العلاج بالفن على الاعتقاد بأنّ التعبير عن الذات من خلال الإبداع الفني له قيمة علاجية، فوفقا لجمعية العلاج بالفن الأميركية، يتم تدريب المعالجين بالفن على فهم الأدوار التي يمكن أن يلعبها اختيار اللون والملمس والشكل الخاص بالعمل الفني في العملية العلاجية وكيف يمكن لهذه الأدوات المساعدة أن تكشف عن أفكار الفرد ومشاعره وتصرفاته النفسية. من هذه الفكرة، يأتي معرض “الرحايا” الذي حتى وإن غابت عنه لمسة الفتيات القاصرات وألوانهن إلا أن الفنانة تكلمت باسم كل طفلة وقع انتهاك طفولتها وتزويجها في سن مبكرة، وعبرت بمشاعرها الذاتية وتصرفاتها النفسية عن مشاعر وتصرفات آلاف الفتيات المصريات، اللواتي تشترك معهن في البيئة والمجتمع ويعرفن جميعهن كواليسه وخباياه. ◙ طفلة أجبرت على أن تكون أما قبل الأوان ◙ طفلة أجبرت على أن تكون أما قبل الأوان وليس هذا المعرض الوحيد الذي تختار له الفنانة عزة فخري موضوعا ملتزما بالبحث في أهم قضايا المجتمع، بل لديها أعمال سابقة، تبحث كلها في تطويع الفن للتعبير عن المجتمع، ولم لا اعتماد الفن التشكيلي كفرصة للعلاج، ولتقديم الحلول وللتفكير الجماعي في أغلب الظواهر الاجتماعية وبالتالي خلق ذوق فني ورأي عام قادر على أن يكون عنصر ضغط لوضع قوانين واستراتيجيات تنظم المجتمع وتحمي حقوق الجميع. ورغم أن الوصول إلى تلك المرحلة يعدّ أمرا صعبا جدا إن لم يكن مستحيلا في دول عربية لا يهتم أفرادها ولا مؤسساتها بالفن ورسائله، كما يجب، إلا أنه يكفي للوحاتها ومعارضها أن تؤثر في عدد قليل من الناس فيستمر التأثير في محيطه، وكما يقول الشاعر الفلسطيني محمود درويش “أثر الفراشة لا يرى أثر الفراشة لا يزول” وحتما فإن أثر مثل هذه المعارض ربما لا يرى لكنه لا يزول من عقل وحياة مواكبها. وتحرص الفنانة المصرية على ممارسة “العلاج بالفن” حيث تنظم معارض عن مواضيع وظواهر اجتماعية تحتاج أن يقف الإنسان أمامها ويتخذ قرارات للحدّ من انتشارها، وذلك نابع من حصولها على درجة الدكتوراه في علم النفس تحت عنوان “التربية الفنية في دعم مهارات الحياة للأطفال من ذوي الإعاقة البصرية”، وهي تعمل في مجال التأهيل النفسي والعلاج بالفن. ودرست الفنانة الألوان الزيتية في لندن، ومشكلات التعلق للأطفال في المؤسسة الكندية للعلاج بالفن، ودراسة الشخصية عن طريق الرسم، لذلك نجد كل لوحاتها في معرض “الرحايا” بألوان زيتية تغوص في أعماق الشخصية الأنثوية المصرية وتحديدا شخصية الطفل أنثى كان أو ذكرا. ويذكر أن الفنانة عزة فخري شاركت في عدة معارض محلية ودولية منها معرض خاص بعنوان “أيقونة حياة” 2016 في متحف طه حسين، احتفالية النيل والسد العالي بالمركز الثقافي الروسي – 2016، المهرجان الدولي للسينما الأفريقية – الأقصر 2016، معرض فن بلا حدود – إيطاليا 2017، مهرجان هلنسكي العالمي للفن التشكيلي – فنلندا 2019، احتفالية قناة السويس 150 عام – أكاديمية الفنون 2019، “فن وسلام” – المتحف الإسلامي 2020، معرض النصر والسلام – احتفالات أكتوبر 1973 دار الأوبرا المصرية 2021، الفن حرية صالون الأهرام الدولي الأول 2022. كما شاركت في العديد من المؤتمرات ولها عدة أبحاث منشورة، كما لها مقتنيات فنية لدى المتحف الحربي، هيئة قناة السويس، ولدى أفراد في مصر والإمارات، وبريطانيا، وفنلندا.

مشاركة :