بكين 20 يوليو 2022 (شينخوا) في ورشة العمل التابعة لشركة ((بوتينغ)) للمنسوجات في شاوشينغ بمقاطعة تشجيانغ شرقي الصين، تعمل آلات التجهيز والتصنيع على مدار الساعة. وتقف شاحنات الحاويات المحملة بأقمشة منسوجة ملونة على أهبة الاستعداد للمغادرة إلى ميناء نينغبو-تشوشان، أحد أكثر الموانئ نشاطا في العالم من حيث معدل نقل البضائع. تقع الشركة في منطقة كتشايو في شاوشينغ، وهي مركز عالمي لتوزيع المنسوجات، وقد تمكنت من الحفاظ على زخم تصاعدي في الإنتاج والمبيعات بعد توقف مؤقت بسبب جائحة كوفيد-19. فمن خلال تمسكها بسياسة صفر-كوفيد الديناميكية، وضعت الصين إلى حد كبير أحدث موجات الجائحة تحت السيطرة. وأعادت الشركات المصنعة في البلاد تشغيل عملياتها في الموقع. وقال تشيان شوي جيانغ، المدير العام لشركة ((بوتينغ))، إنه على الرغم من توقف العمل مؤقتا بسبب الجائحة، لا تزال شركة المنسوجات تحافظ على نمو مطرد في الصادرات، التي بلغت قيمتها حوالي 200 مليون دولار أمريكي في العام الماضي. إن أداء الشركة مثير للإعجاب بالتأكيد. وينطبق نفس الشيء على المرونة الاقتصادية للبلاد، التي انعكست في الانتعاش الذي تحقق في الربع الثاني من هذا العام. وهذا يثبت مرة أخرى أن الاقتصاد الصيني، مسترشدا بـ"فكر شي الاقتصادي"، أي فكر شي جين بينغ بشأن الاقتصاد الاشتراكي ذي الخصائص الصينية للعصر الجديد، يتمتع بالمرونة والقدرة على المضي قدما في عصر الرياح المعاكسة المتشابكة وأوجه عدم اليقين. -- توجيه سياساتي من أجل نمو مستقر كشفت الهيئة الوطنية للإحصاء بالصين يوم الجمعة أن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد حقق نموا إيجابيا في الربع الثاني وتوسع بنسبة 2.5 في المائة في النصف الأول من العام. لم يأت تقرير اقتصادي كهذا بسهولة. لقد تحقق في خضم مجموعة من التحديات الصعبة الناجمة عن الجائحة التي ما زالت تراوح مكانها، والتوترات الجيوسياسية العالمية المتأججة، والاقتصاد العالمي المترنح. في ديسمبر الماضي، شدد مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي الذي يحدد الاتجاه العام على أهمية الحفاظ على الاستقرار مع السعي في الوقت ذاته إلى إحراز تقدم في عام 2022، ودعا إلى بذل جهود لتوطيد الأسس الاقتصادية، وتعزيز الابتكار العلمي والتكنولوجي، وتعميق الإصلاح من خلال الانفتاح رفيع المستوى، وتعزيز التنمية عالية الجودة. واستجابة منها لعوامل متعددة غير متوقعة هذا العام، تمكنت الحكومة الصينية من اتباع المبادئ التوجيهية للاجتماع، واعتمدت في مايو مجموعة من الإجراءات المستهدفة والصارمة، بما في ذلك زيادة المبالغ المستردة من الضرائب، وتسهيل الخدمات اللوجستية والنقل، وتعزيز الإنفاق الاستهلاكي والاستثمار وحماية الإنتاج من أجل تحقيق الاستقرار في الأداء الاقتصادي وإعادة الاقتصاد إلى طبيعته. بفضل تلك الإجراءات التي جاءت في الوقت المناسب، شهد الاقتصاد الصيني انتعاشا مطردا وسط البيئة العالمية متزايدة التعقيد، ما يدل على مرونته القوية وإمكاناته الكبيرة للتنمية طويلة الأجل. في يونيو، سجلت مبيعات التجزئة للسلع الاستهلاكية في البلاد زيادة على أساس سنوي نسبتها 3.1 في المائة بعد الانخفاضات التي سُجلت في أبريل ومايو، وزادت التجارة الخارجية بنسبة 14.3 في المائة، وارتفع الناتج الصناعي ذو القيمة المضافة بنسبة 3.9 في المائة على أساس سنوي، من زيادة نسبتها 0.7 في المائة في مايو. ومن ناحية أخرى، نجحت الصين في الحفاظ على استقرار أسعار المستهلك على خلفية ارتفاع معدلات التضخم في العديد من الاقتصادات الكبرى. على مر السنين، استجابت الحكومة الصينية بفعالية لمختلف التحديات غير المتوقعة من خلال التخطيط الكلي المستقر طويل الأجل فضلا عن إدخال تعديلات مرنة وعملية على السياسات الجزئية، وهو ما ضمن استقرار الأساسيات الاقتصادية ومكّن من تحقيق نمو مستدام، حسبما قال تشارلز أونونايجو، مدير مركز الدراسات الصينية ومقره أبوجا في نيجيريا. وذكر "عندما تقوم بإرساء الأساسيات الأساسية، يكون من السهل امتصاص الصدمات، خاصة الصدمات غير المتوقعة". -- ضخ يقين في الاقتصاد العالمي على مدى عقود، حافظت الصين على قوة دافعة رئيسية للنمو الاقتصادي العالمي. ومنذ بداية الجائحة، عززت الجهود في تحفيز الاستهلاك المحلي، وتحقيق الاستقرار في السلاسل الصناعية وسلاسل الإمداد، وتطبيق المزيد من الإجراءات للانفتاح على نطاق أوسع. كما إن دورها في الاقتصاد العالمي المتكامل ازداد أهمية. لطالما كانت التجارة قوة رئيسية لتنشيط الاقتصاد العالمي، والتحفيز على تحقيق تنمية مشتركة أكبر في جميع أنحاء العالم. فقد حافظت الصين، النصير القوي للتجارة العالمية والاقتصاد العالمي المفتوح، على مكانتها كأكبر دولة تجارية في العالم في مجال السلع لسنوات عديدة. وفي النصف الأول من هذا العام، توسعت تجارة الصين مع شركائها التجاريين الثلاثة الأوائل-- رابطة دول جنوب شرق آسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة-- بنسبة 10.6 في المائة و7.5 في المائة و11.7 في المائة على التوالي على أساس سنوي. وللمساعدة في تحقيق الاستقرار في سلاسل التوريد العالمية التي هزتها الجائحة، قدمت العديد من المدن في الصين المزيد من خدمات النقل، وأطلقت طرقا جوية وبحرية مباشرة جديدة لتسهيل تدفق الأشخاص والبضائع عبر الحدود، ما أعطى دفعة قوية للتجارة الدولية والانتعاش العالمي. والمثال على ذلك خط شحن الحاويات الذي تم إطلاقه مؤخرا من دونغقوان، وهي مركز تصنيع في مقاطعة قوانغدونغ الصينية، إلى مدينة ليفربول البريطانية. فالرحلة بأكملها لا تستغرق سوى 28 يوما، وهي في الوقت الحالي أسرع خط شحن من جنوب الصين إلى أوروبا. كما لعبت قطارات الشحن بين الصين وأوروبا، التي تم إطلاقها في عام 2011، دورا بارزا في تعزيز التجارة العالمية، خاصة بعد تفشي الجائحة. في 11 يوليو، وصل قطار شحن محمل بالمنتجات الإلكترونية وقطع الغيار الميكانيكية والضروريات اليومية إلى دويسبورغ. وكانت هذه هي الرحلة رقم 10 آلاف التي تقوم بها خدمة التجارة العابرة للقارات التي تديرها السكك الحديدية الصينية الأوروبية السريعة (تشونغتشينغ). وبينما فتحت قطارات الشحن الباب أمام الشركات الصينية للاستفادة من الفرص التجارية في أوروبا، فقد عادت أيضا بفوائد حقيقية على الاقتصادات المحلية. وفي هذا الصدد، صرح ماركوس بانغن، الرئيس التنفيذي لشركة ((دويسبورت))، لوكالة أنباء ((شينخوا)) بأن التعاون بين ألمانيا والصين متبادل المنفعة، وأنه يتطلع إلى توسيع التعاون الثنائي. وقالت آنا ماليندوغ-أوي، الباحثة في الدراسات الإستراتيجية المعنية بمجموعة بريكس في الفلبين، وهي مؤسسة فكرية، إنه "كلما زادت قوة التنمية الاقتصادية في الصين، ستستفيد المزيد من الدول التي لديها تعاون تجاري واقتصادي مع الصين". ومن جانبه، ذكر أغوستين كارستنز، المدير العام لبنك التسويات الدولية، في مقابلة أجرتها معه ((شينخوا)) مؤخرا أن الاقتصاد العالمي الذي يتعرض لصدمات شديدة يحتاج إلى الصين. وقال إن الصين ظلت محركا للنمو العالمي على مدى عدة عقود، "وأعتقد أنه من المهم الحفاظ على ذلك". -- توطيد الثقة العالمية جذبت الصين عددا متزايدا من المستثمرين الدوليين في العقود الماضية من خلال سوق محلية فائقة الحجم، وسلسلة صناعية كاملة، وبيئة أعمال مواتية، ودعم سياساتي قوي للاقتصاد الحقيقي، فضلا عن جهود مستمرة للانفتاح. في مواجهة الضغط الهبوطي الناتج عن الاضطرابات الناجمة عن أوميكرون، نجحت الشركات ذات التمويل الأجنبي في التنسيق بين الاستجابة للجائحة والعمليات التجارية، وحققت نموا ثابتا في الإيرادات بدعم من السلطات المحلية. إن شركة ((إف سي آي كونيكتور دونغقوان ليمتد)) هي شركة تابعة لشركة ((أمفينول)) الأمريكية، وهي واحدة من الموردين الرئيسيين في العالم لأنظمة الربط البيني. وقد سجلت شركة ((دونغقوان)) مبيعات بلغ إجمالي قيمتها 1.8 مليار يوان (270 مليون دولار) في عام 2021، وتتوقع تسجيل زيادة نسبتها 10 في المائة لتصل مبيعاتها إلى حوالي ملياري يوان (296 مليون دولار) هذا العام. مع تزايد فهمها لحقيقة أن أساسيات الاقتصاد الصيني لم تتغير، ظلت الشركات الأجنبية واثقة من تنمية الصين. واختار العديد منها الحفاظ على ما تقوم به من أعمال تجارية أو توسيعها في ثاني أكبر سوق للاستهلاك في العالم. وفي هذا السياق، قال نويل كوين، الرئيس التنفيذي لـ((إتش إس بي سي))، في حديثه لـ((شينخوا)) في وقت سابق إن المؤسسة المالية تتطلع إلى استثمار أكثر من 3 مليارات يوان (440 مليون دولار) في الصين بين عامي 2020 و2025. وأظهرت الأرقام الصادرة عن وزارة التجارة الصينية أنه في الأشهر الخمسة الأولى، توسع الاستثمار الأجنبي المباشر في البر الرئيسي الصيني، القائم في الاستخدام الفعلي، بنسبة 17.3 في المائة مقارنة بالعام السابق. ويرى أونونايجو أن تعهد الصين بمواصلة تحسين بيئة الاستثمار وفتح سوقها سيساعد على تعزيز ثقة المستثمرين الأجانب وتحقيق الاستقرار في توقعات الشركاء التجاريين الدوليين. وقالت ماليندوغ-أوي إنها تعتقد أن الصين ستستمر في جذب الاستثمار الأجنبي في المستقبل بالنظر إلى حجم السوق، والتطور السريع للتكنولوجيا الفائقة، وتوافر موارد العمالة ذات الكفاءة، فضلا عن النظام الاقتصادي الحديث نسبيا. وأشارت إلى أن "هذه العوامل الإيجابية من شأنها أن توفر مجالا وزخما لمواصلة انتعاش ونمو الاقتصاد الصيني في المستقبل".
مشاركة :