في السوق الهابطة .. كيف يفرق المستثمر بين موجة صاعدة مؤقتة وبداية التعافي الحقيقي؟

  • 7/22/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

طالما تم اعتبار سوق الأسهم بمثابة محل للصراع بين "الدببة"، أو المتداولين الذين يميلون للتشاؤم ودفع السوق للهبوط، و"الثيران"، أو المتداولين الذين يميلون لدعم الشراء والاحتفاظ بالأسهم ويميلون إلى "التفاؤل" باتجاه السوق بصفة عامة. ويُعرّف السوق الهابطة أو سوق الدببة بأنها السوق التي تشهد تراجعًا لمؤشرها العام بنسبة 20% عن آخر قمة لها، حتى وإن شهدت إبان ذلك بعض الأيام أو الأسابيع الصاعدة ولكنها تشهد سيطرة للمؤشر الأحمر بما يجعلها سوق "دببة" أي أنها تميل للتشاؤم والهبوط ويصبح الصعود فيها حدثًا استثنائيًا. "موت سوق الأسهم" ومنذ عام 1928 وحتى منتصف عام 2022 شهدت السوق الأمريكية 28 سوقًا هابطة أو "سوق دببة، أي أن السوق الهابطة تحدث قرابة مرة كل 3 سنوات و4 أشهر تقريبًا خلال السنوات المائة الماضية، بما يؤشر إلى أنها ليست حدثًا عارضًا أو استثنائيًا بل هي بمثابة "أمر عادي" كما يصفها غالبية المتداولين الكبار، ولذلك يجب على المستثمرين التعرف على كيفية التعاطي معها بشكل سليم، ومعرفة متى يكون الصعود مؤقتًا ومتى يكون إيذانًا بنهاية السوق المتراجعة. وبالعودة إلى عام 1981 نجد أحد أكثر الأسواق الهابطة إثارة للتشاؤم في التاريخ الحديث، فمع بدء رفع المركزي الأمريكي لأسعار الفائدة حتى فاقت نسب الفائدة 19% (لمكافحة التضخم المرتفع) كان العنوان الذي أعطته وسائل الإعلام الأمريكية لهذه السوق الهابطة "موت سوق الأسهم". فمنذ عام 1979 بدأ الاحتياطي الفيدرالي في التدخل في الأسواق المالية، بما أوجد حالة من التشاؤم، حتى أن الكثير من الصحف الأمريكية بدأت في التساؤل عما إذا كان سوق الأسهم "سيتعافى في أي وقت لاحق" أم أنه انتهى بـ"موت إكلينيكي". وعلى الرغم من أن السوق الهابطة بدأت منذ يوليو عام 1981 واستمرت حتى نوفمبر عام 1982 في واحدة من أطول الأسواق الهابطة في التاريخ الأمريكي الحديث حيث استمر 17 شهرًا كاملًا إلا أن هذا السوق الهابط احتوى على فترات صعود أو "سوق داخل السوق" كما يحلو لكثيرين تسميتها. سوق ثيران وسط سوق الدببة فعلى سبيل المثال شهد النصف الثاني من ديسمبر 1981 والأول من يناير 1982 سوقًا للثيران في مواجهة سوق الدببة الرئيسية عادت بمؤشر الأسهم العام للارتفاع بنسبة 2% تقريبًا وسط ارتفاع لافت لأسهم متاجر التجزئة وذلك بفعل زيادة غير متوقعة في نفقات المواطنين الأمريكيين ولدت حالة من التفاؤل المؤقت. وتسببت هذه الحالة من التفاؤل في "كسر" مؤقت أيضًا للسوق الهابطة لتستعيد السوق بعضًا من عافيتها، قبل أن تفقد السوق كل مكاسبها في أسبوع واحد فحسب فيما كان تأكيدًا حينها على أن السوق الصاعد أو سوق الثيران لم يكن أكثر من "سوق في إطار السوق" أو داخله، ولم يكن كسرًا حقيقيًا للاتجاه الهابط الذي استمر بعد هذه الحركة الصاعدة قرابة 10 أشهر أخرى. والشاهد أن هذا الأمر دفع كثيرين في السوق الأمريكي وقتها –وبعد ذلك أيضًا- إلى الاعتماد على مؤشرات ثقة المستهلك ومبيعات التجزئة كمؤشر رئيس على وجود "سوق داخل السوق" أو على وجود سوق صاعدة قصيرة المدى داخل سوق متراجعة طويلة المدى. وقد اكتسبت تلك المؤشرات لاحقًا أهمية متزايدة مع إدراك الكثيرين لدورها في التأثير على اتجاهات المنتجين والسوق واحتمالات الركود والرواج والتضخم وغير ذلك من المؤشرات الاقتصادية الرئيسية. سوق فرعية وكثيرًا ما تشهد الأسواق الهابطة سوقًا صاعدة أو حتى مستقرة "فرعية" بأن يظل قطاع بعيداً عن حالة النزول العام التي تشهدها سوق الأسهم، ولعل قطاع النفط والتعدين مثلا يشكلان نموذجًا واضحًا على ذلك في ظل سوق الدببة الحالية. وللتمييز بين السوق الصاعدة المؤقتة وبين انقلاب السوق الهابطة إلى أخرى صاعدة أهمية كبيرة، لأنه في الحالة الأولى يكون من الأفضل للمستثمر القيام باستثمارات قصيرة المدى زمنيًا فضلًا عن عمليات المضاربة السريعة، أو حتى التركيز على قطاع بعينه للاستثمار فحسب، أما في الحالة الثانية فيمكن المراهنة على عودة الاستثمار طويل المدى في الأسهم وهو أكثر أمانًا وتحقيقًا للأرباح (حال الاختيار الجيد للأسهم). وبناءً على ذلك فإن المؤشر الرئيس الذي أكد خروج السوق الأمريكية من السوق الهابطة في عام 1982 كان هبوط معدل التضخم إلى 5% في أكتوبر (بعد وصوله سابقًا إلى 11%) وحينها قرر البنك الفيدرالي خفض الفائدة إلى 9% وهنا تأكد أن السوق الهابطة ستتحول لأخرى صاعدة. فانخفاض وتيرة ارتفاع التضخم سينعكس إيجابًا على زيادة الاستهلاك بما سيكون له أثره الإيجابي على المنتجين، كما أن انخفاض معدل الفائدة سينعكس على زيادة قدرة الأعمال على الاقتراض الرخيص بما يعكس قدرتها على التوسع في الأعمال لاحقًا، بما يعكس بالنهاية دورة صاعدة للاقتصاد فيها توسع وليس انكماشًا بما ينعكس إيجابًا على سوق الأسهم. متى تنتهي سوق الدببة الحالية وبالتطبيق على السوق الحالية فيمكن القول بأن رفع الفائدة الفيدرالية بنسبة أقل من المتوقع قد تقود لسوق صاعدة تستمر أيامًا أو أسابيع، ولكنها لن تنهي السوق الهابطة ومع أخبار مثيرة للتفاؤل مثل إنهاء سياسة "صفر كوفيد" في الصين، أو تقليص العقوبات الغربية على الاقتصاد الروسي أو جدولة ديون أي من الدول المفلسة أو المهددة بالإفلاس قد تظهر سوق صاعدة مؤقتة وسط السوق الهابطة. ولكن هذه السوق الهابطة لن تتحول لأخرى صاعدة إلا إذا بدأت 6 عوامل في التغير وفقًا لـ"جيم كرامر" المحلل في "سي إن بي سي": - سوق نفط مستقرة لا يخضع السعر فيها لتقلبات كبيرة ويكون السعر مناسبًا للبائعين والمشترين. - انتهاء تعثر سوق الأغذية. - ارتفاع البطالة نسبيًا (يقترح مستوى 5%) حتى يقل الطلب على السلع بدرجة ما بما يسهم في الحد من التضخم. - التقليل من عمليات المضاربة المبنية على التوقعات فحسب. - انتظام المنحنى الصاعد للأسهم الرئيسية. - ضم الشركات المستقرة لتلك المتعثرة. وبشكل عام يمكن إضافة عنصر سابع وهو حلحلة مشكلة سلاسل التوريد العالمية بوصفها أحد أهم مسببات التضخم الذي أدى لرفع أسعار الفائدة الذي قاد بنوك العالم المركزية لما يشبه الحرب غير المقصودة برفع الفائدة بما يؤثر على الاستثمار بشكل عام وسوق الأسهم بشكل خاص. فمع تراجع تلك العوامل التي تؤدي لسوق الدببة الحالية يمكن أن تبدأ سوق الأسهم في التعافي لذا فستظهر قيعان في السوق يمكن اعتبارها نقطة شراء مثلى للعديد من المستثمرين. وفي المتوسط تتعافى الأسواق من سوق الدببة في خلال 19 شهرًا في الولايات المتحدة (التعافي أي عودتها إلى المستوى الذي سبق سوق الدببة) ولكن التدخل الحكومي يساعد كثيرًا في جعل هذه الفترة أقصر (مثلما حدث مع دعم الحكومة الأمريكية والفيدرالي لرواج الاقتصاد إبان كورونا بما أدى للتغلب على سوق الدببة خلال 126 يومًا فقط). والشاهد أن المستثمرين الخبراء وحدهم من يستطيعون رصد بداية السوق الصاعدة بما يسمح لهم بحصد مكاسب استثنائية، بالشراء في القيعان، كما يمكنهم التمييز بين انتعاش مؤقت لأن أسباب التراجع ما زالت قائمة، وآخر طويل المدى لزوال أسباب التراجع ويضعون استراتيجيتهم تبعًا لذلك.

مشاركة :